لهذه الأسباب تتعامل كتلة بري بخشونة مع مبادرة المعارضة
سواء كانت المعارضة النيابية التي انطلقت في رحلة مواجهة مع الخصوم، اختارت أن تسعّر خلافها مع رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري أو أنها تتقصد فقط تأدية واجباتها الدستورية والقيام بالدور المنوط بها، فإن مبادرتها الأخيرة التي عرفت بـ “خريطة الطريق الرئاسية”، أضافت عنصر احتقان جديدا إلى مشهد الرئاسة الشاغرة التي تبحث منذ ما يقرب من عامين عن تسوية أو صيغة ما.
لم يعد خافيا أن كتلة “التنمية والتحرير” قد شحذت همتها واستنفرت قواها خلال الساعات الـ48 الماضية، وهي تبادر بضراوة إلى التصدي لما اعتبرته هجمة المعارضة الجديدة على رئيس المجلس، خصوصا بعدما سارع أحد أعضاء الكتلة قاسم هاشم إلى استخدام لغة تصعيدية عندما وصف دعوة المعارضة بأنها عبارة عن “خوار” وليست حوارا.
لا شك في أن المعارضة النيابية مضت إلى حراكها السياسي الجديد الذي جاء تحت عنوان تسويق مبادرة جديدة، وفق خطة بارعة من صنع محترفين في السياسة، وقد هيأت لها مقدمات منذ نحو شهرين وحملات إعلامية وسياسية ركزت على أمرين:
الأول التداعيات السلبية لاستمرار الشغور الرئاسي على كل الصعد، خصوصا بعد انفلات الوضع على الحدود الجنوبية.
الثاني تحميل رئيس المجلس، وامتدادا الثنائي الشيعي، تبعات إطالة أمد الفراغ الرئاسي المشكو منه عبر نهج المماطلة والتسويف وإهدار الوقت من خلال عرقلة عقد جلسات انتخاب. وسبقت ذلك كله حملات إعلامية قاسية لـ”القوات اللبنانية” على الرئيس بري.
إضافة إلى كل ما سبق، انتظرت هذه المعارضة فترة الى أن استنفدت القوى الأخرى (الاعتدال الوطني، اللقاء الديموقراطي، وكتلة “لبنان القوي”) مبادراتها المتتالية بنتائج أقرب إلى الخيبة منها الى أي أمر آخر، لتقتحم هي المشهد شبه الخالي، فكان حضورها شبه الحصري فيه أقرب ما يكون إلى ملء فراغ مدوّ.
وفيما كان الآخرون – السابقون عبارة عن كتل محدودة العدد والحجم، كان المعارضون كثرة، إذ حزم 31 نائبا أمرهم وتناسوا خلافاتهم السابقة وتقدموا معا ليعطوا حراكهم وقعا ومبادرتهم وزنا ودويّا أكبر. وشاؤوا لحراكهم بعدا آخر عندما قرروا أن يتواصلوا مع الجميع من دون استثناء، وأن يحملوا مبادرتهم إلى كل الكتل النيابية، الموالية منها والمعارضة والوسطية، طالبين تحديد مواعيد للاجتماع بها.
فهل ساعدت كل هذه العوامل المعارضة في إحراز تقدم أو رسم علامة فارقة تميزها عمن سبقها ومن سياتي بعدها؟
عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم لا يزال عند موقفه السلبي الحاد من المعارضة ومبادرتها، معتبرا أن “لا مستقبل لها، وهي عبارة عن ممارسة نكد سياسي تريد منه إثبات حضورها في المعادلة السياسية، خصوصا بعدما صارت في نظر جمهورها والمراهنين عليها كتلة عاجزة عن تقديم أداء سياسي مختلف يراعي الحد الأدنى من الشعارات والوعود التي رفعت لواءها عاليا عندما خاضت معركة الانتخابات النيابية”. ويقول إن “عملية الدخول الأولية لهذه المعارضة إلى مربع الحراك لتسويق ما تعتبره مبادرة، قد انطوت على أخطاء دستورية، أو أنها تشي برغبة في التحدي وفتح أبواب المواجهة على مصراعيها، إذ لا يمكن إلا أن يكون بين هؤلاء من يفهم أصول العمل النيابي، ولكن يبدو أنهم شاؤوا أن يكون لدخولهم المتأخر دائرة الضوء وقع وصدى ليس إلا بغية الإيحاء لمن يعينهم الأمر أنهم قد نجحوا في احتلال صدارة المشهد ومن ثم حشر الخصوم. وهذا كله لا يشي إطلاقا برغبة أكيدة ومخلصة في بلوغ مرحلة طي صفحة الشغور الرئاسي وفتح صفحة أخرى عنوانها الاستقرار.
ويضيف هاشم: “إذا كان هؤلاء جادين في إحراز تقدم نحو إنجاز انتخابات رئاسية، فكان يتعين عليهم أن يقرأوا جيدا المادة 75 من النظام الداخلي للمجلس النيابي والتي توجب أن تكون هناك دعوة صريحة موجهة من رئاسة المجلس النيابي لفتح القاعة العامة ومن ثم انعقاد الهيئة العامة”.
وردا على سؤال عن البديل، يقول: “في اعتقادنا أن مبادرة الرئيس بري الأخيرة هي أقصر الطرق وأيسرها لكي نفتح أبواب قصر بعبدا أمام رئيس جديد، وهي مبادرة يعلمون تماما أنها جدية وواعدة، خصوصا أن الرئيس بري قد دعا إلى حوار لا يمتد أكثر من أسبوع نذهب في خاتمته إلى جلسة انتخاب إما باسم مرشح واحد وإما أكثر، ونحتكم عندها إلى صندوقة الاقتراع. المعلوم أن عمر هذه المبادرة نحو ثلاثة أشهر، ولو انهم تجاوبوا معها في حينه لكان عندنا رئيس منذ زمن، لكنهم شاؤوا كعادتهم أن يناكدوا”.
وهل ستلتقي كتلة “التنمية والتحرير” وفد المعارضة؟ يحيب: “عضو وفد المعارضة فؤاد مخزومي تواصل مع زميلنا في الكتلة فادي علامة طالبا العمل على تحديد لقاء، كذلك تواصل مع عضو كتلة الوفاء للمقاومة أمين شري للغاية نفسها، ولكن أرى أن الأمور ستؤجل إلى ما بعد انتهاء مراسم عاشوراء الأسبوع المقبل”.