حزب المسيحيّين الأوّل

 

كتب داني حداد في موقع mtv:

يتحوّل مسيحيّون في لبنان الى ندّابين. يلقي كثيرون باللوم على آخرين “سرقوا الدور” و”صادروا القرار”. الأحزاب تتبادل الاتهامات، وأحياناً الشتائم، وجمهورها يعيد من ورائها، مثل “الردّيدة” في حفلات الزجل. والكنيسة شريكة في حفلات الندب. لا مبادرات، إلا ما ندر، وما من خططٍ ولا من يخطّطون.

تراجع الدور فعلاً. المسيحيّون غائبون عن القرار. غياب الرئاسة أضعفهم أكثر. ولكن، بدل الندب، قد يكون مفيداً البحث عن نقاط القوّة.

لا نتحدّث هنا عن الأحزاب وبياناتها، ولا عن العظات والكلام المُكرّر، وقد حفظناه. نقطة قوّة المسيحيّين دورهم في القطاع الخاص. مؤسّساتهم، لا التجاريّة فقط. المدارس والمستشفيات والجامعات، ومعهم الشركات الرائدة في أكثر من قطاع والمصانع التي تلبّي السوق المحلّي وتصدّر. أفكارهم، ذوقهم، انفتاحهم، وكلّ ما صنع تميّزهم الذي جعل مسلمين كثيرين يقولون، بلا تردّد: لا يصلح هذا البلد للعيش من دون مسيحيّين.

القطاع الخاص هو حزب المسيحيّين الأول، والأكبر. قطاع الإنتاج أفعل من قطاع الشعارات، الذي يديره سياسيّون يتقاتلون عبر المنابر والشاشات. هنا ربّ العمل الذي لم يفقد الأمل بالبلد. وهنا العائلات التي صنعت أسماء رياديّة وعلامات تجاريّة باتت فخراً. وهنا الأفكار والابتكارات والأجيال التي تسلّم أجيالاً، ولا تيأس ولا تستسلم. وهنا العرق الذي يلمع على جبين عاملٍ ظلمته الأيّام، وظلمته الحكومات وسياساتها الفاشلة، وظلمه الضمان، في بلدٍ لا تضمن فيه يوم غدٍ وما سيحمله، ونحن فوق بركان المحاور والساحات الموحّدة والمسيّرات التي تسير بنا الى المجهول.

فلتكفّ الأحزاب المسيحيّة عن التقاتل الشفهيّ ولتنظر إلى القطاع الخاص. فلتدعم مطالبه، ولتعمل على تلبية احتياجاته، ولتكفّ عن النظر إليه كدجاجٍ يبيض من أجلها، ومن أجل أزلامها. فلا اقتصاد من دون قطاعٍ خاص. وما من قطاعٍ عام من دون قطاع خاص.

هذا القطاع الخاص، وتحديداً عصبه المسيحي، يجب أن يبقى حيّاً، فيبتعد ويُبعَد عن المصالح السياسيّة. هذا القطاع الخاص يجب أن يُدعَم من أصحاب الرأي، خصوصاً في الإعلام. وهو يجب أن يكون متكاتفاً، متعاوناً، فيصعب استهدافه. وهذا القطاع الخاص هو من يصنع الشراكة الحقيقيّة مع المسلمين، بلا تسوياتٍ كاذبة ومحاصصة، و”عطيني بعطيك” و”مرّقلي لمرّقلك”…

معيبٌ أن تقفل مدرسة، أو أن يصيب العجز مستشفى، أو أن تستعطي جامعة. ومعيبٌ أن نتفرّج على شركاتٍ تهوى لأنّ منافسين لجأوا الى اقتصادٍ غير شرعي. كما في السياسة والأمن كذلك في القطاع الخاص، غير الشرعي يواجه الشرعي. وظلمٌ أن تتعرّض مؤسّسات لعقابٍ من حكوماتٍ فاشلة، بينما يلتهي سياسيّون بكتابة بيانات وافتعال سجالات.

هو حزب المسيحيّين الأوّل، نكرّر. لا يرتبط بزعيمٍ، ولن يرثه فردٌ من أبناء العائلة. هكذا حزب يليق به أن يوصل رئيساً. هكذا حزب يصنع حضوراً ودوراً. وقد يصنع، إن دعمناه، وطناً.

Leave A Reply

Your email address will not be published.