هل حان الوقت لعودة القروض المصرفية إلى الواجهة من جديد؟

 

 

اكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ان «منذ بداية الأزمة حتى اليوم شهد الاقتصاد انكماشًا وانخفض الدخل القومي من حوالي 55 مليارًا إلى أقل من 20 مليار دولار وفقدت الليرة اللبنانية حوالي 98% من قيمتها». وقال: «حان الوقت ليعيد القطاع المصرفي عملية التسليف وهذا القطاع يعتبر المحرك الأساسي للنمو». ورأى انه «يجب العمل على إنجاز القوانين الإصلاحية وحل قضية المودعين.»

لا شك أن كلام منصوري عن ضرورة عودة القطاع المصرفي إلى عملية التسليف أمر ضروري وأساسي لإعادة تفعيل الإقتصاد،ولكن إنطلاقاً من هذا الأمر برزت تساؤلات حول جدوى هذا الإعلان في ظل الأزمة الإقتصادية التي ما زال يعاني منها لبنان،وعلى وجه الخصوص أزمة «إسترداد أموال المودعين» التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا من دون أي حل عملي،ناهيك عن قدرة المصارف على تمويل هذه القروض المصرفية في حال تم تفعيلها،فهل الكلام عن إعادة عملية التسليف في القطاع المصرفي هو أمر جدي يجب تطبيقه على أرض الواقع أم أنها مجرد تمنيات؟

الخبير في المخاطر المصرفية محمد الفحيلي يشير لـ«اللواء» إلى أنه من الطبيعي إقتصادياً أن تكون القروض متنفس ضروري لأنها تساعد أصحاب الأفكار الإقتصادية الجيدة والمنتجة والإستثمارية على أن تجد التمويل لهذه الأفكار وأن توضع قيد التنفيذ، ولكن في الوقت نفسه هذه القروض بحاجة إلى سيولة وإذا كانت متوفرة لدى المصارف لإعطاء القروض «بالدولار» فأخلاقياً وقانونياً يجب أن يكون جزء من هذه السيولة متوفرة لتأمين حاجة المودع والجزء الآخر يستخدم لدعم الإقتصاد من خلال تأمين قروض سواء للأفراد أو للمؤسسات.

ويشدد الفحيلي على أنه في حال عودة المصارف إلى إعطاء القروض ومصرف لبنان ومجلس النواب يقومون بتأمين الأرضية الشرعية لكي يتم إعطاء هذه القروض وتسترده بالـ «فرش»، من دون أي إعتبار للمودعين فهذا العمل سيكون غير أخلاقي ومناقبي وقانوني، وهناك الكثير من المصارف القادرة على الإستمرار في خدمة الإقتصاد أخذت قرار بأن توظف السيولة التي بحوزتها في مصارف خارج لبنان خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية باعتبار أن الفوائد على الدولار وصلت إلى حدود 5.30%، والفيدرالية الأميركية متمسكة بفوائد عالية لمحاربة الضغوطات التضخمية لذلك المصارف اللبنانية التي لديها سيولة زائدة تقوم بتوظيفها وتحصل من خلالها أرباح إستثنائية عبر الإستفادة من الفوائد العالية على الدولار في الوقت الذي قاموا بالتوقيف النهائي لدفع أي فوائد على ودائع الناس،ولكن يقومون بتشريج العمولات على صيانة الحسابات التي تصل إلى الـ 5 و7 و أحياناً 10 دولار في الشهر في بعض المصارف.

ويعتبر أن كلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصري المتعلق بإعادة عملية التسليف المصرفي هو منطقي من الناحية الإقتصادية،ولكن عندما يتم الأخذ في الإعتبار الوضع في لبنان فإن أي توجه لإعطاء أي قروض جديدة مع ضمانة، وتأمين الأرضية الشرعية والقانونية لهذه القروض دون إعطاء إعتبار لحاجات المودعين وتأمين جزء من هذه السيولة لتلبية حاجاتهم هو عمل غير أخلاقي.

ويلفت إلى أن السلطة صاحبت الإختصاص عليها أن تتأكد من أن لا تعود المصارف إلى عملية التسليف إلا من خلال تخصيص جزء من هذه السيولة،لدفع الأموال للمودعين لأن من دون القيام بهذا الأمر هو جريمة أخلاقية بحق اللبنانيين، والمصارف التي استفادت من توظيف سيولتها خارج لبنان تستطيع أن تلبي حاجة المودعين وتعطي قروضاً للناس.

ويختم الفحيلي قائلاً:«أن هناك محاولة للتسويق بأن هناك قروضاً سيتم إعطاؤها للمودعين ،من دون التطرق بالمقابل إلى كيفية تأمين حاجات المودعين،ولكن المصارف التي تستطيع أن تلبي حاجات المودعين وأن تعطي قروضاً لهم ليس هناك مبرر لها أن تسأل عن كيفية إعطاء هذه القروض بحجة أنها غير قادرة على تأمين الأموال وإعطائها للمودعين لأنها هي قادرة وتستطيع باعتبار أنها قامت بإعادة تكوين للسيولة التي تمتلكها من خلال التوظيفات على الفوائد المرتفعة،ولأنها لم تؤمن السحوبات المالية ولتخفيف من المطلوبات لديها من خلال إستنزاف أرصدة الودائع بالعمولات الأجنبية ومصرف لبنان يشاركها في السحوبات،لذلك السيولة التي تقوم المصارف بتأمينها لسحوبات التعميم 158 والـ166 مصرف لبنان يقوم بتحمل نصفها والمصارف تقوم بتحمل النصف الآخر لذلك على المصارف التي تستطيع إعطاء هذه القروض أن تقوم بواجبها من خلال إعادة تفعيل الإقتصاد من خلال تأمين السحوبات لأصحاب الودائع،وتأمين القروض لأصحاب الأفكار المنتجة.»

أما قانونياً فيشير المحامي البروفسور نصري دياب إلى أن ما يقوم به حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري عمل عظيم جداً على صعيد وقف الإنفاق في مصرف لبنان أي وقف تمويل للدولة اللبنانية من قبل مصرف لبنان منذ استلامه للمنصب وهذا أمر أساسي ومهم.

ويلفت البروفسور دياب لـ«اللواء» إلى أن لا يمكن أن يتم تفعيل الإقتصاد إلا من خلال إعادة عجلة الدين،لأن المصارف في نهاية الأمر هي تأخذ الودائع لتستطيع القيام لاحقاً بعملية التسليف،وليس لوضعها في حوزتها أو في الخارج لذلك ما يقوله منصوري وما يقترحه فيما يتعلق بالتسليف في القطاع المصرفي هو الصواب والمنطق بعينه.

ويوضح أنه لكي يكون هناك قدرة على التسليف هناك إشكاليتين أساسيتين، الأولى وهي القانونية أما الثانية وهي المالية والمصرفية المحض من الناحية القانونية هناك مواد في قانون الموجبات والعقود وفي قانون النقد والتسليف تقرأ من قبل المحاكم على أنها تمنع على الشخص الذي قام بالتسليف بالعملة الأجنبية على السوق اللبناني بأن يفرض على مدينه بأن يسدد بهذه العملة،أي أن المدين له الحق بحسب المحاكم وإجتهاداتها بأن يسدد دينه المحرر بالعملات الأجنبية بالليرة اللبنانية لأن هناك قوة إبرائية للليرة اللبنانية.

ويشدد على أنه من الصعب قيام دائن بعملية التسليف بحال كان مدركاً بأن مدينه يستطيع بأن يلزمه بقبول دفع الدين بالليرة اللبنانية،وهناك مشاريع قوانين تم تقديمها للمجلس النيابي لتعديل هذه المواد لكي يقولوا بأن من قام بالإستدانة بالعملة الأجنبية ملزم بتسديد هذا الدين بالعملة الأجنبية،هذا الأمر ممكن أن يكون بداية حل ولو مؤقت فيما يتعلق بالشق القانوني على الرغم من أن ليست هناك آلية واضحة متبعة من قبل القضاة للتمييز بين دولار ودولار آخر باعتبار أن الدولار ليست عملة وطنية إنما عملة أميركية ولا نستطيع أن نعتبر بأن هناك دولارات قديمة أو جديدة وإقناع القضاة بهذا الأمر.

وفيما يتعلق بالمشكلة المالية والمصرفية يختم البروفسور دياب قائلاً:«أنه لا يستطيع المصرف أن يقوم بالتسليف من خلال الدولار الجديد لأنه لكي يقوم بهذا الأمر،يجب أن يكون لديه دولارات جديدة كافية، والدولارات الجديدة لا يستطيع تسليفها غير لمدين قادر على تسديد دولارات جديدة أيضاً،لذلك إذا لم يكن هناك مدخول لدى المودع بالدولارات الجديدة في هذه الحال، فلا يستطيع المصرف أن يسلفه بالدولار الجديد لأنه يعلم بأن المودع ليس قادراً على أن يسدد هذا الدين.»

Leave A Reply

Your email address will not be published.