تلوح أمام المملكة العربية السعودية ونظيراتها من دول مجلس التعاون الخليجي فرصةٌ فريدةٌ لتولي زمام الريادة في تنمية أسس الطاقة المستدامة عالمياً، وتنويع وإثراء اقتصاداتها في الوقت ذاته.

تُعدّ دول الخليج من أكبر الدول المنتجة والمصدّرة للنفط والغاز، مما يجعلها عُرضةً للضغوطات، خاصة في ظل التوجه العالمي المتسارع نحو مصادر الطاقة المُتجددة. لكنّنا نرى في هذا التحدي فرصة كبيرة؛ فبفضل الاستثمارات الهائلة، والبنى التحتية المتقدمة، والإرادة السياسية القوية، إلى جانب الموارد الوفيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح منخفضة التكلفة، تجد المملكة ودول الخليج نفسها في مركز مثالي للعب دور حاسم في هذا التحوّل العالمي في مجال الطاقة.

وكما أوردنا في كتابنا الأخير «المناورة العربية: الطريق إلى الريادة في مشهد الطاقة المتغير» ، تتمتّع دول الخليج بقدرة فريدة على تحقيق التوازن بين العرض والطلب على جميع أنواع الطاقة، سواءً كانت هيدروكربونية أو متجددة، دون المساس بأمن الطاقة.

تسعى المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى إلى زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، بالتزامن مع الحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة حيث إنّ وفرة أشعة الشمس والرياح في منطقة الخليج تعني أنّها قادرة على إنتاج وتصدير الطاقة المتجددة بتكلفة منخفضة باستمرار مقارنةً بأي منطقة أخرى. والدليل على ذلك هو أنّ ستة من أصل عشرة مشاريع قائمة على الطاقة الشمسية منخفضة التكلفة تقع في دول الخليج، إذ يتصدر مشروع الشعيبة في المملكة العربية السعودية هذه المشاريع من حيث التكلفة المنخفضة، حيث يمكنه توليد الطاقة الشمسية بتكلفة قياسية تبلغ 1.04 سنت أمريكي لكل كيلوواط/ ساعة، وهو ما يعادل خُمس المتوسط العالمي للطاقة الشمسية الكهروضوئية لعام 2021.

علاوة على ذلك، يتيح الموقع الجغرافي المركزي للمنطقة سهولة الوصول إلى الأسواق الكبيرة في أوروبا وآسيا، وكذلك الأسواق النامية في إفريقيا. كما يتوفر رأس مال جاهز لتمويل عملية التحوّل، إذ يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي أصولاً تتجاوز قيمتها 900 مليار دولار أمريكي. ومن الجدير بالذكر أنّ النظام التشريعي في دول الخليج مُهيأ لدعم هذا الدور العالمي، حيث يساعد سوق الطاقة ذو المشتري الواحد الهيئات التنظيمية على وضع سياسات استثمارية فعّالة في مجال توريد ونقل الطاقة.

إنَّ التحدّي الأكبر أمام المنطقة الآن هو الاستفادة القصوى من هذه الانطلاقة القويّة خلال الأشهر والسنوات المقبلة. تمتلك المملكة العربية السعودية وجوارها من دول الخليج الفرصة لتطوير صناعات جديدة قائمة على الموارد المتجدّدة التي تزخر بها المنطقة، مثل الهيدروجين الأخضر، والبلاستيك المُعاد تدويره، والبروتينات الاصطناعية، والتصنيع القائم على الطاقة المنخفضة، إلى جانب العديد من الفرص الأخرى.

وتُشير تقديراتنا إلى أنّ حجم الاستثمار المطلوب سيصل إلى 3 تريليونات دولار أمريكي تقريبًا على مدى العقدين المُقبلين لتطوير هذه القطاعات الجديدة حيث يأتي توفير الهيدروجين النظيف في طليعة هذه الاستثمارات. وفي المُقابل، يُمكن أن تشهد المنطقة مزايا اقتصادية واجتماعية هائلة، فضلاً عمّا ستحققه المنطقة من مكانة ونفوذ على الصعيد العالمي، ومن بين هذه المزايا توفير الآلاف من فُرص العمل وتسريع عجلة «التوطين» وتنويع الاقتصاد، وكُلها أهداف تجسدها إستراتيجية «رؤية السعودية 2030».

كما يُمكن كذلك لدول الخليج تعظيم دورها وتأثيرها على نطاقٍ أوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك من خلال بناء أُطر عمل وشبكات تعاونية للطاقة. تتمتع دول الخليج بميزة طبيعية تتمثل في قدرتها على الوصول إلى رأس المال، إلى جانب استقرارها، وهو ما يُمهّد الطريق لضخ استثمارات طويلة الأجل قد تعجز عنها بعض الدول الأخرى في المنطقة. وقد بدأت هذه الآفاق تتشكّل على أرض الواقع؛ فعلى سبيل المثال تتطلع الشركة السعودية، أكوا باور، إلى زيادة وتيرة الاستثمارات في كُلّ من مصر والمغرب، للتوسّع في مشاريع الطاقة النظيفة في هاتين الدولتين، كما استحوذت الشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب) على حصة بنسبة 20 ٪ في مشروع أردني رائد لطاقة الرياح.

الانتقال من «دولة نفطية» إلى «قوة خضراء» يستلزم رؤية واضحة للمستقبل، وانضباطًا تامًّا، وتنفيذًا مُتقَنًا. ويتطلب تحقيق هذه الطموحات من حكومات المنطقة تنفيذ المشاريع الطموحة وتطبيق حوكمة متينة، كما ستحتاج دول الخليج إلى رفع معدل الابتكار وتطوير القدرات المطلوبة في كلّ مرحلة. وقد تحقق دول الخليج الريادة «الخضراء» بمفردها، إلا أن جهودها ستكون أكثر فعالية وفرص نجاحها أوفر إذا تعاونت مع دول الخليج الأخرى. التميز في هذا السباق يستحق كل الجهود، لأنه سيؤمن الريادة العالمية في مجال الطاقة ويزيد من النمو والازدهار محلياً.

1 د.يحيى عانوتي الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط، ومدير منصة الاستدامة في برايس ووتر هاوس كوبرز الشرق الأوسط
جريدة الرياض: السعوديه