أزعور مستمرّ في ترشحه ويرفض “رئيس إدارة الأزمة”

 

درج المرشح لرئاسة الجمهورية الوزير السابق جهاد أزعور على عدم الخوض في أي نقاشات أو مناظرات إعلامية منذ طرح اسمه. ويكتفي بتواصله مع الكتل والنواب الذين يؤيدونه الرأي ويرون فيه المرشح المؤهل لهذه المهمة، ولا يرفع حواجز بينه وبين سائر أعضاء البرلمان. وعندما يحضر الى بيروت يلتقي بعيدا من الإعلام جهات لم تقترع له، ومنها الرئيس نبيه بري وسواه من الشخصيات. واقعيته شديدة في مقاربته مسألة ترشحه، ولا يغيب عامل الظرف السياسي عن عملية الانتخاب، وهذا ما تثبته الوقائع المحلية والدولية منذ انتخابات الرئيس بشارة الخوري عام 1943 إلى انتخاب الرئيس السابق ميشال عون.

وبعدما حصل أزعور على 59 صوتا في آخر جلسة قبل سنة، تبدّلت الأحوال بين الجهات التي أيدته في تقاطع جمع أكبر تكتلين مسيحيين: “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، فضلا عن حزب الكتائب وكتلة “تجدد”، إلى مجموعة لا بأس بها من النواب “التغييريين” والمستقلين.

تقول “القوات” إنها ما زالت على تأييدها لأزعور، مع التذكير بأن تركيبة هذا التقاطع المسيحي جاءت من صناعة عونية أولا “أنتجت” ثلاثة أسماء، واختارت “القوات” أزعور آنذاك بعد انسحاب النائب #ميشال معوض من المواجهة. ويبقي “التيار” و”القوات” على شعرة معاوية الرئاسية بينهما رغم افتراقهما في النظرة والتطلعات في الملف الرئاسي. ولم يعلن أي منهما أنه تخلّى عن أزعور رغم توجه أكثر من طرف إلى الدعوة نحو الخيار الثالث، وهذا ما قاله الموفد الفرنسي جان- أيف لودريان من دون أي قفازات، أي استبعاد أزعور وسليمان فرنجية الذي ما زال المرشح الوحيد عند ثنائي “حزب الله” و”أمل” بعد حصوله على 51 صوتا، فلا يريد الانسحاب من ميدان المنافسة ولا يتراجع عن ترشحه، ويستمر في انتقاداته ومناكفاته المتبادلة مع الأقطاب المسيحيين الذين لا يوفرونه بدورهم.

في غضون ذلك، لا يقول “التيار” إنه لم يعد يؤيد أزعور، لكنّ الهمّ الأول عند رئيسه النائب جبران باسيل بعد تبيان عدم إنتاجية كل جولاته الأخيرة ودخوله في هدنة مع الرئيس نبيه بري، ينصب على إبعاد سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، ولا يمانع عندها في طرح أكثر من اسم على طاولة “تشريح” المرشحين.

وبعد مرور 12 شهرا على آخر جلسة انتخاب، لا يخفي كثيرون حساسية هذا الاستحقاق اليوم في ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة، على وقع تسارع الأحداث العسكرية في غزة وجنوب لبنان. يضاف إلى المشهد عدم ميل الحكومة الإسرائيلية حتى الآن الى السير بوقف النار الذي تعمل واشنطن على تحقيقه لجملة من الأسباب، منها ما يتعلق بحملة انتخابات الرئاسة لجو بايدن ليبقى في البيت الابيض.

يفهم من كل هذه المعطيات أن الظرف السياسي في البلاد قد تبدل في ظل أوضاع غير مشجعة على أكثر من صعيد. والحال أنّ على الرئيس المقبل، في حال إتمام هذا الاستحقاق، أن يعي جيدا حقيقة الأخطار المحدقة. وهذا ما يشدد عليه أزعور في الاتصالات التي يتلقاها من نواب وسياسيين متابعين. وكانت المجموعة “الخماسية” قد أشارت إلى هذا الأمر، وهي تحذر من التأخير المفتوح والاستمرار في الشغور الرئاسي. وتقول مصادر مواكبة إن المسؤولين الفرنسيين في الإليزية لم يحسنوا التعامل مع ملف الرئاسة “فوقعوا في جملة من الأخطاء وفقدوا الإمساك بهذا الملف”، رغم كل محاولاتهم الدؤوبة لوضع بصمة لهم في استحقاق الرئاسة الأولى المعطل.

يعاين أزعور كل هذه الوقائع في لبنان والخارج بعناية شديدة، ويستمر في تواصله مع أكثر من كتلة، فضلا عن النواب المستقلين. ولسان حاله أنه يرفض أن يكون رئيسا لإدارة أزمة، أو “ناطورا”، علما أنّ أيّا من المرشحين لا يقدر أن يلزم أي كتلة نيابية انتخابه، وأي فريق لا يعمل في النهاية إلا وفق مصلحته الانتخابية. والمطلوب في ظل كل هذه التطورات رئيس يقدر على التواصل مع الجميع ويستطيع في الوقت نفسه التواصل مع الدول العربية والغربية وإيران، مع ضرورة التنبه لحصول أي تبدلات في المنطقة وسط كل مناخات التوتر التي تسيطر على المشهد في الإقليم والعالم، وسط انشغال أكثر من دولة معنية بلبنان باستحقاقاتها الداخلية على مستوى المجموعة “الخماسية”، حيث تنصرف أميركا إلى انتخاباتها الرئاسية من اليوم حتى نهاية تشرين الثاني المقبل، فضلا عن انهماك الفرنسيين بانتخاباتهم النيابية المقبلة.

وتبقى السعودية ومصر على حالهما في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، مع بروز اندفاعة من قطر في استقبالها أكثر من جهة نيابية وسياسية لبنانية.

ويقول لسان حال الدوحة بحسب مصادر ديبلوماسية إنها ستبقى على مقاربتها حيال لبنان ودعمها مؤسساته وفي مقدمها الجيش، مع اعتراف الجميع بأن انتخابات الرئاسة تبقى مسؤولية اللبنانيين في الدرجة الأولى، ومن الأسلم لهم الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تنتظرها أجندة طويلة من المشاريع والمهمات، تبدأ من بت التعامل مع صندوق النقد الدولي ولا تنتهي بإعمار البلدات التي دُمّرت في الجنوب، مع ترقب المسار الذي ستنتهي إليه الأمور والتطورات على الحدود الجنوبية التي تقترب من شفير حرب كبرى، إذ لم تنجح بعد الوساطة الأميركية التي يخوضها كبير المستشارين في الأبيض أموس هوكشتاين بين تل أبيب وبيروت، في إنقاذ لبنان الواقع بين منزلتين عسيرتين، حربية ورئاسية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.