هل يحافظ الدولار على عرشه؟

 

عاودت قيمة الدولار الارتفاع مرة أخرى هذا العام، مقارنة بجملة من العملات العالمية الأخرى، وذلك في تحدٍّ لتوقعات المحللين.

وظلت قوة الدولار في الوقت الحالي، مهيمنةً على الأسواق العالمية منذ 10 سنوات. لكن يتساءل العديد من خبراء القطاع، عما إذا كان للدولار المقدرة للمحافظة على عرشه. وعلى عكس ما توقعه الكثيرون في «وول ستريت»، حصل الدولار الأميركي على دفعة جديدة هذا العام، حيث أدت بيانات التضخم الصعبة لتراجع المستثمرين عن الرهانات المتعلقة بتخفيضات أسعار الفائدة.

وقياساً على عملات أخرى، لا يزال الدولار دون مستويات الذروة التي حققها في عام 2022، عندما أقدم الاحتياطي الفيدرالي، على رفع أسعار الفائدة. لكن ظلت قيمته مرتفعة، من حيث القيمة المعدلة وفقاً للتضخم، وأقل بنحو 10% فقط عن المستوى الذي أنهى عنده ريتشارد نيكسون قابلية تحويل الذهب في عام 1971، بحسب بيانات صادرة عن بنك التسويات الدولية.

لم يشهد الدولار هذه القوة منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان البنك تحت رئاسة بول فولكر، محافظ البنك المركزي المتشدد. وحقق الدولار ارتفاعاً كبيراً في عام 1985، مما أثار قلق المسؤولين الأميركيين، في أن ينجم عن ذلك ضرر لقطاع الصناعة المحلي. واتفق المسؤولون، في اجتماع مع نظرائهم من بريطانيا واليابان وألمانيا وفرنسا، على تنسيق خفض قيمة العملة التي تراجعت بأكثر من 30% بحلول عام 1988، بحسب «وول ستريت جورنال».

والأهم من ذلك، تسارع وتيرة النمو الاقتصادي خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية، ما يتسبب عادة في إضعاف العملة الأميركية. وتشير البيانات الأخيرة لتسارع عجلة النمو في أوروبا واليابان، فضلاً عن الزخم الذي يكتسبه تعافي الاقتصاد الصيني. كما تسعى الصين في الوقت الراهن لرفع قيمة اليوان.

ويؤكد كل ذلك أن الوقت مناسب للمستثمرين بالدولار في أميركا، تحويل المزيد من أموالهم للخارج. وعادة ما يسهم ضعف قيمة الدولار في الدفع بعجلة النمو الاقتصادي العالمي. وما يقارب 50% من الفواتير التجارية ونحو 75% من الديون غير البنكية العالمية، مُقومة بالدولار، ما يُمكن خاصة الدول الناشئة، التي تعاني الاقتراض حتى بعملاتها المحلية، من تحقيق الانتعاش كلما ضعف الدولار.

وحتى لو ساهم ضعف الدولار في اتساع دائرة النمو الاقتصادي، وليس سبباً مباشراً فيه، فإنه لا يزال يشكل عنصراً صعودياً لأسواق الأسهم العالمية، حيث تعتبر البنوك الأوروبية التي تعاني التمزق، مثالاً مناسباً لذلك.

ولم تشهد أسهم الدول الخارجية هذه الدفعة كثيراً منذ الأزمة المالية العالمية. ومع ارتفاع قيمة الدولار المعدلة حسب التضخم بنسبة 35% منذ نهاية عام 2009، فإن مؤشر أم أس سي آي «MSCI»، الذي يتتبع الأسواق المتقدمة خارج أميركا الشمالية، لم يحقق سوى نحو 200% فقط، مقارنة بنحو 500% لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500».

وشهدت الفترة الأخيرة عندما انخفض الدولار، بين عام 2020 ومنتصف عام 2021، تسارع وتيرة الأسهم الأميركية إلى الأمام بشكل يدعو للحيرة، مدعومة بعمالقة التكنولوجيا الذين يجنون مكاسب «الجائحة».

ونجم عن ذلك توقف المستثمرين عن مزاولة نشاطاتهم، ووضع كل البيض في السلة الأميركية. كما من المؤكد أن ارتفاع سعر الصرف الحقيقي للدولار مقارنة بالماضي، قد يكون خادعاً إلى حد ما، فالتكيف مع التضخم أمر بالغ الصعوبة؛ نظراً إلى أن أغلب المنتجات لا يتم تداولها داخل الحدود. وعندما يتعلق الأمر بالطاقة التي لها تأثير كبير، تحولت الولايات المتحدة من مستوردٍ صافٍ إلى مُصدرٍ صافٍ؛ وذلك بفضل ثورة النفط الصخري في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

علاوة على ذلك، ساعدت عودة واشنطن مؤخراً لسياسة التصنيع في تدفق موجة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل الولايات المتحدة الأميركية. ووفقاً للنظرية الاقتصادية، من المتوقع أن تؤدي الرسوم التي فرضتها الحكومة في الآونة الأخيرة لرفع قيمة الدولار.

ربما يعيد التاريخ نفسه، لكن ليس بالدقة ذاتها، حيث لا ينبغي للمستثمرين انتظار عمليات البيع الكبيرة للدولار، مثل التي أعقبت اتفاق بلازا، الذي تم بين أميركا وألمانيا واليابان وفرنسا وإنجلترا، بشأن خفض قيمة الدولار. كما لا ينبغي لهم أيضاً، افتراض أن في مقدور العملة الأميركية، الاستمرار في الارتفاع للأبد.

جريدة الاتحاد ابو ظبي: حسونه الطيب

Leave A Reply

Your email address will not be published.