الجامعة اللبنانية تستعدّ لافتتاح أول مصنع تكنولوجي في 11 تمّوز

 

لطالما كانت الجامعة اللبنانية في صلب البحوث الجامعية، قبل أن تطيح الحروب المتعددة بإمكانياتها وتشرذم كلياتها، فأقعدت فيها الإبداع الجامعي وحرمت طلابها من المشاركة في “تغيير” العالم، والدخول إلى جانب زملائهم في الجامعات الخاصة إلى حلبة السباق العلمي مع جامعات في الإقليم والعالم، كان تصنيفها يقع خلف الجامعة الوطنية.

بيد أن الأبحاث وخصوصاً في تكنولوجيا المعرفة، التي تتقدّم اليوم على ما عداها من الصناعات عالمياً، تحتاج الى تمويل كبير، لا تقدر عليه موازنات جامعية هزيلة. لذا تلجأ إدارات الجامعات الكبرى في مختلف دول العالم، إلى توقيع عقود مع شركات ومؤسسات صناعية تشتري بموجبها الأخيرة عبر تمويلها المباشر للأبحاث الجامعية جميع نتائج الابتكارات المحققة، وتستحوذ على المخترعين والمكتشفين ضمن فرق عملها.

هكذا تفعل “تيسلا” في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك “آيفون” و”أبل” وغيرها، وهكذا فعلت “سامسونغ” في كوريا الجنوبية واليابان، وهكذا تفعل “باير” وغيرها في ألمانيا وأوروبا، وهكذا فعل رجل الأعمال طلال أبو غزالة مع الجامعة اللبنانية. فالأخير وقّع معها اتفاقاً لـ”تصنيع وتجميع وإنتاج أجهزة إلكترونية” مستهدفاً رفع مستوى الأبحاث الجامعية فيها إلى المستوى الذي يجيده العقل اللبناني، ويمكن معه تحقيق إنجازات علمية وإبداعية، لم تكن يوماً بعيدة عن قدرة وذكاء الطلاب اللبنانيين.

لا يعود استثمار أبو غزالة وإيمانه بريادة بالعقل اللبناني، بالفائدة على أم الجامعات اللبنانية فحسب، بل أيضاً على مستقبل الطلاب المنخرطين في التحدّي البحثي، وعلى اقتصاد التكنولوجيا الفتيّ في لبنان.

افتتاح خطّ الإنتاج الأول

في 14 تموز 2023 وقّعت الجامعة اللبنانية اتفاقاً لـ”تصنيع وتجميع وإنتاج أجهزة إلكترونية” مع شركة طلال أبو غزالة للتقنية. وفي أقل من سنة أصبحت الجامعة جاهزة لافتتاح أول خط إنتاج من بين ثلاثة خطوط تم التخطيط لإنشائها.

الجامعة حصلت على شهادة الترخيص الصناعي من وزارة الصناعة الأسبوع الماضي، فيما أكد المدير التنفيذي وممثل الدكتور طلال أبو غزالة في لبنان برهان الأشقر لـ”النهار” أن شركة طلال أبو غزالة للتقنية جهّزت “مصنع الجامعة” بالمعدّات اللازمة لثلاثة خطوط إنتاج: لوحة رقمية (التابليت) وجهاز كمبيوتر محمول (لابتوب)، والهاتف الذكي (أندرويد) إضافة الى خط آخر للتغليف.

من الاختراعات.

كان يُفترض افتتاح المصنع الأسبوع المقبل، بيد أن ظروفاً خاصة بالرئيس نجيب ميقاتي الذي أصر على حضور الافتتاح استدعت تأجيله الى 11 تموز المقبل. وحتى اليوم الموعود، يُفترض أن تكون الجامعة قد أعدّت العدّة للمفاجأة التي ستطلقها في يوم الافتتاح.

المواد الأولية لخطوط الإنتاج ستُستورد من الخارج، على أن يتم التجميع في لبنان كمرحلة أولى. أما إيرادات الإنتاج فستتقاسمها الجامعة مع شركة أبو غزالة، فيما سيتقاضى الطلاب بدلات عن عملهم وفق المراسيم والقوانين المرعيّة الإجراء في الجامعة التي ستتولى إدارة المصنع والإنتاج تحت إشراف شركة أبو غزالة التي ستتولّى بدورها تدريب الأساتذة والطلاب على خطوط الإنتاج وطريقة استخدام الآلات.

وأشار الأشقر إلى أن “مجموعة طلال أبو غزالة تملك معامل مماثلة في الصين ومصر والأردن وستنقل الأسرار التكنولوجية وتقنيات التصنيع والتجميع إلى معمل الجامعة اللبنانية بما يفتح المجال للطلاب للعمل على تطوير التقنيات. ففكرة أبو غزالة قائمة على نقل التكنولجيا لخلق فرص ابتكار جديد للطلاب أو إضافة أي شيء جديد على خط الإنتاج بما يخوّلهم تسجيله كبراءة اختراع”.

حتى اليوم لم يحدّد حجم الإنتاج المفترض، ولكن القرار اتّخذ بالبدء بخط إنتاج أجهزة “التابليت” لخدمة عملية التحول الرقمي في التعليم، وفق ما يؤكد الأشقر الذي يوضح أن الطلاب حالياً في مرحلة التدريب، والمرحلة التجريبية للتشغيل.

الطلاب في جهوزية تامة

قد يكون الاتفاق بنتائجه الذي بدأت تباشيره بالظهور، مقدمة لدخول رجال أعمال وشركات تكنولوجيا إلى “السوق” الجامعية اللبنانية المليئة بالطاقات الشابة التي تبحث عن فرص لها في الخارج، فيما يمكنها أن تصنع مستقبلها على أرض الوطن مذيّلاً بفخر “صُنع في لبنان”.

وهذا الاتفاق هو الخطوة النوعية الأولى لتحويل الجامعة اللبنانية إلى جامعة تعليمية بحثية منتجة، لدعم الاقتصاد وزيادة مداخيلها. فالجامعة لا تزال تمتلك رصيداً وقدرات تعليمية وأكاديمية وكليات ترفع اسمها في الدول العربية والعالم، بدليل تصنيف Qs الجامعي العالمي لسنة 2025 الذي صنّفها في المرتبة الأولى لبنانياً في السمعة المهنية، بعدما كان قد أدرجها في عام 2024 في المرتبة 577 عالمياً، والثانية لبنانياً، ومنحها مركزاً متقدماً في مقياس السمعة المهنية، تنافس فيه أهم الجامعات العربية والعالمية”.

تجميع احدى الاختراعات.

منسّق المشروع الدكتور علي رمال أكد لـ”النهار” أنه “تم تدريب نحو 50 طالباً، فيما حاجة المصنع الى نحو 50 آخرين. الطلاب أصبحوا على جهوزية تامة للعمل على خطوط الإنتاج الثلاثة وعلى الآلات المتخصصة بالبحث العلمي والتغليف والصيانة وغيرها”. ويلفت رمال الى أن “خطوط الإنتاج الثلاثة لن تُشغّل دفعة واحدة، بل تباعاً وفق خطة تبدأ بتشغيل خط “التابليت” وتليها هواتف الأندرويد ومن ثم خط إنتاج الحواسيب”.

أهمية المشروع، وفق رمال، تكمن في تطوّر البحث العلمي، وفي التوأمة مع مختبرات الهندسة في الجامعة. فصناعة المواد والقطع الإلكترونية تعطي تجارب كبيرة غير مسبوقة لطلاب الهندسة والمعلوماتية ولطلاب معهد التكنولوجيا، هذا عدا عن أن الجامعة اللبنانية ستصبح أول جامعة في العالم تمتلك مصنعاً خاصاً بها”. ويضع رمال هذه الخطوة في إطار تحويل الجامعة الى جامعة منتجة، تماماً كما المعهد الطبّي في الجامعة اللبنانية الذي يدرّب طلاب الطبّ والمعالجين، حيث سيصبح المصنع مساحة تدريب لطلاب الاختصاصات التقنية والهندسية.

وبالحديث عن حجم الإنتاج والإيرادات، يرى رمال أن “كمية الإنتاج مرهونة بحجم الطلب، لكن التقديرات تشير الى إنتاج بين 3000 و5000 قطعة شهرياً بقدرة تنافسية عالية محلياً وعالمياً”، لافتاً الى أن “60% من إيرادات المشروع لشركة طلال أبو غزالة، و40% للجامعة اللبنانية التي ستخصّصها لمصاريف المعمل وبدل أجور الطلاب والعاملين فيها”.

Leave A Reply

Your email address will not be published.