فيتو “الأقدمية” الشيعي يرحّل تفرغ الجامعة
في الوقت الذي تركز فيه وزارة التربية والتعليم العالي على إجراء الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية، التي حسم موعدها في 29 الجاري، بُذلت جهود عبر اتصالات ومشاورات لتذليل العقد التي تواجه ملف التفرغ في الجامعة اللبنانية لرفعه إلى مجلس الوزراء وإقراره وفق الصيغة المعدة في التربية، والمعروفة بثلاثية “الحاجات والأقدمية والتوازن” لكنها لم تحقق نتائج بفعل استمرار تمسك “الثنائي الشيعي” بمعادلته للتفرغ وفق الأقدمية، وهو ما يعني بقاء فيتو “الطائفة” مرتفعاً ويشكل عقبة أمام رفع الملف وإقراره، واستطراداً ترحيله إلى وقت غير معلوم إن لم تحدث معجزة تحرّك المياه الراكدة وتضعه على سكة الحل.
يتمسك وزير التربية عباس الحلبي بصيغة التفرغ التي أُعدت وفق المعادلة الثلاثية القائمة على معايير أكاديمية، إذ إن لائحة أسماء المتعاقدين المرشحين التي تضم 1214 أستاذاً موزعين على الكليات، لم تخضع لرغبات المكاتب الحزبية ولا للمحاصصة، وإن كانت أخذت في الاعتبار #التوازن الطائفي وفق ما هو متاح بنسبة 55 في المئة للمسلمين و45 للمسيحيين، هي الأكثر واقعية تلاؤماً مع ظروف الجامعة وعدد طلابها وموازنتها، علماً بأن الحاجة الفعلية اليوم بعد تحديد الملاكات هي حوالى ألف أستاذ.
الملف الموجود حالياً في التربية والمنجز منذ 22 شباط 2024، سيبقى معلقاً إلى أجل طويل، وكلما تأخر إقراره انتظاراً لمعادلات جديدة أو تغييرات في الجامعة نفسها أو في التوازنات الطائفية، سيزيد حجم التعقيدات التي ستواجه التفرغ، إذ يمكن أن تظهر اعتراضات طائفية مقابلة لشروط “الثنائي الشيعي” لا تقتصر على المسيحيين، بل تشمل السنّة، تطيح بأي صيغة مقترحة ومغايرة للملف الحالي المعلّق، والمهدد بأن يصبح في الأدراج، ويضغط في المقابل على الجامعة التي تعاني من تضخم أعداد المتعاقدين التي تراكمت خلال الأعوام الماضية.
بات حل ملف التفرغ مرهوناً بإرادة “الثنائي الشيعي” الذي يصر على المطالبة باعتماد الأقدمية، بغض النظر عن النصاب، وإذا أُخذ بهذا المعيار وحده، أو إدخال جميع المتعاقدين في الملف الأول البالغ عددهم 1756 أستاذاً، فإن ذلك يعني إهمال الحاجات، ما يؤدي إلى اختلال التوازنات في الملف كله، لا في المسألة الطائفية فحسب، بل في الكليات وفروعها. ولا يخفى أن “الفيتو الشيعي” يلحظ أعداد الاساتذة في كلية الآداب، فإذا اعتمدت الأقدمية وحدها فسيتم تفرغ 380 أستاذاً على حساب كليات أخرى، بينهم عدد من الموظفين وأكثريتهم ينتمون إلى الطائفة.
الفيتو الحزبي يستمر بتعليق التفرغ اليوم، وقد ينتقل إلى طائفة أخرى، إذا جرى تلاعب أو تغيير متعمّد في التوازنات الحالية للملف وهي ليست طائفية بحتة، فعدد المتعاقدين الشيعة يساوي تقريباً أعداد السنّة، أي 340 تقريباً لكل طائفة، ونحو 60 أستاذاً من الدروز، وعدد قليل من العلويين، في مقابل 516 من الطوائف المسيحية. ولذا يستمر الملف مجمداً في غياب مبادرات من أصحاب العقد أو تنازلات تعجّل برفعه إلى مجلس الوزراء وإقراره وفق ما يطالب به المتعاقدون، علماً بأن أي تعديل في المعادلة الثلاثية للتفرغ التي يتأسس عليها الملف، يصعّب تمريره، من دون أن يعلن اي طرف موته أو نعي التفرغ، فيما إقراره بات في الواقع مرحلاً إلى المجهول.
ملف التفرغ الحالي فرصة لتصويب أوضاع الجامعة والسير في إصلاح أوضاعها. وعلى الرغم ممّا طرح من تعديلات محدودة فإنها اصطدمت بالرفض الشيعي، وهو ما يحمّل المعطّلين مسؤولية إعادة النظر بتعاطيهم مع الجامعة من خارج التوظيفات السياسية والطائفية.