مزيد من الزيادات تلوح في أفق السنة المقبلة… الرواتب بالأرض والأقساط في الأعالي
قبل انتهاء العام الدراسي الحالي، تلقّى أهالي الطلاب في المدارس الخاصة رسائل تُعلمهم عن زيادة الأقساط للعام الدراسي المقبل 2024 – 2025، وقد حدَّدت معظمها فترة زمنية قصيرة لتقاضي الدفعة الأولى، أو ما يسمّى بتثبيت التسجيل، حتى لا يُحرم الطالب القديم من مقعده المدرسيّ في حال تضخَّم عدد المسجَّلين. وهي بدعة جديدة لم تكن موجودة من قبل. تراوحت هذه الزيادات ما بين 35% و 50% في معظم المدارس الخاصة، في حين تخطّت في أخرى الـ100% مع ثمن القرطاسيّة والزيّ المدرسي، كما تبين لنا من خلال مقاربة بعض الأقساط.
في نيسان الماضي وافق مجلس الوزراء على زيادة المنح المدرسية للقطاع الخاص عن العام الدراسي 2024- 2025 من ستة ملايين ليرة لبنانية للتلميذ الواحد في المدرسة الخاصة الى اثني عشر مليوناً، أي بزيادة تبلغ 100% عن العام الحالي.
من جهة أخرى، كانت تعاونية موظفي الدولة قد استبقت الزيادات، ورفعت المنح المدرسيّة لموظفي الإدارة العامة، عن العام الدراسي الحالي حتى «خمسين ضعفاً عمّا كانت عليه في العام الدراسي 2021 – 2022»، بحسب ما جاء في القرار رقم 1133/2 تاريخ 2 نيسان 2024 الصادر عن التعاونية. حيث وصلت قيمة المنحة للطالب المسجّل في المرحلة الثانوية في المدرسة الخاصة غير المجانيّة الى 171 مليون ليرة لبنانية. ليكون الفارق بين المنحة التي يتقاضاها الموظف في القطاع العام، وزميله في القطاع الخاص، 159 مليون ليرة لبنانية عن كل طالب ثانوي. ليتقلص الفارق تدريجياً كلّما عدنا في المراحل، وصولاً الى 90 مليون ليرة في مرحلتي الروضات والابتدائي.
لماذا الزيادة وسعر الصرف لم يتغيّر؟
«حتى مع زيادة الأقساط للعام الدراسي المقبل لم نصل بعد الى 50% من قيمة القسط الأساسي الذي كان قبل الأزمة»، هذا ما أكّده الأب يوسف نصر، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، لنداء الوطن، ثم شرح بالأرقام، فقال: «القسط المدرسي الذي كان قبل الأزمة خمسة ملايين ليرة لبنانية، على سبيل المثال، كانت قيمته أكثر من 3300 دولار أميركي، لكنه وصل الى أقل من 100 دولار خلال الأزمة، لينخفض أكثر تدريجياً. ومنذ العام الدراسي 2021 – 2022 بدأت الأقساط ترتفع تدريجياً كرقم، لكن قيمتها الفعلية بقيت منخفضة. وكان لا بدّ من جعلها تتناسب مع المصاريف، لذلك اضطرت المدارس لوضع بعض المساهمات بالدولار الأميركي لتقليص الفارق الكبير حتى تتمكّن من الاستمرار».
وتابع، أن «الأسباب التي أدّت الى زيادة الأقساط هي أسباب طبيعيّة وضروريّة، أهمها، أن المدرّس ما زال يتقاضى نسبة 35% من الراتب الذي كان يتقاضاه قبل الأزمة، ومن المؤكد أنه لن يستمر بوظيفته إذا بقي وضع الراتب كما هو عليه. لذلك طالبت النقابة بتحسين الرواتب تدريجيّاً ليتمكّن المدرّس من سدّ حاجاته الحياتية من مهنته. فكم فقدنا من مدرّسين انتقلوا الى قطاعات أخرى وتركوا التعليم بسبب تدني الرواتب. وقد أثَّر ذلك سلباً على مستوى التعليم في بعض المدارس والمؤسسات التعليميّة. ورغم هذه الزيادات، قد لا يتمكن المعلمون من الوصول الى نسبة 50% من قيمة رواتبهم الأساسيّة. فكيف نستطيع الحفاظ على المعلّم إذا لم نعطه حقّه؟ وإذا لم يحصل على مدخول يمكّنه من العيش بكرامة».
ثم يردّ الأب نصر السبب الثاني «الى حاجة المؤسسات التعليمية للتطوير وللصيانة، فقد عانت هذه المؤسسات والمدارس طيلة فترة الأزمة. تحدَّتها ونجحت في تخطي الصعاب، لكن هناك تكاليف تتكبدها. وكانت قد توقفت قسراً خلال السنوات الخمس الماضية عن أعمال الصيانة والتطوير، وكانت الرهبانيات، أو الجمعيات، أو الإرساليات تغطي النقص الناتج عن تدني الأقساط خلال فترة الأزمة لتمكين المؤسسات التربوية من المضيّ قُدُماً، لكنها لن تستطيع الاستمرار على هذا النحو، لذلك كان لا بدّ من إعادة موازناتها تدريجياً الى ما كانت عليه، وبالتالي، زيادة الأقساط للعام القادم». ثم رحَّب بقرار تعاونية موظفي الدولة المتعلّق برفع قيمة المنح المدرسيّة، واعتبره «بمثابة إنقاذ للقطاع التربوي».
كيف تحدّد الأقساط المدرسيّة السنويّة؟
تقول رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة في لبنان، لما الطويل، لـ»نداء الوطن»: «مطالبة المعلمين بزيادة رواتبهم، وزيادة بدلات النقل، كان يمكن أن تحتّما زيادة طفيفة على الأقساط، ولكن ليس بالشكل المطروح حالياً من قبل المدارس. فمن غير القانوني ومن غير المنطقي أن تُحدَّد الزيادات على أقساط السنة القادمة عند نهاية السنة الدراسية الحالية، فالقسط المدرسي يُحدَّد بعد الفصل الأول، بعد أن تكون لجنة الأهل قد أتمّت دراسة الموازنة المدرسيّة، وناقشت جميع المصاريف، بما فيها جداول رواتب المعلمين. عندها تقوم بتقسيم النفقات على عدد التلاميذ وفق آلية محدّدة. فلجان الأهل هي من تحدد قيمة الأقساط. وهذا ما لم يحصل حالياً. فالمدارس حدّدت الأقساط قبل معرفة عدد التلاميذ».
وأضافت، «لا يجب لهذه المخالفة القانونية أن تمرّ في وزارة التربية مرور الكرام. إذ عليها إصدار قرار يوقف هذه الزيادات. لا سيما أن القانون رقم 515/1996 يمنع زيادة قيمة القسط السنوي أكثر من 10% عن رسوم العام السابق، قبل تحديد القيمة الفعلية بعد دراسة الموازنة. وأي زيادة لا تقع ضمن هذه الشروط تشكّل مخالفة صريحة للقانون ولتعاميم وزارة التربية ولرقابة لجان الأهل. لكنّ انعدام الرقابة والمحاسبة الرسميّتين يحول دون تطبيق القوانين. لذلك، مطلوب من وزير التربية ألا يسمح بهذه العشوائية التي تحصل اليوم في المدارس الخاصة». واعتبرت الطويل، أن العام الدراسي الحالي كان مقبولاً للجميع بالنسبة لقيمة الأقساط، ولا موجبات لزيادتها.
أما عن قرار تعاونية موظفي الدولة المتعلق بزيادة المنح المدرسيّة، فقالت إن «زيادة المنح المدرسية هو خطأ فادح اقترفته الدولة اللبنانية. خصوصاً أن المدارس المصنفة وسطية، تعتمد على طلاب يعمل ذووهم في القطاع العام. وعندما تقدِّم التعاونية لهم هذه المنح المضخّمة، كأنها تعلن السماح للمدارس بأن ترفع أقساطها أكثر. في حين لا يوجد دولة في العالم تمنح موظفيها أموالاً ليسجلوا أولادهم في المدارس الخاصة، بدل أن تذهب هذه الأموال لدعم التعليم الرسمي. وكأنّ الذين وضعوا الزيادات على المنح هم المستفيدون من رحلة الأموال التي ستنتهي في جيوبهم، فمن هم خلف هذه القرارات هم ذواتهم الذين يملكون مدارس خاصة. وهم في ذلك يعملون لمصالحهم وليس لمصلحة الأهل. أضف أن هذه القرارات تضرب التعليم الرسمي في لبنان، وليس في الأمر براءة».
كما توَّقعت أن يحصل تسرب من المدارس الخاصة في العام الدراسي القادم، إذ ليس جميع الأهل ممن يستفيدون من التقديمات والمنح المدرسية. بالإضافة الى تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين.
تعليم ولو بالدَّين
يعتبر محمد حمّود، الباحث في مركز الدراسات اللبنانية، «أن القسط المدرسي الخاص في لبنان من الأعلى في العالم، مقارنة مع معدل دخل الفرد، خصوصاً بعد الزيادات المطروحة للعام القادم. وفي دراسة أعدها المركز تحت إشرافه، عن العام المنصرم 2022 – 2023، كان معدل الدخل الشهري للأسرة 463 دولاراً، ما مجموعه 5556 دولاراً في السنة، وكان معدّل القسط الواحد في المدرسة الخاصة 3620 دولاراً. أي أن أكثر من 65% من دخل الأسرة يُنفق على التعليم. وهذا المعدّل ليس عادياً ولا يفترض أن يكون».
وتابع، أنه بالرغم من ارتفاع تكاليفها، «بقيت المدرسة الخاصة ملاذاً آمناً للتعليم بجودة أفضل من المدرسة الرسمية. لذلك رغم الألم المادي الذي يعانيه الأهل، ما زالوا يلجأون إليها للحصول على مستوى أفضل لأبنائهم. وهنا دور الدولة، فإذا كانت عاجزة عن تفعيل دور المدرسة الرسمية، على الأقل، عليها اتخاذ اجراءات تضبط الأقساط. وبالرغم من أن جودة التعليم انخفضت في لبنان بشكل عام نتيجة عدة عوامل، لكنها تتفاوت بين المدارس الخاصة نفسها. وتبقى أسوأ في المدرسة الرسمية منها في الخاصة، وفقاً لتحليل الاستمارات التي عمل عليها المركز في السنوات الثلاث الماضية».
وأحد أبرز الأسباب التي أدّت الى تدني جودة التعليم في لبنان، برأي الباحث محمد حمّود، هو عدم حصول المعلمين على كامل حقوقهم، مما أدّى بهم الى قلق نفسي، وبالتالي، الى تراجع في الأداء والإنتاجيّة. ففي حين كان التعليم يعتبر مهنة مرموقة معنوياً ومادياً، انحدر على المستويين بسبب الحاجة».
وبرأيه، أن ارتفاع نسبة الالتحاق بالمدارس الخاصة رغم مؤشر الفقر، يعود الى المشاكل التي واجهتها المدرسة الرسمية خلال الأعوام الثلاثة الماضية، 2022 – 2023 وما قبل، أبرزها الإضرابات وانخفاض أيام التعليم، ومن الممكن أن يكون لذلك أسباب أخرى، منها، ثقافة اللبناني، الحريص دوماً على أن يحظى أبناؤه بتعليم جيد ومتقدّم، حتى لو اضطره الأمر الى الاستدانة.
مؤشرا الفقر والثقافة يرتفعان معاً
في تقرير نشره البنك الدولي على موقعه الرسمي في 23 أيار 2024، أشار الى ارتفاع معدّل الفقر في لبنان الى أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي. ليصل في العام 2022 الى 44%، أي أنه شارف على إصابة نصف الشعب اللبناني. ومن حيث المنطق، يُفترض أن يتدنى مستوى الثقافة كلّما زاد معدّل الفقر، والعكس صحيح. لكن في لبنان الأمر مختلف. ففي العام ذاته، وتحديداً للسنة الدراسية 2022- 2023، سجّلت النشرة الإحصائية للمركز التربوي للبحوث والإنماء، انتساب 56.66% من تلامذة لبنان لمدارس خاصة غير مجانية. فيما انخفضت النسبة الى 28% في المدارس الرسمية. وكانت «الدولية للمعلومات» قد لحظت على موقعها الإلكتروني أن نسبة التلامذة المسجلين في المدارس الرسميّة للعام 2020 كانت 32%. أي أنها تدنّت بنسبة 4% لصالح المدرسة الخاصة.
ووفق النشرة الإحصائية ذاتها، بلغ عدد التلامذة في التعليم الخاص، غير المجاني، 611385 تلميذاً. وبالعودة الى معدّل القسط الواحد، الذي يبلغ 3620 دولاراً، فإن ما يُنفق على التعليم الخاص وحده في لبنان، في مراحل ما قبل التعليم الجامعي، يقّدر بأكثر من مليارين ومئتين وثلاثة عشر مليون دولار سنوياً، دون احتساب الزيادة التي أقرّت للعام القادم.
رغم كلّ محاولات التوفيق والتوافق في ما بينهم، بقي كلٌّ من الأطراف الثلاثة المعنيّة (الأهل والمدارس والمدرّسين) يشكو الإجحاف، فلا الأهالي قادرون على تحمّل الزيادات، ولا المعلمون راضون عن رواتبهم، ولا المدارس قادرة على تحمّل التكاليف دون زيادة الأقساط، والدولة «تاركة كلّاً منهم يقتلع أشواكه بيديه».