دمج المصارف: حلًّا أولياً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي؟

 

يتخبّط لبنان في أزمة اقتصاديّة- ماليّة احتدّت في العام ٢٠١٩، إلّا أنّ تاريخها يمتدّ إلى مرحلة سابقة، لا سيّما تلك الحقبة التي عرفت صراعاً داخليًّا وإقليميًّا على الأرض اللبنانيّة، خرج منها البلد منهكًا على الرغم من محاولات انعاشه اقتصادياً منذ بداية التسعينات مع تثبيت سعر صرف الدولار الأميركيّ، واستقطاب الاستثمارات، ووضع الثقل الأكبر في القطاع المصرفيّ اللبنانيّ، وجعله ملاذًا آمنًا للمودعين في المنطقة والعالم لكنّه اليوم يعاني الكثير خصوصاً مع إلتهاب الأحداث على الجبهة الجنوبية بسبب تداعيات حرب غزة، ولعلّ كثرة المصارف الخاصّة أصبحت مضرّة أكثر منها مفيدة.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة بين الحين والآخر عن درس عمليات دمج بين المصارف، واستحواذ بعضها على مصارف متعثرة، حتى أن البعض يرمي أسماء مصارف، منها الراغبة بالاستحواذ وأخرى مرغوب بها، وهذا الأمر ليس بجديد حيث تم الإشارة إليه منذ أن أبصر قانون إعادة هيكلة المصارف النور قبل أن يعود ويختفي كلمح البصر بعدما شهد إعتراضات كثيرة عليه ولكن مع كثرة الحديث عن عمليات دمج المصارف هل من الممكن أن تشكل مخرجاً لأزمة المصارف أو خارطة طريق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي؟

أوضح الخبير المالي والضرائبي المحامي كريم ضاهر أن الدمج بشكل عام يتم من خلال شكلين مختلفين، إما من خلال تملُّك إحدى الشركتين الأخرى وإما خلق شركة مشتركة فيما بينهم ويتم حلّهم بعدها لتكون الشركة البديلة هي القائمة مكانهم،ولكن هذا لا يعني أن تأتي شركة أجنبية ليس لها وجود في لبنان لتندمج مع مصرف لبناني لأنها بحاجة إلى تأسيس كيان لها أولاً في لبنان لكي تتمكن بعدها من الدمج أو هي بحاجة إما إلى أن تتملك المصرف أو تشتري الرخصة الذي يمتلكها المصرف لكي تحل مكانه.

وأشار ضاهر لـ«اللواء» إلى أنه لكي يتم شراء هذه الرخصة،سيتم خلالها دفع قيمتها، ولكن المبلغ الذي سيدخل إلى المصرف حينها لا يعفيه من عملية التصفية أي المصرف عليه أن يصفي نفسه بنفسه في هذه الحالة وعليه مسؤولية إيفاء حقوق مودعينه من خلال رد أموالهم، أو عليه إيجاد مصرف أجنبي يمتلك الرخصة في لبنان لتملك بقية الأسهم أو كاملها في المصرف وهذا الأمر خاضع لمعايير وأنظمة خاصة يحددها القانون ومصرف لبنان وفقاً لنظامه الداخلي من خلال الموافقات والتأكد من بعض المعايير المعينة كـ«الملاءة»،و«خطة العمل» على سبيل المثال، هذا كله يندرج ضمن أنظمة معينة، لذلك لا يمكن التحدث عن الدمج من دون وجود لمصارف أجنبية في لبنان والمصرف الموجود كونه أحد أفرع المصرف الأجنبي هو «البنك العربي» أما الباقي فوجودهم يقتصر على أنهم مصارف على شكل شركات مساهمة لبنانية كالـ «HSBC». على سبيل المثال.

وأردف قائلاً: «في كل أنظمة إعادة الهيكلة هناك تدرج في الخيارات المتخذة، والتي تعتبر الأنسب لحماية أصحاب الحقوق ومن بينهم «المودعون» بصورة أساسية ومن ثم الدائنون الممتازون سواء الدولة إذا كانت بحاجة إلى أموال أو حتى موظفي المصارف، فيتم إدراجهم ضمن هذه الخيارات المعطات التي تتدرج بين بيع الأصول التي تتعلق بالمصرف وعندها إذا كان بيع الأصول كافياً لإيفاء الديون فلا حاجة للدمج مع أي مصرف آخر أو تصفية المصرف أو حتى بيع الترخيص، أما في حال تبيّن أن بيع الأصول أو قسم منها ومتابعة غير كافية والمقصود هنا هو فروقات المصارف في الخارج ليتم تدارك موضوع «الملاءة»،وهناك الكثير من المصارف اللبنانية سارت على النهج نفسه من أجل تدارك موضوع «الملاءة» لديهم من خلال بيع مصارفهم سواء في مصر أو العراق أو بأماكن أخرى على سبيل المثال، أما الخيار الآخر هو موضوع الدمج، من خلال الإقرار بأن المصرف أصبح في حالة التعثر، ولكن الأرضية التي يتمتع بها هذا المصرف لا زالت مهمة من خلال عدد من المودعين لديه الذي يعتبر لا بأس به، ناهيك عن الفروع الممتدة على الأراضي اللبنانية».

ورأى أنه إنطلاقاً من هنا يدخل مصرف آخر حالته سليمة من خلال عدم إدخاله إيداعات في مصرف لبنان أو قام بشراء سندات خزينة، أي أن حالته مرتاحة أكثر ليستحوذ على المصرف إما بشكل غير مباشر من خلال الإستحواذ على الموجودات من دون الدخول بعملية الدمج من خلال الأصول وموجباته أي المطلوبات ودمجها بالأصول، أو من خلال قراره بالدخول بعملية الدمج الفعلي من خلال إنتقال جميع الأصول والمطلوبات والحقوق ومن خلال هذا الدمج فيعود قسم من أسهم المساهمين الموجودين في المصرف الأول المستحوذ عليهم،أما المصرفان فيتم دمجهما في مصرف جديد لشركة جديدة.

وختم ضاهر قائلاً: «إنه إذا تم العمل من خلال الدمج على حماية الحقوق وإعطاء أرضية للمصرف من خلال مكونات تستطيع من خلالها متابعة أعمالها بصورة صحية، ورشيدة حينها يكون الدمج خياراً صحيحاً خصوصاً أن هناك قوانين صادرة تتعلق بهذا الموضوع فضلاً عن الحوافز الضريبية الهامة التي تتعلق بموضوع الدمج، لذلك إذا عادت الثقة بلبنان وتم الإلتزام بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي وخطة الإنقاذ فحينها هناك الكثير من المصارف المحلية وحتى الأجنبية تستطيع خلق كيان عبر شراء أحد المصارف ودمجها مع مصرف آخر وممكن أن يكون أكثر من مصرف واحد لأن في هذه الطريقة هناك حوافز ضريبية، فمن الممكن عدم دفع ضريبة الدخل لمدى 8 سنوات تقريباً فضلاً عن التنزيلات الضريبية وفقاً لحجم رأس المال، وهذا ما يهم المستثمرين ولكن يبقى الأمر الأهم أن ما يهم المستثمرين أن يكون إستثمارهم في لبنان مفيداً ومحمياً بدرجة أولى».

وفي السياق نفسه اعتبرت الباحثة في الشؤون المصرفية والنقدية د. سابين الكيك في حديث لـ«اللواء» أن موضوع دمج وإندماج المصارف هما تقنيتان مختلفتان في القانون باعتبار أن الدمج هو عندما يتم دمج مصرفين ويتم تأسيس وحدة قانونية جديدة من رحمهم، أما الإندماج هو عندما يقوم المصرف باستيعاب المصرف الآخر.

وأردفت الكيك قائلة: «إن هذه الوسائل هي من ضمن وسائل إعادت الهيكلة المستعملة سواء في لبنان أو خارج لبنان،ولكن التوقيت وتقييم المصارف هو في غاية الأهمية لأنه يجب أن يتم النظر حول المصرف الذي سيقوم بعملية الإندماج ومع أي مصرف ستتم هذه العملية، وإذا كانت كل المصارف التي نراها هي في ذات الوضعية المالية من خلال طريقة التعاطي بنفس الطريقة مع المودعين من خلال عدم تسديد ودائعهم».

ولفتت إلى أنه في العادة عندما يقوم أي مصرف بعملية دمج مع أي مصرف آخر فهذه الحالة تتم من خلال ضمان وضعية المصرف الذي يسعى للدمج بأن تكون أسلم، وقدراته المالية أقوى لكي يكون الإستيعاب الكمي والنوعي إستيعاباً جيداً، وإلا من خلال وضع المصارف بما هو عليه اليوم فهذه الوسيلة هي بعيدة كل البُعد عن التطبيق في الوقت الحالي، فإذا كان هناك نية لتطبيقها يتم الحديث عنها في وقت متقدم وليس في بداية إعادة الهيكلة.

وكشفت أن عمليات الدمج الكثيرة التي حدثت منذ أواخر التسعينات وصولاً إلى الأزمة بجزء كبير منها هي عمليات ليست صحيحة تحت رعاية وإشراف مصرف لبنان تمت عن طريق الضغط من خلال إجبار مصرف لبنان المصارف باستيعاب مصارف أخرى لكي لا يكون هناك تعثر مصرفي، فإذا ألقينا نظرة حول المسار التاريخي للدمج والإندماج فيتم الإستنتاج بأن المصارف حملت أعباء مصارف أخرى،ولم تستعمل هذه الوسيلة كما يجب أن تُستعمل في لبنان والذي تبيّن أن هذه العمليات شكلت جزءًا من أسباب الأزمة المصرفية مع مرور الوقت.

وشددت على أنه لا شك أن عدد المصارف في لبنان هو عدد أكبر من حجم الإقتصاد في لبنان، وحجم السوق وكل التوجه اليوم هو لتشكيل كتل مصرفية كبيرة وقوية لكي تستطيع أن تنافس،ولكن إختيار توقيت الدمج مهم جداً، وأي مصرف يريد الإندماج مع أي مصرف وهنا دور الرقابة الشديدة في هذا الإطار للتأكد من قدرة المصرف على إستيعاب المصرف الآخر من عدمه،فضلاً عن الشفافية لكي يتبيّن ما إذا كان المصرفان سينبثق عنهما كتلة إقتصادية قوية أو كتلتان ضعيفتان ويصبحان كتلة واحدة ولكن ضعيفة ناهيك عن موضوع إستعمال المحفزات التي استعملها مصرف لبنان طيلة الفترة الماضية والتي تبيّنت مع الوقت أنها لم تكن سليمة ووهمية.

وختمت الكيك قائلة:«ما هو أهم في كل عملية الهيكلة هو أن نرى ما إذا كان السوق المصرفي اللبناني يقوم بجذب المصارف الأجنبية والعالمية على لبنان، طالما أن هذا الجذب لم يحصل هذا معناه أن الدمج مع الكتل اللبنانية المحلية فيما بينها سيكون عملية فاشلة، لذلك من المهم أن تحصل عملية الدمج مع المصارف الأجنبية سواء عربية،خليجية أو حتى عالمية لكي تكون عمليات الدمج لمصلحة القطاع المصرفي والسوق المصرفي وليس على حسابه وحساب حقوق المودعين».

Leave A Reply

Your email address will not be published.