وثيقة بكركي هل تأخّر تنفيذها أم انتهى مفعولها؟
تبقى بكركي في المفاصل الأساسية قبلة الأنظار، بحيث تحتضن كلّ القيادات المارونية والمسيحية عموماً، خصوصاً لدى الاستحقاقات، وهذا ما شهدته في مراحل سابقة أيام البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، وصولاً إلى البطريرك الحالي مار بشارة بطرس الراعي، وبالتالي ثمة لجان ولقاءات ومقترحات وأوراق عمل سبق أن طُرحت ونوقشت، لكن التساؤلات: أين وثيقة بكركي الأخيرة؟ فلماذا تأخرت؟ وأين تطبيقها وتنفيذها؟
النائب السابق فارس سعيد، الذي تابع كل المواقف الصادرة عن البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير، إلى تجربة لقاء قرنة شهوان و١٤ آذار والدور المسيحي والوطني في تلك الحقبة إلى مراحل لاحقة، يعتقد أنه “لا ينقص الموارنة وتحديداً بكركي في هذه المرحلة، أي وثيقة سياسية أو بيانات حول انتخاب رئيس للجمهورية أو أي مسألة أخرى، فذلك لا يعطي نتيجة، ولا يقدّم أو يؤخر، بل ما يدعم وثيقة بكركي وسواها هو الحوار الوطني الجامع، وذلك خشبة الخلاص، وليس ورقة من هنا وأخرى من هناك، فثمة وثيقة صدرت عن الكنيسة في عام 2006، تُعتبر ورقة تقدمية بامتياز والأبرز منذ أكثر من مئة عام، فضلاً عن الإرشاد الرسولي الذي رسم خريطة الطريق لكل المسائل والمحاور، ما يعني أن ما يقال لماذا تأخرت وثيقة بكركي عن الصدور والتنفيذ؟ بصراحة لست متابعاً ولا أعلم ما يجري، لكني أرى الأهم أن تصدر وثيقة عن جميع اللبنانيين والقوى اللبنانية، فهذا وحده يعطي النتيجة في هذه المرحلة المفصلية التي يمر بها لبنان والمنطقة”.
ويخلص سعيد الى القول: “ما يصدر من وثائق وسواها، إنما هو محاولات تكرار لكل ما جرى في الآونة الأخيرة، فإذا ظن البعض أنها تعطي قوة لجمع المسيحيين، فأرى أن القوة الحقيقية أن تصدر وثيقة عن كل اللبنانيين لخلاص البلد من أزماته وكبواته، وهذا وحده الحل في هذه المرحلة”.
رئيس تجمع موارنة من أجل لبنان بول كنعان، الذي يواكب البطريرك في كل حراكه الداخلي والخارجي، يؤكد أن “الوثيقة لم تتأخر، لكنّ ثمة تواصلاً ومشاورات يومية بين بكركي والمعنيين مارونياً ومسيحياً وعلى الصعيد الوطني العام، دون إغفال أن ثمة تطورات متلاحقة تحصل من غزة إلى الجنوب وعلى مستوى المنطقة، وهذه التحولات ليست بالأمر السهل، إلى ما جرى في إيران، وبالتالي، لبنان ليس جزيرة بحد ذاته بمعزل عن دول الإقليم، وبناءً على ذلك، نحن نتواصل دائماً مع الفاتيكان والمعنيين من أجل الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وتطبيق البنود التي صدرت عن بكركي، وهذه الوثيقة ما زالت قائمة”. ويؤكد أن اللقاء الذي جمع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والموفد الفرنسي جان إيف لودريان “كان صريحاً للغاية، وقد باح البطريرك بكل شيء للودريان الذي يدرك بدوره ماذا يجري على الساحة اللبنانية، وكان سيد بكركي حازماً وحاسماً ومحذراً من إطالة أمد الشغور لما يؤدّي من انعكاسات سلبية على مجمل الأوضاع في لبنان، وبالتالي ذلك يهدد الكيان والوجود المسيحي والوطني إذا استمرت الأمور على ما هي عليه”.
في سياق متصل، يبقى وفق ما يُنقل عن المطلعين على بواطن الأمور، أن ثمة أسباباً ودوافع لا يرغب أن يكشف عنها أي طرف شارك في لقاء بكركي، وصولاً إلى الوثيقة التي صدرت عن الصرح البطريركي، وذلك مردّه إلى ظروف وأجواء بالغة الأهمية والدقة، قد تؤدي إلى تطاحن طائفي ومذهبي وخلافات ولا سيما في هذه المرحلة، ولذا ارتأى البطريرك ضرورة التهدئة، خصوصاً بعد الاجتماع الذي حصل في دارة النائب فريد هيكل الخازن في جونية، بحضور ممثلين عن بكركي ووفد من “حزب الله” ومنذ ذاك الحين والأوضاع هادئة على خط حارة حريك وبكركي، إضافةً إلى جملة أحداث توالت في المنطقة والداخل، وما بينهما من زيارة رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، ونجله النائب طوني لبكركي فهذه العناوين قد تكون فرملت صدور الوثيقة، أو أن البطريرك الراعي وفق قراءته لهذه الأجواء والمعطيات، تمهل لمتابعة الوضع، إضافة إلى أنه يدرك مدى حساسية الشأن الداخلي على كل الصعد. وقد يكون من جملة أسباب تأخير صدور الوثيقة أنها لن تصدر في مرحلة تتسم بالتحولات والمتغيرات في الداخل والخارج، إلى رغبة الفاتيكان في التهدئة والتركيز على الحوار المسيحي-الإسلامي الذي هو خشبة الخلاص، ربطاً بما شهده المسيحيون في دول الجوار من اضطهاد وسوى ذلك، مع الإشارة الى أن البطريرك الراعي أوفد ممثلاً عنه المونسنيور عبدو أبو كسم لتقديم العزاء بوفاة والدة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وقد حظي باستقبال لافت وحفاوة وتكريم، ما يحمل أكثر من رسالة وإشارة في هذه المرحلة.