لبنان بعد مؤتمر بروكسيل: لا تراجع عن خطة العودة
لم تفاجىء توصيات مؤتمر دعم سوريا ودول الجوار المنعقد في بروكسيل لبنان، او الدول الاوروبية المتضررة من الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين الى شواطئها، رغم كل المحاولات المبذولة للدفع نحو مقاربة أوروبية جديدة لهذا الملف، في ظل استمرار التعنت الفرنسي والألماني حيال النظام السوري والذي ينعكس على البُعد الاقتصادي والاجتماعي له. فالاتحاد الأوروبي لا يزال يستسهل التعامل مع هذا الملف المتفجر من باب تقديم المساعدات المالية، وهو تعهد بالأمس بأكثر من ملياري يورو، او ما يعادل تقريباً مليارين و170 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين في المنطقة، رافضاً اي حديث عن عودة محتملة لهؤلاء إلى بلدهم، والسبب ان “ظروف العودة الطوعية والآمن ليست مهيأة”، وفق ما ورد في البيان الرسمي.
واذا كان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل قد حاول ان يخفف من حدة القرار في مؤتمر بروكسيل السابع الذي انعقد في حزيران الماضي، عبر قوله ان “التزامنا لا يمكن ان ينتهي بالتعهدات المالية وحدها”، فهو لم يغفل التذكير بضرورة “مضاعفة الجهود لايجاد حل سياسي للصراع يدعم تطلعات الشعب السوري”، ما يصب في اطار الموقف الأوروبي. لكن المفاجأة جاءت في وحدة الموقف اللبناني الرسمي امام المؤتمر، والذي عبّر عنه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب في كلمة عالية السقف، واستكمل ذلك في جلسة مجلس الوزراء امس التي التزم فيها المجلس موقف بو حبيب، مضيفاً اليه التزام لبنان الرسمي بالقرار الذي اتخذه باعادة اللاجئين غير الشرعيين إلى بلادهم.
في قراءة للنتائج التي خلص اليها المؤتمر، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات، اهمها:
– ان لا تراجع عن الخطة التي اقرتها الحكومة لاعادة اللاجئين، و لبنان مصرّ على استكمال الاجراءات الآحادية التي بدأها على المستوى اللوجستي والإداري رغم الاعتراض الأوروبي على ذلك وإبلاغ لبنان رسمياً بهذا الاعتراض.
– ان الترجمة العملية لهذا الأمر ستتبلور في جلسة قريبة لمجلس الوزراء من اجل تشكيل لجنة وزارية تتولى وضع آلية التواصل والتنسيق مع الجانب السوري. وعلمت “النهار” في هذا المجال ان مجلس الوزراء يتجه إلى تكليف نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي ترؤس اللجنة، بعدما تبين ان اللجنة الموجودة حالياً لهذه الغاية ويترأسها وزير الخارجية غير قادرة على الاستمرار في مهمتها، نظراً إلى عدم رغبة الوزير بو حبيب في ترؤسها او في زيارة سوريا لاعتبارات لها علاقة بعلاقته بالولايات المتحدة الاميركية والمخاوف من احتمالات تعرضه لأي عقوبات في هذا السياق.
– ان الاتصالات التي قام بها بو حبيب مع الدول العربية المعنية بأزمة اللجوء، اي مصر والأردن والعراق، أثمرت تجاوباً عربياً بهدف التعاون من اجل توحيد الموقف والخروج بآليات تحرك موحدة تدعم عودة اللاجئين، في مواجهة القرار الاوروبي.
– ان المساعدات الأوروبية الملحوظة للبنان من ضمن رزمة الدعم الدولي لدول الجوار المعنية بالأزمة غير مرتبطة بالموقف اللبناني المعارض للموقف الأوروبي. تماماً كما ان المساعدة التي أعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين خلال زيارتها إلى لبنان غير مرتبطة او مشروطة بذلك.
وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى ان المجتمع الدولي كان تعهد بمبلغ يقارب 5,6 مليارات يورو لعام 2023 وما بعده، منها نحو 3,8 مليارات يورو تعهدت بها دول الاتحاد الاوروبي لمساعدة المحتاجين داخل سوريا وفي الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين. وتبين ارقام الاتحاد انه قدم منذ العام 2011، تاريخ بدء الحرب في سوريا، للسوريين ودول المنطقة نحو 33 مليار يورو استجابة للازمة.
والسؤال التحدي الذي يواجهه لبنان في تغريده خارج السرب الأوروبي ينحو في اتجاهين، الاول داخلي ويكمن في مدى قدرته على الاستمرار في تنفيذ الاجراءات الآحادية التي بدأها على المدى البعيد، والتي لا تزال دونها معوقات عديدة ادارياً ولوجستياً سياسياً رغم الإجماع اللبناني على ضرورة المضي في هذه الاجراءات، لما باتت تشكله ازمة اللجوء من خطر وجودي وديموغرافي على المجتمع اللبناني. والاتجاه الثاني يتظهر في التحدي الماثل امام الحكومة في التواصل مع النظام السوري ومدى تجاوب هذا النظام مع عودة السوريين، وهو الذي يحقق مكاسب اقتصادية وسياسية جمة من بقاء هؤلاء في لبنان.