متى يتّفق لبنان مع “النقد الدولي” ويستخرج الغاز؟
باستثناء تأكيد الحرص على حيوية خطوط التواصل المباشرة بين الطرفين، لم تحمل بعثة صندوق النقد الدولي المكلفة الملف اللبناني أي مقترحات جديدة في جولتها الدورية التي تختتمها نهاية الأسبوع الحالي في بيروت، بعد عقد اجتماعات مبرمجة مع أركان السلطتين التشريعية والتنفيذية وكبار المسؤولين في القطاع المالي، وبالأخص البنك المركزي والجهاز المصرفي.
ويُستدل من المداولات الجارية في الردهات الرسمية والخاصة على السواء، على أن «البوصلة» الجنوبية، ووجهتها المرتبطة حكماً بحرب غزّة وتداعياتها، لا تحظى فقط بأولوية مطلقة على مجمل المداخلات الخارجية الخاصة بلبنان، إنما هي تحدّد، في الوقت عينه، معالم خريطة الطريق لمستقبل البلاد السياسي أولاً، والاقتصادي تالياً، التي تشمل ملف النفط والغاز في الحقول البحرية، واستطراداً ما يحفل به البلد من أزمات متشعبة ومتفاقمة.
ويقول مسؤول مالي كبير معني بالأمر، شارك في جانب من الاجتماعات، إنه رغم الطابع البروتوكولي لجولة الوفد الدولي، فقد ساهمت بتعزيز القناعة لدى الطرفين بالفاعلية المحدودة للمعالجات القانونية والتقنية التي يشترطها الصندوق للموافقة على عقد اتفاق ناجز ومعزّز ببرنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار، ما لم تتم مقاربتها من ضمن سلة واحدة تكفل وضع الملفات الشائكة، حدودياً وداخلياً، على مسار واحد للاقتراحات الآيلة إلى استعادة النهوض والنمو الإيجابي للناتج المحلي، عبر تهيئة مناخات ملائمة لتعافي قطاعات الاقتصاد.
رسائل الخارج
وبالفعل، لم يعد سراً، حسب المسؤول، أن لبنان يتلقى، مباشرة ومداورة، دفقاً متواصلاً من الرسائل الخارجية التي تجمع على مركزية الوضع الجنوبي واحتمالات توسعة الحرب، أو الانخراط في تسوية مُرضية وقابلة للاستدامة، وتأثير هذه الاحتمالات في تحديد وجهات المسائل السياسية والاقتصادية المعلّقة، وفي مقدمها إعادة انتظام السلطات، بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات، والتي تعدّ شرطاً لازماً للنهوض ولعقد اتفاقات خارجية، وبالأخص منها ذات المحتوى السيادي أو الاستراتيجي.
ويدرك فريق الصندوق المكلف الملف اللبناني، أن معظم مندرجات الاتفاق الأولي الذي تم إبرامه قبل سنتين، وجدول المطالب التشريعية والإجرائية المرفق بالاتفاق، تفقد فاعليتها المنشودة، ولم تعد قابلة للاستجابة المكتملة من قِبل السلطات المعنية، في ظل المستجدات والتداعيات المستمرة لحرب غزة، وما تفرزه من خسائر هائلة في ميدان المواجهات وعلى مؤشرات الاقتصاد الكلي والناتج المحلي.
وحتى قبل الجولة الحالية، لمس الفريق خلال لقاءاته، على هامش اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين، مع وفود نيابية ومالية لبنانية زارت واشنطن الشهر الماضي، الصعوبة البالغة التي تقارب حد الاستحالة، في تمرير أي مشاريع قوانين مجحفة بحق المواطنين الذين يقاسون أساساً أزمة معيشية عاتية وأعباء متراكمة جراء انهيار سعر الصرف وتآكل المداخيل، ولا سيما المحاولات الفاشلة لتحييد مالية الدولة عن موجبات شراكتها بالمسؤولية المادية والسياسية في السعي لردم فجوة الخسائر المقدرة حكومياً بنحو 73 مليار دولار، والرفض الجامع بالمقابل، لمحاولات متكررة تفضي إلى «شطب» معظم قيود أو جزء من الودائع في البنوك.
قوانين تشريعية
وبرزت هذه المعطيات بصورة واضحة خلال لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس بعثة الصندوق أرنستو راميريز ريغو وفريقه، حيث جرى عرض لمسار ملف الاتفاق العالق والتداعيات الناجمة عن الأزمات المتراكمة على الوضعين المالي والاقتصادي، والإشارة خصوصاً إلى استمرار الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، ومواصلة إسرائيل عدوانها على لبنان وأزمة النازحين السوريين.
ومع التنويه بأن النقاش تطرق إلى ما هو مطلوب إنجازه تشريعياً من المجلس النيابي، وتحديداً قانون السرية المصرفية وهيكلة المصارف، جدد بري تأكيده للوفد بأن المدخل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي وبالنظام المالي العام في لبنان يكون «بضمان إعادة الودائع كاملة لأصحابها، مهما تطلب ذلك من وقت».
وقد رصد الوفد خلال لقاءته حصول تبدلات نوعية في المقاربات الآيلة إلى تحديد خريطة الطريق الإنقاذية، توطئة لصوغ مشروع متكامل يقوم على عدالة توزيع أحمال الفجوة المالية، توازياً مع الوزن النسبي للأطراف المعنية، أي الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي، والتخفيف إلى الحد الأقصى الممكن من خسائر المودعين، والحماية المطلقة لحدود معينة، وبمبلغ مائة ألف دولار بالحد الأدنى.
كما ظهرت، حسب المسؤول المالي الذي تواصلت معه «الشرق الأوسط»، إشارات إلى تبدّل جوهري يعاكس الفشل المشهود للمقاربات الحكومية الخاصة بإصلاح أصول المصارف ومطلوباتها، بحيث رصد كبار المعنيين في القطاع المالي توجهات محدثة لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تتوخى التشاركية في إعداد التعديلات المنشودة على الخطة الأخيرة والجامعة عدداً من مشاريع القوانين المالية والمصرفية و«الكابيتال كونترول» في بوتقة واحدة.