المزارع يضطرّ إلى تغيير شهادة المنشأ لمنتجاته ليسمح بدخولها إلى السعودية!

 

في بلاد تغرق يوماً بعد يوم في أزماتها الاقتصادية والإجتماعية والسياسية، ليس تفصيلاً ترك إحدى ركائز قطاعاتها الاقتصادية تخسر عن سبق الإهمال وعدم المتابعة مليوني دولار يومياً. فأزمة القطاع الزراعي اللبناني، ومشكلات التصدير، تتشابه في منطلقها وتناميها، بأزمات لبنان الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، وتماديها والتزايد في تعميق انهيارها.

فوفق مزارعي ومصدري الخضر والمزروعات، يتعرّض القطاع الزراعي لمذبحة فعلية، تعود به القهقرى إلى زمن كان فيه الإنتاج يُرمى على الطرقات ويُتلف بأرضه، لعدم القدرة على تصديره أو انتفاء وجود عقود وعهود من دولة إلى دولة تفتح أمامه أسواقاً جديدة.

ليست المشكلة أزمة نوعية الإنتاج اللبناني، فهو وفق مختبرات الدول المستوردة له مطابق ويحترم المواصفات الدولية وشروط الاستيراد، وإنما كانت المشكلة، ولا تزال تتكرر سنة بعد أخرى، وستظل تتعاقب ما دام الراعي الأكبر الممثل بالدولة اللبنانية، يعمل بالذهنية والتبعية واللامبالاة عينها التي تعامل بها مع أزمات سابقة.

ما يعوق وصول المنتجات اللبنانية إلى الأسواق العربية، هو أن المصدر اللبناني يدفع ما يزيد عن ضعفي ما يتكلفه المصدّر غير اللبناني إلى المقصد نفسه، ويسدّد رسوم عبور الشاحنات والضرائب الرسمية للدولة السورية، وأكثر منها إلى قوى الأمر الواقع المنتشرة في أكثر من منطقة.

3 أعوام على قرار السعودية منع دخول شحنات الخضروات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها على خلفية ما قالت عنه السلطات السعودية إنه “استغلال تلك الشحنات في تهريب المخدرات إلى المملكة، وإن الحظر سيستمر إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنيّة ضمانات كافية وموثوقة بشأن إجراءات وقف عمليات تهريب المخدرات للأراضي السعودية”.

3 أعوام والدولة غائبة عن متابعة العوائق التي طرأت، وتخاذلت في اتخاذ القرارات الجريئة والفاعلة في مكافحة المسببات المباشرة أو غير المباشرة التي تقف وراء وقف الاستيراد من لبنان الى السعودية وعبرها الى دول الخليج مثل الكويت والبحرين وقطر وعمان ومسقط ودبي، فيما ارتفاع رسوم وأكلاف العبور داخل الأراضي السورية، يدق المسمار الأخير في نعش القطاع الذي “بدأ يخسر أسواقه ومكانته وسمعته وشهرته، التي أسهم في تأسيسها منذ أكثر من 50 سنة”، وفق ما يقول رئيس تجمع الفلاحين والمزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي لـ”النهار”. وتبعاً لذلك “حلت مكان البضاعة اللبنانية منتجات من دول أخرى لأن الفرق شاسع في كلفة التصدير، فقد تصل كلفة البراد لدى اللبناني الى 7500 دولار بينما تبلغ 3500 دولار للمصدّر السوري مثلاً”.

وإلى هذه العوائق، يقول ترشيشي إن “المنتجات اللبنانية باتت محاصرة بسبب عدم انتظام التصدير عبر البحر الأحمر من جراء الحرب على غزة، إذ لم يعد في الإمكان التصدير إلا ما ندر، علماً بأنه كان يأتي الى لبنان أسبوعياً 3 بواخر نصدّر من خلالها البطاطا والتفاح والعنب وغيرها من الفواكه والخضر، أما حالياً فبالكاد تصل باخرة واحدة من دون تحديد موعد لوصولها الى لبنان أو مغادرتها”.

العوائق التي تحدث عنها ترشيشي، تسبّبت بتراجع التصدير من 50 شاحنة يومياً في الأوقات العادية الى 5 شاحنات، بما يهدد بكساد الإنتاج، وتالياً “خسارة لبنان أكثر من مليوني دولار يومياً. وستستمر هذه الخسارة لمئتي يوم إضافية، إذ يفترض بالزراعة أن تصدّر نحو 350 ألف طن، ولكن إذا استمر الوضع على هذا المنوال فلن نستطيع تصدير أكثر من 50 ألفاً لهذه السنة”، مقدّراً إيرادات القطاع الزراعي سنوياً قبل تراكم الأزمات بنحو 350 مليون دولار.

ويضع ترشيشي اللوم على المسؤولين في لبنان الذين “يتقاعسون في التواصل مع السعودية، علماً بأنه عندما اكتشفت السلطات السعودية الحبوب المخدّرة في الرمان، تبيّن أنه غير لبناني وصاحب البضاعة غير لبناني، وكذلك تبيّن أن صاحب البضاعة في السعودية غير لبناني، بما يثبت أن خلفية حظر المنتجات اللبنانية سياسية بامتياز. وعلى الرغم من كل ذلك يدخل من المملكة الى لبنان يومياً بين 10 و15 شاحنة في الوقت الذي لا يستطيع فيه لبنان أن يصدر كيلو عنب واحداً الى السعودية”.

ومن “سخرية القدر” يقول ترشيشي، أن “المزارع اللبناني أصبح يضطر الى تغيير شهادة المنشأ لمنتجاته لكي يكون في مقدوره التصدير الى السعودية”.

وإن كان للسياسة دورها مع السعودية، يسأل ترشيشي عن الأهداف التي تجعل سوريا تضع الرسوم المرتفعة على دخول برادات المنتجات الزراعية اللبنانية عبرها منذ 10 أعوام. فأصبح المزراع اللبناني معاقباً في البحر الأحمر بسبب حرب غزة، وسوريا، والسعودية، فهل يريدون من المزارع اللبناني أن يتعامل مع داعش؟

وطالب “المسؤولين بوقف باب استيراد المنتجات الزراعية على أنواعها من الخارج وخصوصاً من سوريا، لأن كل ما يحتاج إليه المواطن من خضار وفواكه موجود في لبنان، لافتاً الى أن الجانب السوري استثنى من روزنامته الزراعية البطاطا اللبنانية وفضّل إيران ومصر لاستيراد حاجته من البطاطا”.

بطاطا عكّار منكوبة

أكثر من 35 ألف دونم من أراضي عكار مزروعة بالبطاطا وتنتج أكثر من 75 و100 ألف طن سنوياً يُصدّر منها نحو 30 ألفاً، فيما استورد لبنان من مصر كمّيات بلغت أكثر من 72 ألف طن في شهرين وهو رقم قياسي مقارنة مع الأعوام الماضية. وقد ناشد مزارعو المنطقة وزارة الزراعة لتحديد الكميات “لكن لا حياة لمن تنادي”، وفق ما يقول رئيس الجمعية التعاونية لمزارعي البطاطا في سهل عكار عمر سعيد الحايك. وأمام المنافسة الشرسة من البطاطا المصرية، لا يتجاوز سعر كيلو البطاطا العكارية حالياً أكثر من 25 ألف ليرة في أسواق المفرق، فيما تصل كلفته الى ما يزيد عن 30 ألف ليرة.

و”المضحك المبكي” وفق ما يقول الحايك، أن مزارعي عكار “التقوا وزير الزراعة في 23 آذار وتلقوا وعداً منه بتوقيف الاستيراد من مصر، ولكن البواخر بقيت في المرافئ اللبنانية بما انعكس سلباً على موسم عكار والبقاع”.

وفيما يشير عمر الى أن المعنيين يتذرّعون بمصلحة المستهلك، يسأل “أين حماية المستهلك عندما يشتري المنتجات المستوردة بأسعار أغلى من المنتجات اللبنانية التي تضاهي بجودتها كل المستورد من مصر والأردن وسوريا، وليعمدوا الى إجراء فحوص مخبرية لمنتجاتنا للتأكد من مطابقتها للمواصفات”.

وإذ أكد قدرة المزارع العكاري على إنتاج بطاطا مخصّصة للصناعة اللبنانية وبأسعار منافسة للبطاطا المصرية، استغرب عدم مبادرة الصناعيين في لبنان الى الإعلان عن حاجتهم للبطاطا قبل بدء المزارعين بموسمهم الزراعي” وقال: “بدعة طالعنا بها بعض التجار والمصانع الذين أعلنوا عن طلب كمية لشرائها من مواسم عكار بغية تصنيعها، لكن للأسف نوعية طلبهم غير متوافرة في أراضينا وهم على علم بذلك، وما زرع منها هي كمّيات محدودة للتجار عينهم. فلماذا لم يعلنوا عن ذلك قبل استيراد البذار وتحديد الكمية والنوعية بإشراف وزارة الزراعة؟”.

“الزراعة”: مشكلة التصدير تقتصر على السعودية!

“النهار” حملت معاناة المزارعين الى وزارة الزراعة، فأكدت مصادرها أنه “لا توجد مشكلة تصدير مع أي بلد في العالم”. أما “موضوع التصدير الى السعودية فمختلف تماماً، لكونه مرتبطاً بالسياسة ولا علاقة لوزارة الزراعة به، فيما التصدير عبر البحر الأحمر ملف إقليمي أمني، علماً بأنه لا مشكلة لعبور البواخر اللبنانية، إذ كما هو معروف تُعترض البواخر الإسرائيلية. ولكن في كل الاحوال فإن العبور عبر البحر أدّى الى ارتفاع الأسعار عموماً”.

وعلى خلفية المشكلة مع السعودية، تؤكد المصادر أن “وزير الزراعة عدّل الروزنانة الزراعية لتشمل دولاً أخرى لم نكن نتعامل معها، كذلك تواصل مع المعنيين في السعودية، وفي أول الشهر المقبل سيبحث الموضوع في المؤتمر الذي تنظمه أكساد في الرياض، على أمل أن يعود الإخوة السعوديون الى العلاقات المعتادة مع لبنان”.

فيما بدأ موسما البطاطا والبصل في عكار، يواجه المزارعون أزمة تصريف الإنتاج على خلفية إغراق الأسواق المحلية بالبطاطا والبصل المصريين، الأمر الذي اعتبره هؤلاء “مؤامرة على أرزاق المزارعين في عكار تهدّد لقمة عيشهم”. وسأل هؤلاء وزير الزراعة: “ماذا فعلت لإنقاذ المواسم بعدما عوّلنا على همّتك ومساعيك ووعدك بحماية مواسمنا. الكارثة وقعت والأضرار جسيمة”. ولكن مصادر وزارة الزراعة أكدت أن استيراد البطاطا من مصر يتمّ عبر اتفاق وروزنامة زراعية تم توقيعها مع مصر ويلزم الدولتين اللبنانية والمصرية بالتبادل التجاري الزراعي وفق القانون رقم 48 الصادر عن مجلس النواب الذي تم تعديله 3 مرات آخرها في عام 1998. يلزم الاتفاق الدولة اللبنانية بشراء البطاطا من 1 شباط الى 31 آذار كمّيات لا تتعدى 60 ألف طن من البطاطا المصرية، وفي المقابل تلتزم مصر بشراء كميات من التفاح اللبناني بلغت العام الماضي نحو 120 ألف طن من مجموع الإنتاج اللبناني الذي يبلغ 250 ألف طن”، موضحة أنه “إذا ارتأى المجلس تعديله، فإن وزارة الزراعة ستلتزم بالقانون حتماً”.

وإذ اعتبر أن الاتفاق مع مصر هو لمصلحة لبنان، وكذلك الاتفاقات الثنائية مع الدول الأخرى، سيعقد وزير الزراعة اجتماعاً مع كل الخبراء المختصين في هذا المجال في وزارة الزراعة اليوم الجمعة لدراسة أي تعديلات يمكن أن تطرأ على الروزنامة الزراعية عموماً مع كل دول العالم، وعلى ضوئها سيطرح الوزير في اللجان المختصة بمجلس النواب أي تعديلات على القوانين التي يمكن أن تكون لمصلحة لبنان مستقبلاً”.

بالنسبة للاتفاق الزراعي مع سوريا الذي وُقّع في عام 1997 أكدت المصادر أن لا مشكلة فيه، لافتة الى أن ما يعانيه المزارع ينحصر بتكاليف بالترانزيت، وهو موضوع شائك، ومعالجته تتعلق بوزارة النقل، علماً بأن وزير الزراعة زار سوريا أكثر من 7 مرات لبحث هذا الموضوع. ونتيجة للتواصل مع الجانب السوري، منح الأخير لبنان 50% على رسوم الترانزيت، وطلب في المقابل تحقيق 4 نقاط تتعلق بتفاصيل الترانزيت، والدفع، وتفعيل اتفاق عام 1997. وهذه النقاط يجري التباحث فيها بين وزارتي النقل في لبنان وسوريا منذ 7 أشهر حتى اليوم، عازية التأخير في بت هذه النقاط الى الأوضاع الأمنية في المنطقة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.