جهاد أزعور: فريق صندوق النقد يعود إلى بيروت لتفعيل
ومواكبةً لتفاصيل خلاصات صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عقب اجتماعات الربيع التي عقدها بالشراكة مع مجموعة البنك الدولي الأسبوع الماضي، حاورنا مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق الدكتور جهاد أزعور.
وفي رأيه، إن حرب غزة كانت مؤثرة بالدرجة الأولى على الاقتصاد الفلسطيني، والاقتصادات المجاورة في لبنان والأردن والعراق ومصر.
وقد برز تأثر بيّن في القطاع السياحي الذي كان في الفصل الأول أكبر منه في الفصل الرابع، وأخذ التأثير على القطاع التجاري منحى تصاعدياً، وخصوصاً مع ازدياد العمليات في البحر الأحمر حيث تراجعت وتيرة النقل البحري بدرجة كبيرة جداً، ولا ننسى أن ثلث النقل البحري للحاويات يمر في البحر الأحمرعالمياً. كما أن جزءاً أساسياً من التجارة النفطية والغازية يمرّ في هذه المعابر.
من هنا، تتمحور التأثيرات التجارية حول 3 نتائج: أولاً ارتفاع الأكلاف، ثانياً تحول أو تحويل الحركة التجارية إلى معابر أخرى، إضافة الى التأثير المباشر على الدول التي تملك موانئ في هذه المنطقة المتوترة.
المحوران الأخيران لتأثير الأزمة يتمثلان في الأسواق المالية وأسواق النفط التي تأثرت بطريقة أقلّ بحيث كان هناك تذبذب في الأسعار في المرحلة الأولى، ثم عادت الأسواق إلى الاستقرار.
أما بالنسبة إلى القطاع النفطي، فيعود الأمر الى وجود احتياطات فائضة اليوم في الأسواق، وبالنسبة إلى الأسواق المالية فقد كانت حركة رؤوس الأموال مستقرة خلال هذه المرحلة. لذلك، يمكن القول بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب، إن تأثيرها سيتغيّر حسب وتيرة توسّع الأزمة أو تعمّقها.
ويبقى أن العنوان الاساسي لهذا العام هو عدم اليقين والترقب.
نسأل أزعور عن مستوى تحصّن اقتصادات المنطقة لمواجهة تعمّق الأزمة، وذلك بتجزئة المشهد بين الدول.
مقاربته أن الوضع الاقتصادي في المنطقة يجب أن يكون على محاور عدة. فمن دون شك، إن الدول التي تعاني من أزمات مثل السودان أو اليمن أو سوريا أو ليبيا تأثرت أوضاعها نظراً لحال عدم الاستقرار. السودان يعيش واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والاجتماعية، وأيضاً على الصعيد الاقتصادي تراجعت كل المؤشرات الاقتصادية، التضخم يفوق 150 في المئة، و60 في المئة من المواطنين بحاجة الى دعم إنساني.
أما أوضاع دول كالمغرب ومصر والأردن ولبنان فتختلف. هناك مجموعة من الدول استمرت بالمحافظة على الاستقرار وتعزيز الفرص بسبب الإجراءات التي أمّنت حماية للاقتصاد. كما أن دولاً مثل الأردن والمغرب حافظت على الاستقرار، وحالها تحسّنت.
وهناك دول تشهد نسبة ديون مرتفعة مثل مصر وتونس، عليها الاستمرار في معالجة التحديات، ومنها التضخم الذي يؤدّي ارتفاعه الى تبعات اجتماعية، وكذلك تبرز التحديات في إيران وباكستان.
ويجب على الدول التي ترزح تحت وطأة ديون مرتفعة، أن تعالج الديون لأن ارتفاع الفوائد عالمياً يأخذ من مدخرات الاقتصاد التي يمكن أن تستخدم لدعم قضايا اجتماعية أو اقتصادية.
*وكيف يقارب أزعور وضع اقتصاد لبنان اليوم على وقع حرب الجنوب واستمرار إعاقة الأزمة السياسية إقرار القوانين الإصلاحية، وماذا عن مصير التفاوض مع الصندوق؟
يجد أزعور أن الوضع الاقتصادي تأثر بفعل حرب غزة، ولا سيما القطاع السياحي المهم للبنان، وكذلك برز تضرّر قطاع الزراعة، وتأثيرات النزوح الداخلي لأهالي القرى. وقد أضيف هذا الواقع الى تحديات ومشاكل أخرى تراكمت خلال الأعوام الماضية، وأدّت الى تراجع في حجم الاقتصاد وإلى ارتفاع في مستويات التضخم وتراجع الأوضاع الاجتماعية. يضاف الى ذلك أن لبنان يعاني من مشكلة لجوء ونزوح تزيد الضغوط على الوضع الاقتصادي والاجتماعي فيه. ومعالجة هذه الأزمات تتطلب إصلاحات حتماً.
ولا يمكن الدورة الاقتصادية أن تعالج كل هذه الأزمات، لذا لا بدّ من تسريع عملية الإصلاحات. وهذا عنوان التعاون الجاري بين الصندوق ولبنان لجهة تحديد أولويات الاصلاح. ومن خلال المشاورات والدعم التقني، سيتم تأمين القدرة على بناء مشاريع إصلاحية أساسية. وأيضاً من خلال الاتفاق الذي جرى التوصل إليه قبل عامين، هدفنا الى تسريع وتيرة الإصلاح وتكبير حجم الدعم الدولي للبنان. ومن المتوقع وصول فريق عمل الصندوق الى لبنان الذي كان قد غادره بسبب المخاطر الأمنية، بعد حوالي أسبوع لاستكمال تفعيل المساعدة في تقديم الدعم التقني المطلوب. وهو الفريق الذي يعمل في المكتب الاقليمي لتقديم المعونة التقنية الذي افتتحه الصندوق في لبنان.
مصر… مسار الإصلاح
في السؤال عن الدينامية الأخيرة للاتفاق بين مصر والصندوق والتعويل العملي على تطبيق الإصلاحات، يقول أزعور إن العلاقة مع مصر قديمة ومبنية على دعم كبير قدمه الصندوق لمصر خلال مراحل عدة، ولا سيما أن القاهرة واجهت صدمات خارجية، وتأثرت بارتفاع الأسعار العالمية وحرب أوكرانيا وجائحة كورونا التي فاقمت التضخم. وكانت هناك حاجة للقيام بمسارين، أولاً لحماية الاقتصاد الوطني، وهنا أهمية مرونة سعر الصرف الذي أتى حماية للاقتصاد وكانت له انعكاسات إيجابية سريعة، ولا سيما لجهة ردم الهوة في سعر الصرف، وإعادة ضخ العملات وتحويلات المغتربين وإعطاء ثقة للمستثمرين.
ثانياً، العمل من خلال السياسة النقدية لخفض مستوى التضخم. ونتحدث أيضاً عن توسيع حجم الاقتصاد وهندسة دور الدولة وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص، والمنافسة بين القطاعين الخاص والعام، وهي عناصر أساسية بنيت الثقة على أساسها وتحرك الاقتصاد وحصل دعم إضافي لدعم الصندوق من الإمارات والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي. وقد استجاب القطاع الخاص من خلال تدفق رؤوس الأموال. وفي محصلة هذا السيناريو، نتطلع الى النتائج، ومن أبرزها خلق فرص عمل للشباب والمرأة. وهو في صلب ما يركّز عليه الصندوق.
الخليج وتنويع المصادر
يتحدث أزعور عن إثبات دول مجلس التعاون الخليجي قدرةً على التكيّف، متناولاً تسريع وتيرة تنويع مصادر دخل الدولة بمردوداته الايجابية. ففي السنوات الماضية، ارتفع النمو من القطاع غير النفطي وأصبح قاطرة للاقتصادات الخليجية. وبالرغم من تقلبات سعر النفط، بقيت الحركة الاقتصادية مستقرة، تضاف الى ذلك مجموعة من الاستثمارات التي وسعت الأفق، مستندة إلى إصلاحات خلقت الفرص.
وإذا أخذنا السعودية مثالاً، فقد ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد، وانخفضت نسبة البطالة لدى الشباب.
وينتج هذا التوازن أيضاً خليجياً عن الانفتاح الاقتصادي من خلال توسيع رقعة التعاون مع الشرق، من الصين إلى أفريقيا.
وبرزت تأثيرات محدودة لاتفاق أوبك بلس لجهة عائدات سوق النفط، وأثبت الخليج قدرة على الانفتاح والتنوّع وسط المتغيّرات الجيواقتصادية.
أسواق الطاقة
لم تكن الأعوام الماضية سهلة على أسواق الطاقة، من أزمة كورونا إلى الحرب على أوكرانيا التي غيّرت المنطقة نظراً إلى إيقاف الإمدادات من روسيا وارتفاع المخاطر السياسية.
وبسرعة مشهودة، تمكنت أوروبا من تنويع مصادر الغاز من مصادر كالجزائر وأذربيجان وقطر والولايات المتحدة.
هنا ثبت أن أسواق النفط قادرة على التكيّف بسرعة وتتفاعل مع مستويات التضخم وحركة العملات.
ولا شك في أن هناك خطراً في تعميق التصعيد في حرب أوكرانيا أو غزة، لكننا حتى الآن نرى تكيّفاً واسعاً في إدارة القطاع.
عمل الصندوق
نطرح على أزعور سؤالاً عن ضرورة إعادة الصندوق النظر في آليّة عمله خصوصاً أنه يعلن عمله خدمةً للشعوب، والتي ترزح أحياناً تحت حكم سلطات واقعة في أزمات مفتوحة وتتحكم في مسارها.
وهنا يجيب بأن الصندوق في حالة مراجعة دائمة لعمله، مذكراً بأنه خلال جائحة كورونا طوّر آلية جديدة لدعم الدول، وتم الإفراج عن مئة مليار دولار في غضون عام، وقد حصلت تونس بعد 3 أسابيع من كورونا على 750 مليون دولار، وفي الأردن جرى إعادة ترتيب البرنامج، وحصل المغرب على 3 مليارات بعد 3 أشهر، ومصر على 8 مليارات في 2020.
كذلك فإن حجم تمويل الصندوق للمنطقة هو من أعلى المرات في العالم اليوم، وقد بلغ 40 مليار دولار كتمويل مباشر، أضف إلى 35 مليار وُزّعت كوحدات سحب خاصة لمعالجة مشكلة السوق.