اليونان تتبنى موقف لبنان من النازحين السوريين…
أثبتت الوقائع على الارض ان وجود هذا الكمّ الهائل من النازحين السوريين في لبنان بات يشكل جملة من الضغوط على البلد. ولم تكن جريمة قتل القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان، على خطورتها، سوى عامل إضافي لاثبات حجم الارتدادات الخطيرة لهذا الملف، علما ان الافرقاء السياسيين لم يلتقوا على رؤية واحدة منذ عام 2011 حول كيفية عودة النازحين الى بلدهم، مع معرفتهم المسبقة ان هذا الموضوع ليس في ايدي اللبنانيين، اي بمعنى انه لا يمكنهم المساهمة في عودة السوريين الى ديارهم من دون الاستعانة بالخارج بدءا بالاتحاد الاوروبي وبلدان عربية وصولا الى الامم المتحدة.
وكان وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب قد عاد من زيارة الى أثينا بجملة من المسائل الايجابية التي تعزز وجهة نظر لبنان في ملف النزوح السوري الضاغط. وهذا ما عكسه بوحبيب بعناية شديدة مع نظيره اليوناني جورجيوس جيرا ابيتريتس ورئيس الحكومة كيرياكوس ميستوتاكيس الذي يحظى بشعبية كبيرة في بلاده.
وتزامنت تلك الزيارة مع وصول وفد قبرصي برئاسة رئيس الجمهورية الى بيروت حيث اتفق مع الرئيسين #نبيه بري ونجيب ميقاتي على عدد من النقاط التي تساعد في ضرورة تفهّم العالم والاوروبيين اولاً حقيقة واقع النزوح السوري واخطاره على لبنان. ويبقى المهم الدور الذي تؤديه وزارة الخارجية ومساعيها لإطلاع اكثر من دولة اوروبية وخصوصاً قبرص واليونان وايطاليا ومالطا واسبانيا، على حقائق ما يعانيه لبنان في هذا الصدد، مع الإشارة الى موقفي كل من فرنسا والماليا اللتين لا تجاريان الاعضاء الآخرين في الاتحاد الاوروبي في الموقف نفسه من النزوح، ومع التذكير بان قبرص واليونان تشكلان خط الدفاع الثاني في منع النازحين من الوصول الى اوروبا. وكان لافتاً ان ميقاتي وبوحبيب قد توصّلا الى رؤية مشتركة لموقف لبنان والمساهمة في اقناع الاوروبيين بمسألة العودة الآمنة للنازحين الى سوريا بغضّ النظر عن علاقة الاوروبيين المقطوعة مع الرئيس بشار الاسد حيث تجري محاولات معهم للفصل في هذا الموضوع. وثمة مسؤولون اوروبيون بدأوا يتقبلون هذا الامر رغم معارضة باريس وبرلين لهذا الطرح.
تتفهم أثينا حقيقة الصعوبات التي تواجه لبنان غير القادر على استضافة مليوني سوري على أرضه، مع ملاحظة كيف ان قبرص لم تتحمل استيعاب 2000 شخص وصلوا الى الجزيرة في الاشهر الاخيرة. ووعدت اثينا بطرح هذا الموضوع من أوسع ابوابه في الاتحاد الاوروبي وتبيان حقيقة الاعباء التي يتكبدها لبنان في هذا الشأن، مع التوقف عند مسؤولين في الامم المتحدة اخذوا يعترفون بامكان عودة أعداد كبيرة من النازحين الى بلدهم في اجواء آمنة من دون اعتراض النظام السوري على هذا الامر، وانه يمكن الفصل بين عودة هؤلاء ومستقبل الحكم في سوريا وبقاء الاسد في السلطة. ويسلّم مسؤول اوروبي ه بهذا الامر رغم اعتراض بلاده على الاسد، الا انه لا يوافق على اتباع ما فعلته اميركا وبلدان غربية اخرى في ازاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عن سدة الحكم في بغداد التي تختلف ظروفها عن دمشق.
وفي خلاصة ما حمله بوحبيب الى أثينا انه يمكن البناء عليها بعد التوصل الى اجماع لبناني على مخارج تساهم في عودة اعداد كبيرة من النازحين السوريين الى بلدهم رغم كل الحواجز الموضوعة، مع ملاحظة ان تبدلا حصل عند جهات اساسية لجهة ضرورة التوصل الى رؤية لبنانية مشتركة. وسمع بوحبيب كلاماً مشجعاً في هذا الخصوص لدى تقديمه التعازي الى رئيس حزب”القوات اللبنانية”سمير جعجع بباسكال سليمان.
وثمة من يعتبر هنا ان لبنان هو البلد العربي الاول الذي يدفع ثمن اعباء هذا النزوح في وقت ان كل اوروبا فتحت حدودها امام النازحين من اوكرانيا، مع التذكير الدائم بان الخارجية اللبنانية لا تزال ترفع الصوت منذ اكثر من سنتين جراء هذا التهديد الذي تجاوز قدرات البلد وامكانات شعبه. ولم يكتفِ وزير الخارجية بعقد لقاءات مع المسؤولين عن السلطة التنفيذية في اثينا بل التقى مجموعة من اعضاء البرلمان اليوناني برئاسة نائب رئيسه ابونيس بليكو تاكيس، فضلا عن اعضاء لجنة الصداقة النيابية لإطلاع كل المعنيين في اليونان على حقيقة ما يعانية لبنان وضرورة تبني الافكار التي قدمها في هذا الخصوص الى الاتحاد والاوروبي والمجلس الاوروبي.
ويحتل هذا الملف أولوية عند ميقاتي الذي سيلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في وقت قريب، وسيطلب منه ضرورة التدخل لدى الاسرة الاوروبية لمساعدة لبنان في عودة النازحين السوريين الى بلدهم رغم ان هذا المسار الطويل يحتاج الى جملة من الجهود والضغوط والاتصالات، مع التأكيد على ان موقف لبنان يكون اقوى في حال توصّل الكتل النيابية الى انتخاب رئيس للجهورية وتشكيل حكومة جديدة لاطلاق عجلة ملف النزوح بطريقة مدروسة من مختلف الجوانب تساعد لبنان في التخلص من اعباء هذا الملف الذي تحوّل مع الوقت “قنابل موقوتة”.
ويبقى انه لم يعد في امكان المجتمع الدولي التذرع بالقول ان لبنان يتلقى مساعدات مالية في خضم ازماته المالية جراء “تسليمه” بوجود النازحين السوريين، ليرد مسؤول لبناني على هذا الكلام بالقول: “لا مهرب امامنا من حفظ لبنان إلا بعودة السوريين”. ويضيف بجملة كاريكاتورية ان “ما نتلقاه من الغرب من مساعدات مالية للسكوت على بقاء النازحين على ارضنا لا يساوي ثمن حبوب الفستق”.