ظاهرة السلب تتفاقم على طريق المطار… عصابات تفرّ نحو المخيمات

 

تبتكر عصابات التشليح والسلب على طريق المطار أساليب عمليّاتها في الآونة الأخيرة، أفراد يراقبون المكان ليلاً ونهاراً، يتلطّون في زوايا مخفيّة على الأوتوستراد السريع بين المطار والضاحية بانتظار الهدف وساعة التنفيذ. شكاوى متكرّرة تعلو حول “غياب” الأجهزة الأمنية في تلك المنطقة، مع تنامي هذه الظاهرة الخطرة وتكرّر حوادثها يوميّاً، وصولاً إلى إطلاق نار وطعن، ومحاولات قتل يتعرّض لها مواطنون عُزّل بهدف السرقة.

قبل أسابيع، تعرّض محمد، صاحب معرض للسيارات، لمحاولة سلب على طريق المطار، عند ساعات المساء، حينما كان يقلّ زبوناً من المطار. قبل ملعب “نادي الأنصار” بأمتار قليلة،حيث المكان مغطّى بالأشجار، ألقى مجهولون صخرة كبيرة على سيّارة “جي كلاس” في داخلها ثلاثة أشخاص، ممّا أدّى إلى تحطّم الزجاج الأمامي بالكامل ونجاة الركاب بعناية إلهيّة، فيما ظلّ السائق متماسكاً واستطاع الهرب بسرعة.

الخطة التي تتّبعها العصابات على هذه الطريق تهدف إلى عرقلة سير المارّة، ممّا يدفع السائق إلى التوقّف ومعاينة ما جرى، فينقضّ اللصوص على السيارة وركّابها لسلبهم. صحيح أنّ عمليات السلب تستهدف مختلف أنواع الآليات والدراجات النارية، ومنها “الديليفري”، إلّا أنّ السيارات الفخمة تُعدّ صيداً ثميناً لهذه العصابات، خاصّة تلك الآتية من المطار.

في حديث لـ”النهار”، يكشف محمد أنّها “المرة الثالثة التي نتعرّض فيها لمحاولة سلب على طريق المطار، وتم تحطيم الزجاج الخلفي لسيارتَين سابقاً بحجارة صغيرة نسبيّاً، إلّا أنّها المرة الأولى التي يكون الاعتداء فيها كبيراً بهذا الشكل”.

هذه الرواية واحدة من عشرات الحوادث التي تقع أسبوعيّاً على طريق من المفترض أن تكون آمنة، لخصوصيّتها التي تربط المطار الدولي بالعاصمة بيروت وضواحيها. وتروي طبيبة لـ”النهار” كيف حاول شاب على دراجة ناريّة استدراجها للتوقّف، في وضح النهار، بذريعة أنّ سيارتها “تُهرّب زيتاً”، فما كان منها إلّا أن أقفلت سيّارتها بإحكام، وتابعت سيرها نحو أقرب محلّ للميكانيك لفحص السيارة التي كانت خالية من أيّ عطل.

بؤر أمنية

عند الحديث عن طريق المطار وتفرّعاتها، لا يمكن إغفال النظر عن وضع المخيمات المحيطة بها، خصوصاً مخيم برج البراجنة الذي يُشكّل موقعه الجغرافي امتداداً لطريق المطار إلى قلب الضاحية وبيروت، ثمّ مخيم شاتيلا الذي يُعدّ نقطة وصل بين العاصمة والضاحية.

بحسب معلومات “النهار”، فإنّ مجموعات عصابات النشل والسلب تتوزّع بين جنسيات عدّة، وقد نجحت مخابرات الجيش في توقيف أحد الأشخاص الناشطين في عمليات السلب خلال الأيام الأخيرة. واليوم، تنصبّ جهود مخابرات الجيش على ملاحقة العصابة المختصّة بزرع كمائن للسيارات ورشقها بالحجارة، وهم الآن قيد الملاحقة، بعدما لجأوا إلى أحد المخيمات، وفق ما أفاد مصدر في مخابرات الجيش “النهار”.

يُمكن القول إنّ واقع المخيمات يُسهّل عمل العصابات، حيث يُمكن أن يتوارى بعضها عن الأنظار في دواخلها لفترات طويلة. وينشط تعاون أمني على هذا الصعيد بين مخابرات الجيش وفصائل فلسطينية للقبض على المطلوبين.

ماذا عن الأمن الاستباقي؟

غالباً ما تواجه القوى الأمنية مشكلة في التعاون مع المواطنين وحضّهم على تقديم شكوى. فمحمد، على سبيل المثال، لم يُبادر للادّعاء لدى الأجهزة المعنية بعد تعرّضه لمحاولة السلب، ويقول: “لا أريد الادّعاء ضدّ مجهول”، إلّا أنّه يؤكد أنّ “قوى الأمن ومخابرات الجيش تابعت الحادثة بعد إثارتها، وشكّلتا دوريات متتالية في المنطقة”.

ترفض القوى الأمنية اتهامات المواطنين بتفلّت المنطقة أمنيًّا، مؤكدةً “تسيير دوريات دائمة باللباسَين المدني والعسكري على طريق المطار”. لكنّها تُشدّد على تحميل المواطن مسؤولية أيضًا بسبب عدم المبادرة إلى الادّعاء، خاصة عند عدم تعرّضه لخسائر كبيرة.

ويُفيد مصدر أمني “النهار” بأنّ “أغلب الحوادث تصل إلى الأجهزة الأمنية عبر فيديوات تنتشر على صفحات السوشيل ميديا. وقد حاولنا مراراً التواصل مع الضحايا، لكن يجب على المواطن إرسال شكوى إلى قوى الأمن لمتابعة الأمر”.

ولكن ماذا عن الأمن الاستباقي؟ يرى المصدر الأمني أنّ “إقامة حواجز ثابتة على طريق المطار خطة غير ناجعة بسبب الخطّ السريع هناك، إضافة إلى أنّ العصابات تتنقّل عبر الدراجات النارية، وتنسحب فور الانتهاء من عمليّتها، فلا يمكن ملاحقتها إلّا بالتخفّي وعبر عملية استقصائية بلباس ودوريات مدنية”.

وبالرغم من تحوُّل طريق المطار ومحيطها إلى بؤرة للتشليح والسلب وتنامي مخاوف المواطنين من سلوكها ليلاً، فيبدو لافتاً تراجع نسب الجريمة في لبنان مقارنة بالعام الماضي؛ وهذا ما تؤكد عليه الأجهزة الأمنية في تشديدها على “ضرورة مراقبة نسبة الجريمة”.

تكشف الإحصائيات الرسمية لقوى الأمن الداخلي، الصادرة مطلع العام، تراجعاً بنسبة 26,2 في المئة تبعاً لمجموع الجرائم على كافة الأراضي اللبنانية (قتل، سلب، سرقة سيارات، سرقة موصوفة، نشل) في العام 2023 مقارنةً بالعام 2022. أمّا عمليات النشل فقد انخفضت بنسبة 37,58 في المئة، وعمليات سلب الأشخاص بنسبة 3,78 في المئة.

كما تُظهر أرقام “الدولية للمعلومات”، التي حصلت عليها “النهار”، أنّ عمليات السرقة في لبنان تراجعت في شهرَي كانون الثاني وشباط 2024 إلى 614 عملية مقابل 706 في الفترة ذاتها من العام الماضي.

اتهامات بسيطرة حزبية… وما دور شرطة البلدية؟

إلى جانب عصابات السرقة على طريق المطار، تنشط مجموعات تتعاطى المخدّرات وأخرى للاتجار، في حين يمتهن بعضها السلب بحثاً عن الأموال لتغطية نفقات المخدّرات. وقد سلّم “اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية”، أكثر من مرّة، متعاطين للمخدّرات إلى قوى الأمن الداخلي.

ووسط اتهامات بسيطرة حزبية في المنطقة قد تُعيق عمل الأجهزة الأمنية، يُطرَح تساؤل عن دور شرطة “اتحاد البلديات” على هذه الطريق. لكن رئيس الاتحاد، محمد درغام، يقابل هذا الاتّهام بالتأكيد أنّ “الطريق الدولية لا تعود للبلديات، وليس لدينا دور أمنيّ وصلاحية للقبض على أحد إلّا بالجرم المشهود. وفِرَقنا لا تعمل على مدار 24 ساعة”. ويتفهّم درغام خصوصية المكان المحاذي للمطار الدولي، لكنّه يُشدّد على أنّ “شرطة البلدية لا يمكنها الاشتباك مع العصابات المسلّحة، إنّما يحقّ للقوى الأمنية ذلك”.

ويضيف لـ”النهار”: “لا تنحصر المشكلة الأمنية فقط بالضاحية، فنحن نرى يوميًّا ما يجري في طرابلس مثلاً. وعديدنا تراجع بعد الأزمة في لبنان، ولا يمكننا تغطية كافّة البقع الجغرافية ضمن نطاقنا”.

كما يأسف درغام لما يُثار حول السيطرة الحزبية، ويردّ عبر “النهار” قائلاً: “مين مانع القوى الأمنية تنزل؟… مرة منقول نحن مطرح الدولة، ومرة منقول وينيه الدولة… لسنا أحزاباً مكان الدولة، ودائماً ما نطالب الأجهزة الأمنية بتعزيز تواجدها في الضاحية”، كاشفاً عن إنجاز “اتحاد بلديات الضاحية” سجنًا في الغبيري يتّسع لنحو 100 موقوف، لكنّه ليس مفعّلاً من قبل الدولة حتى الآن. و”كلّما سلّمنا شخصاً إلى القوى الأمنية تتذرّع باكتظاظ المخافر!”.

أمّا عن التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية، فيصف درغام المواطن بـ”المستهتر”، متسائلاً: “كيف يمكن القبض على العصابات من دون مذكّرة بحث وتحرٍّ؟ فالمواطن لا يبادر إلى الادّعاء، ويريد حلّ مشاكله كلّها من دون التعاون معنا”.

هكذا إذن باتت ظاهرة السلب والتشليح على طريق المطار جزءاً من هويّة المكان أخيراً، وبات سلوك الطريق وتفرّعاتها وأنفاقها محفوفًا بمخاطر لا تُدرَك عواقبها، فيما تبقى العين على تضافر جهود الأجهزة الأمنية وتنسيقها لضبط الوضع واستعادة الأمن والأمان.

Leave A Reply

Your email address will not be published.