تطوير المناهج التربوية ضد التوظيفات السياسية!
ليس تفصيلاً أن يتقدم ملف تطوير المناهج التربوية في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها البلاد، والأزمات التي عصفت بالتربية منذ العام 2019 وما سبقها من تعثر في مسار التعليم، ووسط مناخات في المركز التربوي للبحوث والإنماء كان يستحيل معها العمل على التحديث التربوي. والامر لا يتعلق فقط بالجانب المالي وما أثير حول القرض الممول من البنك الدولي لمشروع تطوير المناهج التربوية، أو المبالغ المالية التي صرفت من هبات، بل بما كان يجري من محاولات لوضع اليد على المشروع وتوظيفه سياسياً وطائفياً أيضاً.
بعد انجاز النسخ النهائية من الأوراق الأساسية المساندة للإطارالوطني لمنهاج التعليم العام قبل الجامعي، والتي من المفترض أن تمت قراءتها بصورة نهائية من خبراء في الجودة، يمكن القول أن التقدم بات جلياً في المشروع، إذا كنا نتحدث عن مسار مستمر منذ العام 2016، ولم تعد هناك من أعذار أو تبريرات عن وضع خطة واضحة لاستكمال المشروع مع مهل زمنية لإنجازه وحتى تقدير كلفته في مسار تطوير المناهج وإعداد المواد واختيار الخبراء ومنسقي اللجان والاعضاء.
يعود التقدم في مشروع تطوير المناهج إلى تغيّر حدث في المركز التربوي، فهو وأن كان يحتاج إلى مسار اصلاحي أشمل ليمارس دوره كاملاً، وليس تغيير وظيفته، إلا أنه بدأ يسير في مشاريع تربوية تعنى بالتحديث والتطوير انطلاقًا خطط محددة. والمهم في هذا السياق أن يصبح المركز قادراً على التحرّك بفاعليّة، في خدمة التربية، وقبل ذلك معالجة الخلل القائم في بنيته.
قبل الأوراق المساندة أنجز الإطار الوطني للمنهاج ما قبل الجامعي بعد تعديلات على خمس نسخ منه، وعلى الرغم من الجدل الذي رافق عملية اعداده، إلا أنه أنجز أخيراً، فيما سلك ملف تأليف اللجان مساره، ويحتاج إلى مزيد من التقويم. ويبنى على هذا المسار في أن وزارة التربية لم تكن لتتقدم في رعايتها للمشروع من دون تذليل العقبات التي تفجر الخلاف التربوي، بدءاً من المركز، انما الاهم عدم اعتباره جزيرة مستقلة لا رقابة على انتاجها، فالمركز في الأصل يتبع للوزارة وإن كان مؤسسة أو إدارة لديها نظامها الخاص، لكن مهمته الأساسية هي التربية ويجب أن يكون عقلها المفكر.
يمكن الحديث كثيراً عن ثغرات وأخطاء رافقت وسترافق إعداد المناهج الجديدة، وفي الكثير منها أيضاً فضائح بمفعول رجعي، لكن الاهم اليوم هو في كيفية استثمار هذا التقدم ضمن مسار اصلاحي لا يقف عند حاجز سياسي ولا تغطية طائفية، ولذلك هناك دور للجنة العلمية في متابعة العمل على إصدار المنهاج بصورة نهائية، والتدقيق في اختيار الخبراء من الترشيحات في اختصاصات التربية المتعلقة بالمواد التعليمية، وتقويم عمل اللجان.
لا بد في المرحلة الاخيرة من مشروع تطوير المناهج، أي إعداد المواد من أن تكون أكثر شفافية ووضوحاً، بدءاً من اختيار المرشحين الخبراء وتدريب الأساتذة على هذه المهمة انطلاقاً من روحية الإطار الوطني للمناهج ومضمون الأوراق المساندة له. والامر ينسحب أيضاً على الهيئة العليا للمناهج التي تتحمل مسؤولية في وضع السلم التعليمي ونظام التقييم الجديد، علماً أن ذلك يحتاج إلى مهل زمنية محددة، إذ يجب أن تخضع الهيئة للتقييم والرقابة كي تكون مقاربتها واضحة في مسار التطوير. وعلى هذا، فإن تصويب المسارات في اعداد المناهج يجب أن ينطلق من رؤية نقدية تعزز عملية التقويم كمدخل لاستنهاض التعليم، وقطع الطريق على محاولات توظيف ورشة المناهج بالمحاصصة.
من الضروري أيضاً العمل بالتزامن مع اعداد المناهج على وضع مشروع لتعويض الفاقد التعليمي، إذ بالرغم من استقرار التعليم في السنة الدراسية الحالية إلا أنه تبين أن انجاز مواد المنهاج يحتاج إلى وقت أكثر. هذا طريق يضمن الانتقال السلس للنظام التربوي من واقعه الحالي إلى مرحلة جديدة تتسم بالجودة والانصاف والعدالة.