“الأونروا” تستعيد بعض التمويل وتُمدّد عملها حتى أيّار
من الارتدادات الجانبية للحرب في غزة، التي لم تخلُ من خلفيات سياسية، وقف عدد من الدول الداعمة لإسرائيل تمويلها للمفوّضية العامة لشؤون اللاجئين “الأونروا”، ما هدّد عملها في تقديم الدعم الإنساني والمساعدة لنحو ٢٥٠ ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من أصل نحو ستة ملايين في دول اللجوء في المنطقة، الأمر الذي دفع المفوّض العام للوكالة فيليب لازاريني إلى التحذير في نهاية شباط الماضي من أن أنشطة الوكالة في كل المنطقة ستكون عرضة لخطر كبير اعتباراً من شهر آذار (الماضي)، بعدما كشف في رسالة وجهها إلى الأمم المتحدة أن الوكالة وصلت إلى ما وصفه بـ”نقطة الانهيار” بسبب ارتفاع النفقات مقارنة مع المداخيل، في ظل إعلان عدد من الدول المانحة تعليق تمويلها.
والواقع أنه منذ اعتداءات السابع من تشرين الاول الماضي، أعلنت نحو ١٢ دولة من مجموع الدول المانحة إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية تعليق تمويلها الذي يقارب نصف مليار دولار، من أصل موازنة وصلت إلى نحو مليار ونصف مليار عام ٢٠٢٣، فيما كانت الوكالة طالبت منذ بداية الحرب بتمويل إضافي لتغطية الحاجات التمويلية المستجدة، وهو تمويل مهم جداً بالنسبة إلى الوكالة الاممية لأنه يشكل نسبة كبيرة من التمويل المقترح للسنة الجارية.
وجاءت خطوة تعليق التمويل على أثر اعتداءات السابع من تشرين الأول الماضي، بعدما وجهت إسرائيل اتهامات إلى موظفين في الوكالة بالتورط في تلك الاعتداءات إلى جانب حركة “حماس” ما دفع الوكالة إلى إنهاء العقود مع المتهمين وفتح تحقيق في شأن الاتهامات، علماً بأن إسرائيل استمرت في الضغط على الوكالة الأممية، داعية إلى إقفالها بتهمة الانحياز السياسي إلى جانب الفلسطينيين ضدها. والمعلوم أن إسرائيل تضغط حتى منذ قبل ٧ تشرين الأول في هذا الاتجاه، بهدف رفع وتيرة الضغط على الفلسطينيين، ووقف تدفق الأموال إليهم، بفعل اتهامات مزمنة توجّهها إلى الوكالة بمساعدة حماس، تحت هدف تفكيكها.
ورغم التحذير الشديد الذي أطلقه لازاريني قبل خمسة أسابيع مترافقاً مع خشية كبيرة من أن يؤدي تراجع التمويل فعلاً إلى إقفال مكاتب للوكالة أو تقليص حجم الخدمات التي تقدمها، في ظل الظروف الاستثنائية الناتجة عن حرب غزة، فقد تبيّن أن حركة الاتصالات التي قامت بها الوكالة على مدى تلك الأسابيع أسهمت في تأمين بعض التمويل، معوّلة على مقاربات جديدة في التعامل مع الحرب القائمة، والخسائر الفادحة للفلسطينيين، التي بات يتعذر على المجتمع الدولي غضّ الطرف عنها كما حصل في الأسابيع الاولى للحرب، ما سمح لها بتوفير أوكسيجين لشهري نيسان وأيار، بحيث يكفي التمويل الذي توافر حتى نهاية أيار المقبل، كما كشف مصدر في “الأونروا” لـ”النهار”.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الاتصالات تركزت على خطين، الأول تمثل بإعادة التواصل مع دول كانت علقت تمويلها، على نحو أدّى إلى تراجعها عن قرارها. وتمثل الخط الثاني بفتح قنوات مع دول جديدة أبدت استعداداً لتوفير الأموال المطلوبة. ويؤكد المصدر أن هذا الوضع سمح بتمديد العمل بالبرامج القائمة من دون أي تغيير فيها أو تقليص للأنشطة في مختلف الدول التي للأونروا وجود فيها، كاشفاً أن الاتصالات تنطوي على أكثر من مسار وهي مستمرة ولا سيما مع الدول المقاطعة لحثها على التراجع عن قرارها، كما هي تتواصل مع دول جديدة بهدف إدخالها في برنامج الدعم.
والسؤال عن مرحلة ما بعد أيار، وهل سيعود التمويل طبيعياً إلى الأونروا أم لا، خصوصاً أن هذا الملف يدخل في جوهر الحرب، وأي تسوية مرتقبة لها، على قاعدة أنه سيترتب على المنظمة دور أساسي في مرحلة ما بعد الحرب، ليس أكيداً بعد مدى تقبّل الجانب الإسرائيلي له، أو مدى تعاونه في تأمين التسهيلات لها للقيام بها. والأمر لا يقتصر على الفلسطينيين في غزة أو اللاجئين في دول الجوار، بل أيضاً على لبنان الذي يرهق تحت ثقل اللجوء في ظل أزمته الاقتصادية والمالية، وعجزه عن تأمين أي مساعدات لهؤلاء إذا ما توقفت برامج الوكالة.
الأكيد حتى الآن أن هذا الموضوع، رغم أنه يشكل حيّزاً أساسياً من عناصر الحرب ونتائجها، إلا انه لن يصل إلى مرحلة التوقف الكلي، وبالتالي، سترافق مسألة الإفراج عن التمويل مراحل التسوية فيزيد أو ينقص وفقاً لتقدّمها أو عدمه!