التمديد للبلديات سنة ثانية صار أمراً مقضياً
انتخابات المجالس البلدية والاختيارية، المفترض مبدئيا ان تُجرى في النصف الاول من أيار المقبل، هي الى ارجاء محسوم، والتمديد للمجالس الحالية على علّاتها واوضاعها الصعبة والبائسة، سنة ثانية اضافية أمر محتوم.
ذلك هو الاستنتاج المباشر الذي يخرج به اي متصل بأي جهة رسمية او سياسية معنية بهذا الاستحقاق الديموقراطي الذي يُفترض ان يجري في الحالات الطبيعية مرة كل ست سنوات سعياً الى تكريس أمرين اثنين:
الاول تكريس مبدأ تداول السلطة المحلية.
والثاني ترجمة عملانية لمبدأ الانماء المتوازن وانصراف الناس الى التنافس على خدمة مجتمعاتها المحلية سعيا الى التحديث والتطوير.
لم يكن احد يتوقع اصلا إجراء مثل هذه الانتخابات في ميقاتها الموعود، لذا فان التأجيل كان موضوعا في رأس قائمة حسابات الجميع بلا استثناء، ومما زاد في ترسيخ هذا الاعتقاد ان ثمة سببا اضافيا زِيد على دواعي الارجاء التي تذرعت بها الجهات الرسمية المعنية في مثل هذا الوقت من العام المنصرم لكي تصدر قانون التأجيل وتسوّغه، وهو الحرب الدائرة رحاها بضراوة على طول الحدود اللبنانية الجنوبية والتي تمتد تداعياتها الى مناطق اخرى اشمل واوسع ومنها البقاع الشمالي.
وليس خافيا ان هذه الحرب تفضي الى تدمير ممنهج لبلدات وقرى كانت تمور بالحياة، فضلا عن سقوط ضحايا بالعشرات.
وبناء عليه، كان البحث في الاسابيع الماضية جاريا عن امرين:
الاول عن الجهة الرسمية المعنية التي تبدي استعدادا للتصدي لمهمة ايجاد مبررات وذرائع تغطي عملية التأجيل وتسوّق مبرراتها.
الثاني عن الجهة التي عليها ان تتحمل تبعات ما بعد التأجيل، خصوصا ان الغالبية العظمى من المجالس البلدية الحالية تواجه صعوبات جمة تجعلها قاصرة عن القيام بواجباتها واداء المهمات اليومية المنوطة بها، اذ كما صار معلوما فان الحل يطاول وفق احصاءات شبه رسمية ما يقارب ربع هذه المجالس، في حين ان كل بلديات لبنان (ما يزيد قليلا عن الف بلدية) تواجه عجزا ماليا لاسيما بعد الانهيار المالي والاقتصادي وترهّل الادارة الرسمية.
قبل نحو ثلاثة اشهر بدت وزارة الداخلية المولجة أمر تنظيم الانتخابات والاشراف على اجرائها وضمان نزاهتها، وقد “غسلت” يديها من المسؤولية والتبعة سلفا، وذلك عندما اعلنت بلسان وزيرها بسام مولوي وببيان صادر عن مديرية الاحوال الشخصية فيها عن امرين:
الاول: إعداد قوائم الناخبين (لوائح الشطب) وارسالها الى المخاتير والبلديات والجهات المعنية والتي هي اساس الاستحقاق.
الثاني: ان الوزارة باتت جاهزة لإتمام هذا الاستحقاق وادارته، وانها تاليا تنتظر اشارة الانطلاق من الحكومة مجتمعة.
لكن ذلك الاعلان، على بلاغته واهميته، لم يكن يعني اطلاقا ان الاستحقاق المنتظر آيل الى تحقق في الموعد المحدد مبدئيا من العام الماضي. فالكل كان يعلم حقيقة العوائق القاهرة، ويعلم ايضا ان الدولة منهكة ومستغرقة في تعثرها وارتباكاتها، وانها تتمنى ضمنيا عدم تجرّع كأس هذه المهمة العسيرة والشاقة.
لذا بادرت لجنة الداخلية والدفاع الوطني في مجلس النواب الى أخذ زمام المبادرة، حيث بادر رئيس اللجنة النائب جهاد الصمد الى تحديد موعد لاجتماع اللجنة ودعا وزير الداخلية والبلديات الى المشاركة والتهيؤ للاجابة عن تساؤلات المشاركين حول هذا الاستحقاق.
واستجاب #الوزير مولوي وتلا على مسامع المشاركين مطالعة مستفيضة ركزت على الآتي:
– ان الوزارة من جهتها جاهزة تماما، وانها اعدّت للامر عدّته وكأن الانتخابات حاصلة في موعدها المبدئي.
– ان امر التأكيد على اجراء هذه الانتخابات عائد حصريا لمجلس النواب وللحكومة مجتمعة، فبيد احدهما امر الذهاب الى صناديق الاقتراع او التمديد للمجالس الحالية.
ومع كل التحركات فان القوى السياسية المعنية، ولاسيما تلك الحاضرة في #حكومة تصريف الاعمال، كانت تتصرف على اساس ان هذه الانتخابات هي في حكم المؤجلة اذ لم تكلف نفسها عناء القيام بأي نشاط من الانشطة الحامية، التي تسبق عادة موسم الانتخابات، فلا هي بادرت الى تشكيل قوائم مرشحيها المدعومين، ولا هي تواصلت مع قواعدها اذ ان اهتماماتها كانت منصبّة في مكان آخر.
ومعلوم ان الثنائي الشيعي مستغرق تماما في المواجهات الحدودية معتبرا اياها “أم المعارك” التي يتعين ان تنخفض امامها كل الاصوات، فيما القوى المعارضة مستغرقة في البحث عن سبل لادانة هذه الحرب واطلاق الدعوات اليومية للخروج منها على جناح السرعة.
وقبل بضعة ايام اطلق النائب الصمد موقفا بدا حاسما افصح فيه عن ان كفة تأجيل الانتخابات البلدية هي الراجحة تماما، وان ثمة اجراء مطلوبا ويصير التمديد للمجالس البلدية الحالية قانونيا وساريا.
وقال الصمد لـ”النهار” ان التأجيل المرتقب سيكون من خلال قانون يقره مجلس النواب. واضاف ان الاتجاه في الاوساط السياسية المعنية هو ان يتم هذا الاجراء (قانون التمديد) بعد انتهاء الاعياد (المسيحية والاسلامية) مباشرة.
ورداً على سؤال، اوضح الصمد ان “ثمة ثلاثة دواعٍ تعزز فرضية التأجيل وتسوّغها وهي:
– ان هناك عدوانا اسرائيليا يوميا يطاول كل الجنوب واجزاء من البقاع، وهو عمليا عدوان على كل لبنان.
– ان الوقت صار داهما وضاغطا لا يسمح باجراء هذا الاستحقاق في موعده ضمن اجواء وظروف طبيعية مريحة، خصوصا ان وزارة الداخلية تعتبر ان الموعد الفعلي لاجراء الانتخابات هو في منتصف ايار، وبالتالي فان مهلة الشهر ونصف الشهر الفاصلة عن الموعد المبدئي لهذه الانتخابات غير كافية عمليا.
– ان فكرة تجزئة اجراء الانتخابات الموعودة على نحو يجعلنا نؤجل هذه الانتخابات في 3 محافظات يطاولها العدوان (الجنوب والنبطية وبعلبك – الهرمل) لم تلقَ قبولا وثمة ما يمنع من اللجوء الى هذا الاجراء”.
وهكذا اضاف الصمد “وجدنا انفسنا وجها لوجه امام خيار التأجيل، مع ان الجميع من دون استثناء يتمنى اتمام هذا الاستحقاق في موعده المحدد”.
وردا على سؤال قال الصمد ان “اجراء انتخابات مع استثناء الجنوب والنبطية ومناطق تتعرض للعدوان او تمديد المجالس المحلية، يحتاج الى اقرار قانون في مجلس النواب. ويصير الامر ممرا الزاميا اذا ما علمنا ان الرئيس ميقاتي يعتبر ان ثمة اسبابا تمنعه من اصدار قانون بهذا الشأن في حكومة تصريف الاعمال وهو لن يقدِم”.
وخلص الى القول: “نحن نتمنى ان يمر التأجيل والتمديد بكل اريحية وسلاسة لان الجميع على علم بدقة الاوضاع، لا ان ندخل في حفلة مزايدات”.