فشل ذريع في تصحيح أوضاع “النافعة”
شركة «إنكريبت» فوق المحاسبة بقرار سياسي لحماية منظومة فساد في هيئة إدارة السير
*لجنة التحقيق البرلمانية لا تستطيع الإستماع لمن يجب الإستماع إليهم.. لأنهم محميون
*سمسرات مستمرة ولا مناقصة جديدة في الأفق وترسيخ لممارسات الفساد
*الدولة تخسر موارد هائلة والمواطن يدفع رشاوى والمستفيدون يعملون على عينك يا وزير
تعود هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – مصلحة تسجيل السيارات والآليات إلى العمل بشكل جزئي، وهذا العمل لم يؤدِّ إلى تعافي الهيئة التي لا تزال تتخبّط ممّا سمح بعودة «السماسرة» التي دارت حولهم شُبهات مع موظفين سابقين إلى الساحة بقوّة. وقد شَهدت الهيئة بلبلة بعد إقصاء العميد علي طه وتكليف الرائد محمد عيد بمهام رئاسة مصلحة تسجيل السيارت والآليات والمركبات.
هذه الهيئة التي يُفترض أنْ تغذّي الخرينة هي عاجزة اليوم عن الإستغناء عن شركة «اإنكريبت» التي عطّلت العمل فيها لأشهر، وفي ظلّ عدم المبادرة إلى إعداد مُناقصة جديدة بعد سحب المناقصة الأولى وتأجيلها، فماذا يحصل في ما سُمّي «مغارة علي بابا والأربعين حرامي»؟
رئيس لجنة تقصّي الحقائق المنبثقة من لجنة الأشغال العامة والمكلّفة بملف النافعة النائب إبراهيم منيمنة
لجنة تقصي الحقائق
يأسف رئيس لجنة تقصي الحقائق المنبثقة من لجنة الأشغال العامة والمكلفة بملف النافعة، النائب إبراهيم منيمنة لأنّه «حتى الآن هناك محاولة للإستماع إلى كل المعنيين بهذا الملف لكننا لم ننجح، أكان من شركة «إنكريبت» أو سياسيين أو مجالس ادارة، لكننا مستمرّون في عملنا. على كل حال هذا الموضوع بكل تفاصيله سيوضع في التقرير الذي سترفعه اللجنة».
وعن موعد صدور التقرير النهائي، يُشير منيمنة خلال حديث مع صحيفة «نداء الوطن»، إلى أنّه «لا يمكن تحديد الوقت، بسبب تخلّف بعض الأشخاص الذين تستدعيهم اللجنة للإستماع إليهم عن الحضور إلى الجلسة، نحدّد موعداً لكنهم فجأة يعتذرون ونضطرّ للتأجيل، هذا الموضوع للأسف يأخذ وقتاً لكننا سنتابعه حتى الوصول إلى خواتيمه».
خسارة الدولة
وفي ما يتعلق بمدى تأثير هذا التأخير على الدولة من الناحية الإقتصادية، يجيب: «بطبيعة الحال، الميكانيك يُشكل مورداً أساسياً للدولة، غير أننا إكتشفنا أنّه وبسبب الفساد الذي كان مستشرياً خسرت الدولة موارد كبيرة. لا إحصاء دقيقاً حول الموضوع، لكن يُمكنني أن أؤكد أنّ في هوامش الربح مثلاً لدى «إنكريبت» هناك موارد للدولة أو هدر مال عام، ومنها مثلاً المبالغ التي يدفعها المواطنون لتخليص معاملاتهم وتذهب عبر قنوات الرشاوى وغيرها، هذه أيضا تخسرها الدولة والمواطن، لأن هذه الأموال لا تذهب عبر القنوات الصحيحة. الدولة خسرت مبالغ طائلة».
نقص الكادر الإداري
ماذا عن الشكاوى عن النقص في الكادر الإداري، والسمسرة خاصة في قسم التسجيل، يُجيب: «حصل لغط كبير حول هذا الموضوع، أولاً بحسب قانون السير الجديد لم يعد هناك معقبون أو سماسرة، وهؤلاء جميعهم يعملون وفقاً للقانون القديم أو بسبب قرارات إتخذها وزراء قبل صدور القانون الجديد للسير. عندما صدر القانون الجديد لم يعد لديهم صفة. مع ذلك، إستمرّ الوزراء المتعاقبون بالنهج عينه، وظلوا يستعينون بقرارات وزارية لإعطاء هذا الإمتياز لبعض الأشخاص. من ناحية، يقوم موظف بعرقلة المعاملة، فيأتي من ناحية أخرى، ما يسمى بمعقب المعاملات الذي هو بمثابة الواسطة للرشوة، ويُساعد على إنجاز المعاملة مقابل رشوة تُوَزَّع لاحقاً على الموظفين. بعد اتخاذ إجراءات بحقّ الكادر الإداري لم تعد المؤسسة قادرة على القيام بكلّ هذه المهام بكادر بسيط».
ملف معقّد
ورداً على سؤال، يؤكّد منيمنة أنّ «هذا الإقفال المستمرّ حتى اليوم لأغلبية فروع مراكز المعاينة عرقل معاملات المواطن، لعدم تمكّنه من الوصول إلى هذه المعاملة بشكل بسيط. فمن لا يملك مالاً لتسجيل سيارته أو دراجته النارية، في طرابلس مثلاً ومناطق بعيدة، كيف سيسجّلها إذا كان مضطراً للنزول إلى الدكوانة. هناك مشكلة حقيقية. هذا القطاع يحتاج إلى إعادة نظر كاملة، أكان في طريقة الإدارة أو بعلاقة عملية التسجيل بإدارة السير، أو بالأمان، أو بالسلامة العامة… هناك الكثير من التفاصيل ولا تقتصر فقط على موضوع تسجيل السيارات. هذا الملفّ معقد وحتى اليوم لا نرى أن هناك أفقاً في الطريقة التي كانت تدار فيها الأمور».
المسألة متشعّبة
طبعاً أدى الإقفال الى خسارة الدولة إيرادات، حول ذلك يؤكّد منيمنة أنّ «هذه الموارد هي جزء من الخسارة، لكن الخسارة الكبيرة التي من الممكن أن تتراكم جرّاء عملية تعقيد سيصعب حلها لاحقاً، كالسيارات من دون نُمَر، تحتاج إلى تأمين. هذه السيارة تسير من دون تأمين، وبالتالي في حال حصول حادث وسقوط ضحايا، كيف سيتم التعويض. الأمور مع الوقت ستتعقد وتتشعب يوماً بعد يوم، وهذه الأكلاف غير مأخوذة بعين الإعتبار. نحن فقط نتحدّث عن الموارد المباشرة، فلننظر إلى الموارد غير المباشرة الهائلة التي تخسرها الدولة والمواطن، نتيجة الفوضى التي أصبحت تعمّ القطاع».
تلزيم شركة جديدة؟
في حال حصلت مناقصة وتلزيم لشركة جديدة، هل تستقيم الأمور، يجيب: «ليس هذا فقط، بل ان دفتر الشروط الموجود يحتاج إلى إعادة نظر، لأن المناقصة السابقة كانت تشوبها أخطاء، وكانت تعطي إحتكاراً كبيراّ جداً في صلب القطاع نفسه، وبالتالي يجب إعادة النظر فيها وما إذا كانت الدولة ستعطي كل نطاق العمل إلى شركة واحدة خاصة. هذا السؤال يجب أن يُسأل، لأن التجربة أثبتت أن الدولة قادرة على أنْ تقوم بهذا العمل من دون أن تُدخل القطاع الخاص، بل يُمكنها أن تتشارك مع القطاع الخاص بجزء صغير من العمل فقط. لذلك، تحتاج المناقصة إلى نظرة مختلفة. لا أتصور اننا سنبني مجدداً على القديم نفسه ونعيد إجراء فقط المناقصة. برأيي هذه فرصة لإعادة النظر بكامل الإدارة ومقاربة دور القطاع الخاص فيها كي نوفر موارد للدولة ونعطي أفضل نتيجة للمواطن. بصراحة شركة «إنكريبت» لم تقم بأي تطوير لهذا القطاع بل ظلت تستعمل نظام البرمجة، حسب ما تبيّن، الذي كان موجوداً من قبل، ومؤخراً أدخلت نظام برمجة جديداً، وهذا يدل على أنها كانت تقوم بعملية تفويض ليس أكثر، ولم تجرِ الإضافة المطلوبة. كما أننا لم نستفد من لوحات الأمان، لأنها منظومة كاملة، وهذه المنظومة لم يتم إستكمالها، فلم يستفد المواطن من ناحية السلامة ولا الدولة من أحسن الأسعار وكانت كلها عملية هدر كبيرة».
وعمن يعرقل عمل «النافعة»، يجيب منيمنة: «لتنهِ لجنة التحقيق عملها أولاً وتصدر تقريرها وتكتمل لديها كل المعطيات، بعدها سنسمي الاشياء بأسمائها». وهل سيصل التحقيق إلى نتيجة، يقول: «بالطبع، سيتمكّن من الإضاءة على مكامن الخلل الكبيرة. لكن أتصور نتيجة عدم التفاعل الإيجابي من قبل المسؤولين والمعنيين لن نتمكن من إعطاء الصورة الكاملة، لكن على الأقل هناك جزء من الصورة سيظهر للمواطنين وسنعلن عن الأمور كما هي».
رخص السوق
بدوره، يؤكّد عضو مجلس نقابة السواقة خالد محمد أبو فرج لـ «نداء الوطن» أنّه «بما خص قسم التسجيل لا معلومات لدي. أما في ما خص قسم رخص السوق، فالعمل يسير على أحسن ما يرام، والموظفون يخدمون المواطنين وفق القانون، ولا سمسمرات بسبب غياب إمتحانات السوق. وقد وضعت الإدارة برنامج عمل لإنجاز المعاملات وفق كوتا معينة لكل مكتب، ولا عراقيل حتى الساعة».
ويضيف: «لكن الأمور لن تستقيم ما لم تتم الإستعانة بكادر إداري وبشري، ولن تبدأ إمتحانات السوق من جديد، الا إذا أعادوا قسماً من الموظفين الذين تمت الموافقة على إرجاعهم»، لافتاً إلى أن مراكز جونية وعالية والأوزاعي ما زالت مقفلة. هناك قرار سياسي كبير بعدم تفعيل المرفق العام، وكما قال لهم رئيس مجلس النواب نبيه بري: «من الرئيس إلى البوليس، هناك قرار بعدم تسيير إدارات الدولة كلها»، وإلا لأنجزوا ذلك في غضون دقائق»، مؤكّداً أنّ «تسيير عمل الإدارة ممكن من خلال إحضار موظفين من الإدارات الأخرى، أو التعاقد مع طلاب الجامعة اللبنانية، لكن «من الآخر» لا قرار لإعادة فتح النافعة».
لا مناقصة جديدة
أما في ما يخصّ طرح مناقصة جديدة، فيؤكّد رئيس هيئة الشراء العام د. جان العليّة أنّ «بتاريخ 31/8/2023 أُعلِن عن مناقصة عمومية لإدارة وصيانة وتشغيل مراكز المعاينة والكشف الميكانيكي للمركبات الآلية (معدل)، وحُدِّد موعد جلسة التلزيم في 30/10/2023. ثم تم سحبها»، مشيراً إلى أنّ «في 24/10/2023 ورد بريد إلكتروني إلى هيئة الشراء العام لتأجيل الموعد النهائي لتقديم العروض إلى موعد يعلن عنه لاحقاً. غير ذلك لا معلومات لدي».
وفي ما يتعلق بتعديل دفتر الشروط، يقول العلية لـ «نداء الوطن»: «لا نعلم شيئاً بانتظار أن يصلنا دفتر شروط جديد، عندها نرى إذا تعدّل أم ما زال على حاله»، لافتاً إلى أنّه «عندما يرسلون دفتر الشروط نطّلع عليه أو حتى عندما يطلقون المناقصة نطّلع عليها. لكن حتى الساعة ليس هناك أي معلومة جديدة حول المناقصة، وكهيئة شراء عام لم يصلنا أي جديد حول الملف».