“الكوستا برافا” في مهبّ المحاصصات… 6 أشهر تشغيليّة مُتبقية للمطمر
الحلول الترقيعيّة تدفع الى ردم البحر… المنطقة امام كارثة بيئيّة وصحيّة!
المهندس المسؤول عن الملف لـ “الديار”: وزارة البيئة ستتولّى تقديم الإقتراحات
رئيس “التجمّع اللبناني للبيئة” لـ “الديار”: لا خيار سوى التمديد للمكبّ لعدم وجود الحلول
تُعَدُ إدارة النفايات في لبنان تحديا كبيرا، نظرا للمشكلات البيئية والصحية التي تنتج من تراكم النفايات، ويوجد عدة مطامر رسمية وغير رسمية تُستخدَم للتخلص من القمامة، ومن بين هذه المكبات “الكوستا برافا”. وكان افتتح هذا المطمر في تموز 2016 بإشراف المتعهد شركة “الجهاد للتجارة والمقاولات” وتبلغ مساحته 160 ألف متر مربع، وقدرته الاستيعابية تصل الى 1500 طن. وكانت الحكومة اللبنانية أعلنت عن هذا المدفن كحل لأزمة القمامة التي استمرت 8 أشهر في عام 2015، فكان هذا الموقع بديلاً مؤقتًا لمطمر الناعمة، الذي تم إغلاقه في 19 ايار 2015 بعد 17 عاما من التشغيل، مما أدى إلى تكدس أكوام النفايات في مدينة بيروت وضواحيها.
قرار قضائي بإقفاله!
فوق ذلك، يساهم هذا المطمر في تلوث الهواء والبحر المحاذي له، كما ويشكل تهديدا لسلامة الطيران بحكم موقعه بالقرب من المطار. وفي 10 كانون الثاني 2017 واجهت طائرة سرباً كبيرا من طيور النورس، فأمر قاضي الأمور المستعجلة حسن حمدان بإغلاق مطمر نفايات “الكوستا برافا” مؤقتا، وهو مطمر يقع على مسافة 167 مترا فقط من المطار، بعد أن وصف وزير النقل يوسف فينيانوس حينذاك الوضع بأنه حالة طوارئ.
ووفقا لوزارة البيئة ينتج لبنان يومياً 5514 طناً من النفايات، 99% منها تنتهي في المكبات العشوائية والمطامر. ويُعتبر “الكوستا برافا” من أكبر المطامر، ويستقبل اطنانا من الفضلات يوميا، وتتزايد معدلات النفايات في مخيمات اللاجئين بشكل ملحوظ، لا سيما في الآونة الأخيرة بسبب النزوح السوري الثاني الكثيف ، مما يضاعف من تحديات إدارة النفايات في لبنان.
“الكوستا” بيد الحكومة!
في موازاة ذلك، اشار المسؤول عن ملف “الكوستا برافا” في مجلس الانماء والاعمار المهندس سامر سليم لـ “الديار” الى “ان المطمر يعمل حالياً ضمن المواصفات الفنية المحددة في العقد، كما ان قدرته الاستيعابية الحالية تستنفد خلال بضعة أشهر، لذلك فان موضوع المطامر معروض على مجلس الوزراء منذ حوالي الشهرين تقريبا ولم يتم البت به بعد، وتتولى وزارة البيئة تقديم الاقتراحات الى مجلس الوزراء، الذي يعود اليه تكليف الجهة المناسبة بالتنفيذ”.
تخبّط رسمي وغياب الخطط الفعلية!
بالموازاة، قد يتم توسيع مكب “الكوستا برافا”، لكن لا قرار رسميا في هذا الخصوص بعد، وستبقى نفايات المنطقة والشوف وعالية تصب في هذا المطمر حتى حزيران المقبل، الى حين إيجاد مطامر بديلة لها.
على المستوى الرسمي، كان اجتمع وزير البيئة ناصر ياسين مع اللجنة النيابية البيئية وتقرر بحسب تصريح لياسين:
– اولا: تسيير معمل الفرز في العمروسية بشكل اساسي، والعمل مع مجلس الانماء والاعمار لتشغيله. فخطوط الفرز موجودة لكن هناك قضايا مرتبطة بالتمويل، لذلك سنسعى لتأمين التمويل اللازم.
– ثانيا: موضوع معمل التسبيخ لا تمويل له، وسنذهب الى معمل التسبيخ في برج حمود، وسعينا ونسعى لتمويله، وهو يخفف جزءا من النفايات التي تذهب الى المطامر وقد دمّر، ويجب إعادة تأهيله.
– ثالثا: في قضاء الشوف معمل الفرز في السويجاني، والذي يغطي الفرز في قضاء الشوف، ويخفف عن مطمر “الكوستا برافا”، ويصبح له عملية تأهيل لتطويره وتشغيله.
– رابعا: ان يكون هناك منظومات نفايات لقضاء عاليه، وهذه تخفف عن مطمر “الكوستا برافا”.
تصاميم “قاتلة” و “فاشلة”!
في سياق متصل، قال رئيس “التجمع اللبناني للبيئة” المهندس مالك الغندور لـ “الديار”: “نحن نعارض كل الممارسات السلبية الضاغطة على البيئة الساحلية، خاصة مكبات النفايات والردميات، التي تشكل قنابل موقوتة على الساحل، وتهدد الحياة البحرية والبشرية والموارد الاقتصادية والسياحية. لكن للأسف، سياسة الامر الواقع في لبنان اقوى من المبادئ وحسن الإدارة”.
أضاف “كم كنا نتمنى لو ان التوجه لإقفال المطمر منذ حوالي الشهرين قد اخذ مجراه، بغية وضع حد لهذا التراكم من المخاطر، التي يكلف إصلاحها أكثر بكثير من انشائها وتوسعها. لكن الاعتبارات آنية وقصيرة النظر، والنعرات والحساسيات الصعبة حالت دون إيقاف الكارثة، في ظل غياب أي افق او مخطط او فترة محددة لنهايتها”.
وتابع “اما بالنسبة الى الـ 6 أشهر المتبقية من الفترة المعينة لعمل المطمر بعد اطالتها سابقا، فاعتقد ان الوقت سيمدد من جديد بسبب عدم وجود الحلول الواضحة والفعليّة، لان أي حل كان يجب ان يبدأ ليكون جاهزا بعد المدة المحددة، وهذا لم يحصل. وسنصل الى امر واقع جديد ضاغط وإعطاء فرصة ضائعة جديدة”.
ورأى ان “التجاذبات التي ترافق كل جلسة او قرار لمجلس الوزراء تقلقنا، الى جانب تأجيل المسائل الخلافية على حساب استمرار التدهور والخسائر البيئية والاقتصادية”.
إتفاق دون انفراجة في الافق!
واوضح “ان التحركات والاجتماعات التي حصلت منذ شهرين، على اثر تلويح اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية بإقفال المكب، والتي شارك فيها المعنيون مباشرة من مؤسسات حكومية وبلديات وفاعليات سياسية ونيابية، تمحورت حول ثلة أفكار وتمنيات وما يجب عمله في هذا السياق، مثل إعادة تشغيل معمل العمروسية الذي احرق واقفل سابقا نتيجة للتحركات الشعبية، لكن الوضع اليوم بات اصعب من الماضي لجهة إعادة استعماله”.
وتطرق الى معمل “الكورال” في ساحل المتن “الذي يواجه مشكلات ضخمة، ومعمل “التسبيخ” في “الكوستا برافا” او “السويجاني” في الشوف او “مجدلبعنا” في عالية، فكلها ومثلها الكثير من المعامل والامثلة في عدة مناطق لبنانية، تواجه العديد من العوائق والخلافات المحلية والسياسية. ونحن نشارك الكثير من أصحاب القرار بضرورة التفكير الاستراتيجي العملي، وبخطة عمل مدروسة ومُلزمة بعيدا عن الحساسيات، وبالتالي نقل الازمة من منطقة الى أخرى، ورمي كرة النفايات من مكان الى آخر”.
الحلول العملية ميسّرة!
واعتبر “ان الحل الفعلي هو في القناعة والعمل، باعتبار ان القمامة قيمة اقتصادية في حال حسن ادارتها. لكن اتوقع بمرارة تمديد المعضلة وزيادة الفاتورة المادية والصحية لمعالجة هذا الامر، في تحديث الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة على جميع الأراضي اللبنانية ، التي تقوم بها حاليا شركة استشارية بتمويل من البنك الدولي ومشاركة مجلس الانماء والاعمار ووزارة البيئة”.
وقال: “كل ذلك بهدف تقييم الأثر البيئي والاجتماعي والمقاربات التشاركية مع البلديات ومؤسسات المجتمع المدني، من اجل وضع منهجية عملية وشاملة تطبق قانون الفرز من المصدر، وتخفيف كميات النفايات وإعادة الاستعمال والتدوير على المستوى المحلي والوطني”.
وختم الغندور: “الأهم هو مبدأ استرداد الكلفة من خلال تشريع قانوني يعتمد على تحفيز وتشجيع الممارسات الجيدة، وفرض العقوبات على الانشطة السيئة، وتحويل البقايا من نقمة بسبب سوء التدبير الى نعمة بواسطة حسن الإدارة”.
الفضلات تنتهي في اماكن محظورة!
الى جانب ذلك، قال رئيس “جمعية الأرض لبنان” بول أبي راشد لـ “الديار” ان موضوع النفايات “أصبح مثل قصة ابريق الزيت. فالمشكلة التي كانت بدأت من مطمر الناعمة وصلت الى “الكوستا برافا”، والسبب في ذلك يعود الى ان الأخطاء ذاتها لا تزال تتكرر، بحيث كان من غير المفترض ان يصار الى الردم في مطمر صحي عدا العوادم، أي بقايا القمامة التي لا يمكن استخدامها وإعادة تدويرها وتصنيعها والاستفادة منها”. واشار الى “ان مطمر الناعمة ازدحم بسرعة، لان 90 % من مخلفات جبل لبنان وبيروت كانت ترمي فيه، في حين ان العقد مع مجلس الانماء والاعمار كان ينص على جمع العوادم، التي تشكل فقط حوالي 10 الى 20% كحد اقصى من مجمل النفايات. لذلك المعضلة تضخمت بشكل أسوأ، باعتبار ان مدفن “الكوستا برافا” بحر، وبالتالي نكون قد ذهبنا الى وضع القمامة في أكثر مكان حساس بيئيا”.