العقارات: الإقبال على شقق الواجهة البحرية رفع الاسعار 15%… وفقرا تجاوزت الأزمة
في الحروب والتوترات الأمنية تأتي السوق العقارية دائما في المرتبة الثانية بعد السياحة من حيث تلقّي التداعيات السلبية على نموها وحركة البناء والتطوير فيها، وكذلك العرض والطلب.
تباطؤ النشاط العقاري في لبنان حاليا مردّه ليس إلى سخونة الأوضاع الجنوبية والخوف من تحوّلها إلى حرب شاملة فحسب، بل إلى نهاية العام 2019 عند بدء الثورة الشعبية في 17 تشرين وسقوط الليرة والتوقف الكلّي للمصارف ومعها مصرف الإسكان عن الإقراض الإسكاني.
بَيد أن “رُبّ ضارة نافعة” تنطبق على السوق العقارية حاليا، إذ من الملاحظ أنه بعد اشتعال #حرب غزة وبالتوازي معها إندلاع حرب “المشاغلة” على الحدود الجنوبية، كثرت الإعلانات التسويقية والعروض المغرية لبيع شقق ومنازل، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لذا لم يكن مستغربا ارتفاع أسعار الشقق في بيروت وجبل لبنان الشمالي، الى بعض المناطق البقاعية، ومردّ ذلك إلى أمرين:
الأول، نزوح الإستثمارات من الجنوب تحديداً هرباً من سخونة الأوضاع العسكرية فيه، وبسبب فقدان الثقة بديمومة الاستقرار على الحدود مستقبلا، ومصيره في ظل التهديد الاسرائيلي اليومي بتوسيع تأثيرات حرب غزة إلى لبنان وتلقّيه المصير المشابه لها.
والثاني، لجوء لبنانيين كثر إلى “إيداع” ما لديهم من سيولة في الإستثمار العقاري، الذي شكَّل على الدوام ملاذاً آمناً لم يخذل اللبنانيين مرة حتى في زمن الحروب والإنهيارات.
ما هو مصير العقار مستقبلا في لبنان؟ الجواب البديهي يأتي من خلال النتائج التي سترسو عليها حرب غزة وارتداداتها على الساحة اللبنانية، وكذلك الخطوات السياسية التي قد تنشأ باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية وعودة الإنتظام الدستوري لعمل الدولة.
إلى بارقة الأمل في عودة مصرف الإسكان إلى استئناف الإقراض الإسكاني قريبا جدا بعدما تلقّى دعماً من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بقرض قيمته 50 مليون دينار كويتي، والامل بقرض آخر من صندوق أبو ظبي، يبقى أن عودة النمو العقاري إلى سابق عهده قبل الأزمة رهن بعودة الاستقرار إلى سعر الصرف، وعودة المصارف إلى ممارسة دورها الطبيعي في خلق مساحة للإقراض والتمويل الطويل الأجل. وهذه الامور كفيلة بعودة القطاع العقاري الى ممارسة دوره ووظيفته في تأمين الاستقرار الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى، رفد المالية العامة بإيرادات تحتاج اليها الخزينة جدا في الظرف الراهن.
يلاحظ المتابعون لأي منصة من منصات التواصل الاجتماعي كثرة الاعلانات العقارية من شركات ناشئة وأخرى معروفة، حتى يخال المرء أن كل شقق لبنان أصبحت للبيع، لكن الباحث في شؤون الاقتصاد الدكتور جهاد حكيم يعتبر ان معظم الوسطاء ومطوّري العقارات ينشئون صفحات خاصة بهم أو يضعون اعلانات عن العقارات المتوافرة لديهم للبيع عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسبب بسيط هو ان كلفة الاعلان منخفضة نسبيا. عدا عن ذلك فإن غالبية الناس اصبحوا يمضون ساعات طويلة في تصفّح المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتاليا ليس مستغربا أن تكثر الاعلانات وخصوصا العقارية منها.
أما نقيب المطوّرين العقاريين في لبنان مسعد فارس فيعزو سبب كثرة الشركات العقارية التي تنمو برأيه كالفطر في الفترة الاخيرة، الى الأمل الذي يسيطر على اللبنانيين بأن السوق العقارية ستشهد فورة كبيرة بعد الانتكاسة التي أصابت العقار ابان الأزمة عام 2019 حيث انخفضت الاسعار ما بين 50 و60%.
وإذ يلاحظ حكيم أن حركة السوق العقارية انخفضت كثيرا وباتت الاسعار تختلف وفق المنطقة، يوضح أنه “في البترون مثلا، ثمة نشاط عقاري ملحوظ والاسعار مرتفعة نوعا ما، في حين أنه في أنفه المجاورة للبترون، الحركة شبه معدومة، وقد يصل سعر متر العقار الى 500 دولار”.
ويرى حكيم ان “الفترة المثالية لشراء العقارات كانت في الخامس من آب 2020 أي بعد انفجار المرفأ مباشرة، حيث سجلت الاسعار أكبر انخفاض لامست نسبته الـ 70%، لتعود بعدها وترتفع بنسبة 40% في بعض المناطق كالبترون وبيروت”.
وفي حين يشير الى أن الحركة في السوق العقارية قبل حرب غزة كانت افضل، وكان البناء والايجار ناشط في بعض المناطق، يؤكد أنه “بعد اندلاع الحرب شهد القطاع حالة جمود قاتلة”. ويربط حكيم مدى امكانية انفراج ازمة القطاع العقاري بالوضعين السياسي والامني وبمستقبل القطاع المصرفي في لبنان، وتحديدا حيال اعادة تفعيل قروض الاسكان، معتبرا ان “شروط القروض المطروحة اليوم تعجيزية، وهو ما يفقد الجيل الجديد الرغبة في التملك في لبنان، ويسعى في المقابل جاهدا الى الهجرة”.
من جهته، لا يستغرب الخبير العقاري رجا مكارم ما يحصل اليوم في السوق العقارية من اسئلة واستفسارات، إذ ثمة اقتناع لدى بعض الناس بأن الاوضاع في لبنان متجهة نحو الهدوء وأن البلاد مقبلة على فترة انتعاش، لذا تراهم يفتشون عن شقق وعقارات ليستثمروا اموالهم فيها، فيما البعض الآخر في مرحلة جس نبض الاسعار في انتظار الآتي من الايام حيث التعويل على اتفاق ينهي النزاع مع اسرائيل. وإذ لفت مكارم الى ان الاسعار لا تزال على حالها، لاحظ عدم وجود “ستوك” شقق للبيع على الواجهة البحرية لمنطقة “سوليدير” بما رفع الاسعار قليلا، وهذا ما يؤكد وفق مصادر متابعة اتجاه المتمولين من ابناء الجنوب الى شراء العقارات في بيروت وفي منطقة فقرا، حيث يشير مكارم الى أن الاسعار في فقرا عادت الى ما كانت عليه قبل الـعام 2019 بعد انخفاضها بنسبة 50%.
ومع عدم توافر خيارات كبيرة للشقق المعروضة للبيع في عدد من المناطق، من البديهي، وفق مكارم، أن ترتفع الاسعار بعض الشيء ولكن بشكل غير ملحوظ، لكنه توقّع أن ينتعش القطاع العقاري فور اعلان هدنة طويلة مع اسرائيل.
وتؤكد مصادر متابعة أن الاسعار في منطقة الجنوب انخفضت نحو 30%، في حين أنها ارتفعت في بيروت نحو 15%، عازية الامر الى اقبال المغتربين من أبناء الجنوب على شراء الشقق في مناطق عدة تُعتبر راقية. وفي السياق، يلفت فارس الى أن الاسعار في المناطق “الذهبية” عادت الى مستواها قبل الازمة، ولكن لا وجود لشقق متوافرة للبيع، عازياً السبب الى اقبال ابناء الجنوب على شراء شقق في هذه المناطق تحديدا والمناطق كافة بنسبة أقل. وتوقع عودة القطاع العقاري في لبنان الى سابق عهده مع عودة الاستقرار الى المنطقة، لكن هذا الامر متوقف في جانب منه على مباشرة القطاع المصرفي في تمويل القروض السكنية، معتبرا أن ما يؤمنه مصرف الاسكان من قروض هي بمثابة “البحصة التي تسند الخابية” لكنها لن تكون سندا للبنانيين الذين ينوون شراء شقق في بيروت.
أما في مقلب مصرف الاسكان، وبعد موافقة الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية على قرض للمصرف بقيمة 50 مليون دينار كويتي، سيُدفع على فترة 5 سنوات، إذ سيفيد منه ذوو الدخل المحدود والمتوسط بين 40 ألف دولار و50 ألف دولار، كشف رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان أنطوان حبيب أن ثمة أملاً في إمكان الحصول على قرض آخر من صندوق ابو ظبي. وأشار الى أنه زار إمارتي أبو ظبي ودبي في شباط الماضي، والتقى مسؤولين في صندوق أبو ظبي و”هيئة استثمار الصناديق العربية” Arab Fund Investement Autority، حيث ابلغهم نية المصرف تجديد القرض الذي كان حصل عليه لبنان في العام 1993 بقيمة 91 مليونا و825 ألف درهم. وأكد حبيب أنه لمس تجاوبا وتفهما من الجانب الاماراتي، ووعداً من الرئيس سعد الحريري بتحفيز الاماراتيين على التجاوب مع طلب مصرف الاسكان.
ولا يخفي حبيب أنه فور موافقة صندوق ابو ظبي على القرض، سيباشر اتصالاته مع الصندوق الكويتي للبحث في إمكانية الحصول على قرض ثالث لرفد مصرف الاسكان واستمراريته في توفير القروض السكنية لذوي الدخل المحدود والمتوسط، كما يتجه الى الطلب من قطر الحصول على قرض من “صندوق قطر للتنمية”.