نفق ضهر البيدر: دراسات كثيرة والتنفيذ «على الورق»
منح مجلس النواب الحكومة ستة أشهر للبدء بدراسة جدوى إقتصادية حول نفق ضهر البيدر بعد مصادقته على قانون إنشائه الصادر في نيسان العام 2020، فامتدت هذه المهلة أربع سنوات تقريباً، قبل أن يقرر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة التي إنعقدت يوم الأربعاء الماضي في 28 شباط 2024، تكليف مجلس الإنماء والإعمار البدء بهذه الدراسات. فاحفظوا هذا التاريخ وترقبوا النتائج.
جاءت مصادقة مجلس النواب على القانون رقم 174/2020 القاضي بإنشاء نفق يربط مرفأ بيروت بالبقاع مباشرة بطول 25 كيلومتراً، بعد مطالبات وطروحات مزمنة إمتدت لعقود طويلة. إلا أن أي طرح من هذه الطروحات، لم يعوّل على تمويل مباشر من خزينة الدولة اللبنانية. وعليه أقر التنفيذ وفق نظام الـBOT. وهو النظام التي تضمن من خلاله الدولة تسليمها المشروع، بعد أن يكون المستثمر قد إسترد نفقاته وأرباحه، ووفقاً لدراسة جدوى، تبيّن أكلاف المشروع، وتقسم مداخيله على عدد سنوات إستثماره.
في المقابل يتوافق المتحمسون لهذا المشروع على أبعاده الإقتصادية الحيوية التي تتخطى حدود لبنان، وتنقله من مرحلة إلى أخرى، وخصوصاً لما يحمله من طموحات ربط الساحل اللبناني بالعالم العربي، بما يعنيه ذلك من ربط لبنان تجارياً بالخليج العربي والعراق مروراً بسوريا والأردن.
ولكن دعونا لا نغالي في التفاؤل. فإطلاق الدراسات الفنية والمالية والبيئة، لا يعني بأي شكل من الأشكال وضع المشروع على سكة التنفيذ. فما بعد الدراسات، التي قد تستغرق أيضاً وقتاً طويلاً، هناك التلزيمات، وهذه تحتاج إلى «المناخات المؤاتية». والأمر مرتبط أولاً بإستقرار حال البلد. فيما طريق ضهر البيدر المتهالكة بفعل سنوات من الإهمال، وأجزاء الاوتوستراد العربي المتناثرة بموازاته، كفيلتان بإيقاظ اللبنانيين من أحلامهم الكبيرة.
تقدّم مهم
ومع ذلك يعتبر النائب هادي أبو الحسن الذي بدا أكثر المتحمسين لإعادة تفعيل هذا الملف مؤخراً، أنّ تحويل الملف للدراسة يشكل تقدماً مهماً. وهي خطوة أساسية بعد صدور القانون، وتؤمن جهوزية لبنان متى توفرت الظروف لدعوة الراغبين إلى الإستثمار في هذا المشروع.
إلّا أن الدراسة وإن كانت الأولى التي قد تبصر النور على المستوى الرسمي، فهي لن تكون يتيمة. وإذا كان المطلعون بشكل جدي على الملف يعودون دائماً إلى دراسة أجرتها شركة إيطالية في العقد الثاني من القرن الحالي، فثمة دراسة يابانية جرت في ستينيات القرن الماضي، وتعتبر مؤشراً إلى المسار الطويل الذي سلكته المطالبة بهذا النفق.
لدى الحديث عن «نفق ضهر البيدر يذكر البعض أن النائب الراحل موريس الجميّل كان أول المتحمسين لإستخدامه في تسيير سكة حديد بموازاة خطي سير للسيارات ذهاباً وإياباً. غير أنه يبدو أنّ النكايات السياسية لعبت دورها حينها في عرقلة المشروع.
إلا أن القليلين فقط مطّلعون على دراسة جدية لتنفيذ هذا النفق أجراها مكتب إستشاري ياباني من ضمن «برامج إدارة التعاون الفني لما وراء البحار»، والذي تكفلت من خلاله الحكومة اليابانية مجمل نفقات الدراسة وسلمتها إلى لبنان في نيسان من العام 1963، وكان بنتيجتها أن تألفت في وزارة الأشغال لجنة من المهندسين وعاملين في حقلي الإقتصاد والزراعة لدرس الموضوع وإصدار التوصيات حوله. ولا داعي طبعاً للبحث في ما آلت إليه الأمور، طالما أنّ النفق لم يُحفر ولم يبصر النور.
لدى الحديث عن الدراسات، يتطرق النائب ميشال ضاهر من جهته إلى دراسة أجرتها شركة إيطالية لإنشاء نفق بكلفة 2.3 مليار دولار، وهي كلفة نفق مخصص فقط لنقل البضائع. وتحدد خريطة هذا النفق طوله بنحو 26 كيلومتراً، إبتداءً من مرفأ بيروت إلى تعنايل، ليمر فوق نهر بيروت وقناطر زبيدة مروراً بثلاثة جسور.
عندما وضعت هذه الدراسة قبل تفجير مرفأ بيروت كان لبنان يستورد وفقاً لضاهر نحو مليون ومئة ألف مستوعب في العام، وكان الهدف الوصول إلى مليوني كونتينر، لتأمين حاجات العراق وسوريا من البضائع. وهذا برأيه كان يمكن أن يخلق في البقاع وحدها نحو 1200 فرصة عمل، من خلال إنشاء منطقة حرة في رياق أو تعنايل، بحيث تتركز فيها البضائع المصدرة عبر الأراضي اللبنانية بدلاً من تخزينها في المرفأ. ومن هنا يتساءل ضاهر ما إذا كانت صدفة أن يقع إنفجار مرفأ بيروت بعد أشهر فقط على مصادقة مجلس النواب على قانون إنشاء النفق.
لدى التطرق إلى قرار مجلس الوزراء الأخير، لا يبدي ضاهر حماساً كبيراً. وهو يستبعد أن تبدي أي شركة أجنبية رغبة بهذا المشروع في ظل الظرف غير المستقر الذي يعيشه لبنان، مقللاً من أهمية موافقة مجلس الوزراء على إجراء دراسة للجدوى، إذ إنها برأيه لا تنفصل عن نظام الـ BOT الذي ينص عليه القانون لتنفيذ هذا المشروع. بمعنى أن الشركات الراغبة بالإستثمار في إنشاء النفق، يمكنها أن تقدم العروض بناء لدراستها الخاصة للجدوى الإقتصادية، على أن تكون متضمنة فترة التشغيل قبل تسليمها إلى الدولة، لتختار الدولة منها الأنسب سواء من ناحية الكلفة أو المسار وفترة الإستثمار.
إلا أن هذا ليس رأي النائب هادي أبو الحسن الذي يعتبر أنّ أي تلزيم لأي مشروع لا بد أن تسبقه دراسة للجدوى لنتمكن من طرح المناقصات. فيما لا يبدو أبو الحسن متحمساً لدراسة الشركة الإيطالية، معتبراً أن تطبيقها غير وارد، لأنها تخرق منطقة حمى طبيعية في المتن الأعلى، وهي تضرب مصادر المياه في بعض المناطق، بالإضافة إلى حاجتها لإستملاكات واسعة، لا قدرة للدولة على تسديد أكلافها.
مسار مختلف
ويعرض أبو الحسن في المقابل إقتراح مسار مختلف أعده وبدأ يسوق له عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وقبل مناقشاته مع رئيس الحكومة، رئيس مجلس الإنماء والإعمار ومهندسين في المجلس، ووزير الأشغال، والتي يقول إنّها افضت لطرح المشروع على طاولة مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي.
وفي التصور الذي يعرضه أبو الحسن، فإن المشروع هو عبارة عن تكامل بين أوتوستراد مفتوح وأنفاق متقطعة، تبدأ من قناطر زبيده في منطقة الحازمية، ويسلك الوادي الذي يحتضن نهر بيروت صعوداً، ومن ثم يدخل وادي الجعماني بين بلدتي رأس المتن وبيت مري، ليمر بين بلدات صليما والعربانية من جهة وبعبدات من جهة أخرى وصولاً إلى النقطة المعروفة بجسر الخشب بين بلدتي زبدين والمتين ومنها إلى النفق نحو البقاع، وهو نفق بطول تسعة كيلومترات من جسر الرميل باتجاه البقاع. مع إمكانية لأن تؤدي الحفريات بين زبدين والمتين إلى تأمين مصادر المياه لبيروت، خصوصاً أنّ هذه المنطقة غنية بالخزانات الجوفية.
ويعتبر أنّ ما يقترحه يحقق خمسة أهداف عرضها في لقاءاته المذكورة. وهي بالإضافة إلى خلق طريق سريع للسيارات كما لنقل البضائع، الإنماء المتوازن، معالجة مشكلة المياه، والحد من الحاجة للإستملاكات. ولكنه يؤكد أنّه يحترم الأصول التي تقضي بترك القرار لمجلس الإنماء والإعمار، ولأكثر من مسار لهذا النفق، على أن يتم إختيار الأفضل والأجدى من بينها.
يتفق أبو الحسن مع ضاهر في المقابل على أنّ الوقت ليس مناسباً لإستدراج الإستثمارات لمثل هذا المشروع. ولكنه يعتبر أن الظرف لا يجب أن يكون عائقاً للبدء بالدراسات التي ستحتاج للوقت، «كي يتسنى لنا إلتقاط الفرصة متى أصبحت ملائمة».
هذا في وقت تتساءل مصادر متابعة عن الخلفيات الحقيقية لطرح إجراء الدراسات بعد كل التأخير الذي حصل. وإذ ترجح مصادر أن يكون الطرح مجرد محاولة لسحب ورقة الإهمال المفضوح على طريق ضهر البيدر أو في إستكمال الاوتوستراد العربي من التوظيف السياسي، لا تستبعد أخرى أن يكون وراء الطرح عرض مقدم للحكومة لتمويل هذا النفق، جازمة أنّ هذا التمويل إذا توفر، فليس وارداً في هذه الفترة أن يكون لا أوروبياً، ولا أميركياً ولا حتى عربياً. فهل يمكن تحميل بيان وحدة النقابات في «حزب الله» المرحب بخطوة الحكومة، وتنويهها بجهود وزيرها علي حمية في نقل هذا المشروع إلى مرحلة تنفيذية إشارات معينة أبعد من الموقف الذي تضمنه؟ الأيام المقبلة ربما تحمل إجابات شافية.