في مئويّة الطوابع في لبنان… إحتكار بتواطؤ رسمي وكلفة معاملات “غير شعبويّة”
منذ حوال مئة عام، وفي العام 1925 تحديداً، أصدرت مصلحة البريد اللبنانية أول مجموعة طوابع موُشّحة، وفي عام 1928 أُضيف إليها بالعربية عبارة “الجمهورية اللبنانية”. واليوم احتفالاً بالمئوية، دخلت الطوابع السوق السوداء بعد أن انقطعت “اخبارها”، وباتت كلفة الطابع تُحدد بحسب رغبة المحتكر المتواطىء مع مسؤولين بمكان ما لتقاسم الأرباح.
لم يعد معلوماً لدى المواطنين حجم الكلفة التي سيتكبدونها لأجل إتمام معاملاتهم، فبحسب احد المواطنين الذين توجهوا الى المختار لتسجيل ولادة، تختلف التسعيرة بين مختار وآخر بحسب توافر الطوابع وثمنها، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على كل أنواع المعاملات التي تتطلب الطوابع، رغم أن وزارة المالية تحدثت منذ عام بالضبط عن حلول لمشكلة الطوابع، كان أساسها “إشعار تسديد رسم الطابع المالي”، النموذج 14 الموجود على موقع وزارة المالية، فمن لا يجد الطوابع يمكنه الاستحصال على “اشعار تسديد رسم طابع مالي”، ويقوم بتسديد بدل ثمن الطابع من خلال شركات تحويل اموال. علماً أنه بحسب المعلومات ليست كل الشركات التي قالت وزارة المالية انها تعمل معها تقدم هذه الخدمة، على أن يقوم بعدها بإبراز الإيصال بتسديد المبلغ كبديل عن الطابع عند القيام بالمعاملة.
اليوم يعيش المواطنون الأزمة مرة جديدة، فكثير من المعاملات تحتاج الى طوابع، على سبيل المثال معاملات الترجمة وتصديقها لدى أكثر من وزارة، وهنا تبدأ رحلة البحث عن الطوابع التي قد يصل سعر الواحد منها الى 25 ضعف ثمنها الحقيقي، وطبعاً لن يتوانى المواطن عن الدفع لأن الحصول على الطابع ليس رفاهية يمكنه التخلي عنها، بل حاجة ضرورية لإتمام المعاملة، ولكن يبدو أن ليس كل المواطنين يعلمون بقدرتهم على شراء طابع عبر النموذج 14 لأي معاملة كانت، ولو أن النموذج هذا قد يشكل “لبكة” للمواطنين.
النموذج 14 يقوم على استيفاء بدل الطابع عبر شركات تحويل اموال، حيث يقوم صاحب المعاملة بالدخول إلى الموقع الإلكتروني لوزارة المالية ويحدّد نوع معاملته ورقمه المالي، ثم يقوم بتعبئة النموذج المُرسل إلكترونياً، ويحصل المواطن بعد الدفع على وصل بذلك يقوم محل الطابع، او يدخل مكاتب هذه الشركات ويطلب الحصول على النموذج لتعبئته، علماً انه بحسب المعلومات هناك بعض المكاتب التي تتساهل الى أقصى حد بالمعلومات المفترض تعبئتها، إذ يمكن لها قبول آخر 7 أرقام من الهوية الشخصية، كبديل للرقم المالي.
المشاكل التي يواجهها المواطن هي:
– أولا عدم توافر رقم مالي للجميع، وهذه معضلة أساسية تجعل المواطن يتوجه الى السوق السوداء، بحال لم تكن الطوابع متوافرة في الدوائر الرسمية.
– ثانيا: حجم “الداتا” المفترض أن يُدخلها في طلب الحصول على الوصل.
– ثالثاً: عدم علمه بهذه الآلية.
– رابعاً: عدم قدرته على التعامل مع التكنولوجيا.
-خامساً: عدم توافر هذه الخدمة في مكان قريب من المكان الذي يقوم به بالمعاملة، واستعجاله لها بسبب كثرة الإقفال والاضرابات.
يمكن القول ان المسؤول الأول والأخير عن هذه المشكلة هو الدولة اللبنانية بشكل مباشر، التي عليها تأمين احتياجات المواطنين للقيام بالمعاملات الرسمية، التي تستفيد هي نفسها من مردودها، سواء كان التقصير بسبب عدم علم كل اللبنانيين بالحل البديل للطابع، أو تقصيرها الأساسي بطبع الطوابع، والأهم تواطؤ مسؤولين فيها بتأمين الطوابع لفئات محددة تحتكرها وتبيعها بأسعار مرتفعة. فهل يصدق أحد أن محتكري الطوابع لا يحصلون عليها من جهات رسمية؟
هنا لا بد من الإشارة الى ما قام به رئيس “لجنة المال والموازنة” ابراهيم كنعان، الذي التقى يوم الثلاثاء وزير العدل هنري خوري، وقدّم له إخبارا بشأن فقدان الطوابع المالية والمتاجرة بها في السوق السوداء، وقال من الوزارة: “لمعالجة قضائية حازمة بعيداً عن الشعبوية، لوضع حد لمافيا تمصّ دم الناس وتبتزّهم يومياً في رسوم الطوابع المالية”.
هذه الخطوة جيدة ومطلوبة ونأمل ان تصل الى نتيجة، ولو كان من قام بها هو رئيس لجنة المال والموازنة، المسؤولة مع وزارة المالية عن إقرار موازنة، وإدخال العديد من التعديلات على موازنة، أقل ما يُقال فيها أنها تتضمن الكثير من الزيادات التي تُثقل كاهل اللبنانيين وتحديداً في رسوم المعاملات، فحتى لو توفر الطابع للمواطن الذي يُريد القيام بمعاملة في وزارة الخارجية على سبيل المثال، هل سيتمكن من دفع المترتبات التي تضاعفت مرات ومرات في الموازنة الجديدة؟
نعم بعيداً عن الشعبوية، يجب تأمين الطوابع أو وقف العمل بها عبر إيجاد آلية جديدة، ولكن يجب أيضاً إعادة النظر في تكاليف المعاملات الرسمية، التي تصل في بعض الأحيان الى ملايين الليرات، وهو ما قد يعني أن المواطن بحاجة الى نصف راتب لإنجاز معاملة، هذا بحال توافر الطابع.