القرم ماضٍ بتلزيم خدمة الـE-WALLET…
يسترعي طرح خدمة المحفظة الإلكترونية عبر شركتي الاتصال «ألفا» و»تاتش» الاهتمام. بالنسبة لكثيرين، يبدو لبنان متخلّفاً حتى عن أقرب الدول في تأدية مثل هذه الخدمة التي دخلت في صلب الخدمات المقدّمة عبر شركات الاتصالات عالمياً، وتشكّل وسيلة أساسية في العمليات المالية وتداولاتها اليومية في معظم بلدانه. وعليه «أن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي أبداً».
لا تبدو هذه المقولة «موفّقة» بالمقابل بالنسبة لفئة خبيرة بالقطاع، ونواب ممن أثاروا الإشكاليات المترتّبة عن صيغة تقديمها من قبل شركتي «تاتش» و»ألفا» عبر تلزيمها لشركات خاصة تتعاطى التحويل المالي. فبالنسبة لهؤلاء الأفضل قد يكون عدم إطلاق الخدمة إذا كانت ستؤول في النهاية لشريك خارجي، محذّرة ممّا يحمله ذلك من مخاطر تفريغ القطاع من أصوله، وتهريب أرباح الخدمات المقدّمة إلى طرف ثانٍ، بدلاً من أن تصبّ في خزينة الدولة.
يستند أصحاب هذا الرأي إلى كتب وجّهتها هيئة الشراء العام لكلّ من «تاتش» و»ألفا»، ولوزارة الاتصالات، حذّرت «من مخاطر كبيرة لجهة أية إساءة محتملة لبيانات المشتكرين». هذا بالإضافة إلى ما تراه هذه الفئة، من لا عدالة الصيغة المقترحة لتأدية الخدمة بالنسبة لخزينة الدولة. إذ إنّ الشريك الخارجي سيستفيد من قاعدة المشتركين، ومن نسبة الأرباح الكبيرة التي يمكن أن توفّرها هذه الخدمة، فضلاً عن الامتيازات التي ستتوفّر لأي شركة تفوز بالصفقة. ولذلك تشدّد على ضرورة السير بالخيار الأساسي الأول الذي نصحت به الهيئة بأن تقدم الشركتان الخدمة، لما في ذلك «من رفد للخزينة بمزيد من الأموال، وحماية للمعلومات المتعلّقة بالشركتين». هذا مع العلم أنّ نصيحة الهيئة تعتبر من ضمن واجباتها بتقدير المعاملات وإبداء النصح والإرشاد وتوجيه ومساندة الجهات الشارية، الواردة في المادة 76 من قانون الشراء العام، حتى لو كانت هذه التوصيات غير ملزمة بالنسبة لوزارة الاتصالات، أو غيرها من الجهات الشارية.
نجحت توصية الشراء العام في المقابل، في فرملة الاندفاعة التي أبدتها «ألفا» في السير بعقد مباشر كانت تحضّر له من دون مزايدة مع «شركة سيول» التي تتعاطى بتحويل الأموال، بناء لرأي خطي لـ»سيول»، كما أكّد وزير الاتصالات جوني القرم أن مثل هذا الالتزام لا يخضع لقانون الشراء العام.
إلا أنه بعد أن أعلن القرم صرفه النظر عن إطلاق الخدمة، عاد وكشف عن توجّه للسير بخيار تلزيمها عبر مزايدة عامة، وأعطى التوجيهات للشركتين لإطلاقها بأسرع وقت ممكن.
هذا التوجّه إطّلعت عليه هيئة الشراء العام شفهياً حتى الآن. وقد أكّده القرم لـ»نداء الوطن»، كاشفاً أن الشركتين هما الآن في طور إعداد دفتر الشروط، وأن التوجّه هو لتحديد مدة العقد بثلاث سنوات. ويقول إنّ خدمة الـE- WALLET «ماشية» على سكة التلزيم، وقناعته بهذه الخطوة تستند إلى كتابين تلقّاهما من شركتي «ألفا» و»تاتش» تؤكدان فيهما أنهما غير قادرتين على تقديم هذه الخدمة مباشرة.
لا يسترسل القرم في الذرائع التي تقدّمها الشركتان حول أسباب «عجزهما» عن تقديم الخدمة مباشرة. ولكنه يشير إلى أن الأرباح التي تحقّقها الشركات التي تتعامل بالتحويلات المالية، كمثل شركة «سيول» التي وصلت إلى مرحلة توقيع العقد معها قبل تعطيله، هي من استثمارات تجريها لهذه الأموال. فهناك 20 بالمئة من أموال الناس توضع في مصرف لبنان، و80 بالمئة تستثمر في مجالات مختلفة سواء البورصة أو سواها، فمن سيتحمّل مسؤولية هذه الأموال بحال الفشل؟»، مضيفاً «أنا شخصياً لا أتحمّل هذه المسؤولية، ومن يريد لألفا وتاتش أن تؤدّيا الخدمة بأنفسهما، فليأت بنفسه ويتحمّل المسؤولية».
وكانت ذريعة القرم سابقاً لاستبعاد فكرة تقديم الخدمة عبر الشركتين مباشرة، أنّ مصرف لبنان لن يمنحهما رخصة بذلك. الأمر الذي نفاه الحاكم بالإنابة وسيم منصوري لاحقاً. غير أنه في حديثه لـ»نداء الوطن» إعتبر القرم «أن النقاش حول الرخصة لم يعد مجدياً، طالما أنّ الشركتين تقولان إنهما غير قادرتين على تأدية الخدمة. فأنا لا يمكنني أن ألزمهما بذلك»، مضيفاً أنه في الأساس «يحتاج تحضير البنية التشغيلية من أنظمة SOFTWARE وتجهيزها وتدريب موظفين من أصحاب الاختصاص، لفترة قد لا تقلّ عن سنتين أو ثلاث، وتكاليفها قد تصل إلى ملايين الدولارات، هذا بالإضافة إلى ما تطلبه من تحوّل إلى شركة مالية». ومن هنا يقول «فلينشئ مصرف لبنان هذه الشركة المالية، ولتحصل على الخدمة مباشرة مع «ألفا» و»تاتش» كما كانت ستفعل «سيول»، فهذا من اختصاصه وهو لديه الكادر المختص بإدارة المحافظ الاستثمارية. ولكن أبعدوها عن «ألفا» و»تاتش» فهما ليستا لهذه المهمة، وموظفونا ليسوا مختصين ولا يملكون الخبرة لذلك».
ولا يخفي القرم انزعاجه ممّن يصرّون على تأدية هذه الخدمة عبر الشركتين، سائلاً «هل لدى هؤلاء أدنى فكرة عن كلفة نظام البرمجة الذي ستحتاج إليه، وهل نحن قادرون على إعادة هذا الاستثمار في خدمة الشركتين التي لا تغطي سوى لبنان».
ولكن هل قامت الوزارة بوضع تقديرات لهذه الموضوع كاحتمال ممكن، يقول «ليتفضل من يعتقدون أن هذا يجب أن يحصل، وليعطونا التقديرات. بكل الأحوال لن أحمل مسؤوليته بنفسي»، مضيفاً «وحتى يصبح لدينا شركة مالية ونكون غيّرنا نظام الشركتين، وحصلنا على التراخيص، هذه فرصة لتوفير مداخيل نحتاجها، فلنملأ بها على الأقل الوقت الضائع. ومن بعدها لكل حادث حديث، قد يأتي وزير أكثر جرأة مني ويؤمن بشركات الدولة المالية أكثر مني وينفذ ذلك».
سجّل القرم في المقابل امتعاضه من «العصي» التي توضع في طريق مشاريعه، معتبراً أنّ المعرقلين يفوّتون على خزينة الدولة فرصاً لإدخال واردات جديدة. وهذا ما يظهر المواجهة بين مدرستين مختلفتين. إذ بمقابل إعادة القرم النقاش في كل مشروع إلى المداخيل الفورية التي وفّرها أو سيوفّرها أو كان يمكن أن يوفّرها، ثمة جبهة تتمثل بعدد من النواب والخبراء تعتبر أن كل عملية تلزيم لا تحافظ على القيمة الاقتصادية والسوقية للقطاع، هي ضرر مستدام وهدر لأصول القطاعات المنتجة.
بالنسبة لهذه الفئة هناك «ظرف» سيئ، يمكن بحسن الإدارة أن نحوّله «فرصة»، ويتمثل في تقديم شركات تحويل الأموال نفسها كبديل عن «النظام المصرفي» الفاقد للثقة. فالدولة عبر شركتي الاتصالات لديها مدخل لهذه الخدمة غير متاح لأي شركة تحويل للأموال، ومن شأنه وضع كل عمليات التحويل بإطار شرعي، ومنع التهرب من التصريح المالي، مع الحفاظ على الأرباح من العمولات، وحماية الداتا.
وتستغرب المصادر في المقابل الرفض المطلق حتى لمناقشة الأمر، وإنما الانكفاء عن تقديم الخدمة مباشرة، بذريعة أنّ الشركات لا تريد وغير قادرة، بينما الشركتان برأيها، خاضعتان لمسؤولية الوزارة التي سبق لها في تجربة مشابهة مع تنفيذ التزام الـA2P أن فرضت قرارها على «تاتش» مثلاً. هذا بالإضافة إلى كون الشركتين «محشوتين» بأعداد من الموظفين الذين يمكن تأهيلهم لتأدية هذه الخدمة، مع الإشارة إلى أن قطاع الاتصالات تحديداً متطوّر، وبالتالي فإنّ التدريبات المنتظمة لموظفيه تعتبر من أساسيات حسن الإدارة المطلوبة. وهذا ما يعيد النقاش وفقاً لمصدر خبير إلى العلاقة التعاقدية مع «تاتش» و»ألفا» ما يحقّ لهما فرضه، وكيف يحقّ للدولة بأن تلزمهما.
بالنسبة لهذه الفئة، «حتى لو كانت توصية هيئة الشراء العام غير ملزمة، فإن السير بعكسها يجرّد أي مشروع من ركيزة أساسية للدفاع عنه، سيحتاج اليها الوزير في أي معركة يبدي استعداداً لخوضها لإثبات وجهة نظره، ومن دونها تبقى حججه غير مقنعة. وبصرف النظر عن المساعي التي قد يبذلها للابتعاد عن التشنجات التي شابت علاقته السابقة مع الهيئات الرقابية، أو لجوئه إلى وساطات سياسية لترطيب الأجواء معها أو حتى الضغط عليها، فإن الجوهر هو في الحفاظ على أصول الدولة، واستثمارها بشكل مستدام يجعل منها سنداً أساسياً في إعادة الانتظام المالي، وخصوصاً في مثل الظرف الحالي للبنان، حيث الكثير من اللعاب يسيل على القطاعات المنتجة».