مشروع الهيكلة: الإنعاش جارٍ لإعادة إحيائه

منذ أن تسرّب مشروع قانون هيكلة القطاع المصرفي، بدأت الاعتراضات عليه تأخذ منحى حملة ممنهجة، حتى بدا واضحاً أن التسريب كان متعمّداً ويرمي إلى إطاحة المشروع قبل عرضه على مجلس الوزراء. والمؤشرات على ذلك كثيرة أهمها أن المشروع الذي جاء تحت عنوان “معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها” وُلد يتيم الأبوين بعدما تبرّأ منه واضعوه، أي #مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وذهبوا أبعد في رمي مسؤوليته على نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، باعتبار أنه هو من رفعه إلى مجلس الوزراء، وأنه أسهم، عندما عُرض عليه، في وضع لمسات أخيرة قبل إحالته، علماً بأن الشامي بواقع تكليفه بإدارة الملف الاقتصادي، هو المعني برفعه إلى مجلس الوزراء، من دون أن يعني ذلك أنه هو الذي وضعه، علماً بأن المشروع المعروض حالياً على طاولة مجلس الوزراء خضع لتعديلات أكثر من مرة بحيث لم يعد يمتّ إلى الصيغة الاولى بأي صلة.

المؤشر الثاني تمثل في إيقاع الانتقادات والاعتراضات، وقد شاركت فيها أكثر من جهة، وصولاً إلى تطيير جلسة الحكومة بفعل تحرك العسكريين المتقاعدين. والهدف من تطيير الجلسة لم يكن ملف المتقاعدين بل ملف الهيكلة عينه.

هذا لا يعني أن المشروع سقط نهائياً، بل ستكون له جولات جديدة ستبيّن في الواقع مدى صدق النيّات لدى قوى السلطة في السير بمقاربة جدية لملف الودائع، خصوصاً أن طرحه تزامن مع صدور قرار مجلس شورى الدولة القاضي بإبطال قرار الحكومة المتعلق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، فيما تتزامن الحملات عليه مع قرب صدور قرار تحديد سعر الصرف المتوقع الخميس.

وفي هذا الإطار يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات التي تبيّن أن لا نيّة جدية لدى السلطة لإقفال هذا الملف، أو بتحمل المسؤولية كاملة في وضع التشريعات التي تعيد الانتظام المالي والعمل المصرفي إلى طبيعته.

منذ أن بدأت الاجتماعات المشتركة بين الحكومة والمصرف المركزي، طرح الحاكم بالإنابة مقاربة جديدة تنطلق من قراره المدعوم من نواب الحاكم أيضاً بعدم تحمل أي مسؤولية في الأزمة القائمة. فالمركزي لا يريد أي التزامات بالليرة اللبنانية، معتمداً خيار السداد التدريجي للودائع بالدولار، ومن دون أي مساهمة من الدولة. فأُعيدت كتابة المشروع في المصرف المركزي برعاية نواب الحاكم ومدير الدائرة القانونية بيار كنعان بهذه الروحية.

ومع ارتفاع نبرة الانتقادات والاعتراضات، وهي في جزء كبير منها محقة، نظراً إلى الإجحاف والمخالفات التي اعترت المشروع، بدأت عملية التنصّل من مسؤوليته وتقاذف المسؤولية بين الحكومة والمركزي. وعزز هذا الانطباع عدم تبنّي رئيس حكومة تصريف الأعمال #نجيب ميقاتي له، إذ عندما سئل عن تقاذف المسؤوليات بين وزارة المال والمصرف المركزي، أكد أن لا علاقة للوزارة بالمشروع، مشيراً إلى أنه لا يصبح من مسؤولية الحكومة ويتخذ صفة مشروعها إلا عندما يقره مجلس الوزراء، ويبدي الوزراء ملاحظاتهم ليأخذ بها المجلس. ذلك أن الملاحظات التي بدأت ترد الى رئاسة الحكومة من شأنها أن تضفي عليه الكثير من التعديلات، وتغيّره بالكامل، بحسب رأي ميقاتي الذي يتريث في الدعوة إلى جلسة حكومية حتى اكتمال وصول ملاحظات الوزراء، مما سيؤدي إلى إعادة صياغة المشروع، كما أفاد مصدر وزاري مطلع.

أما اتهام الشامي بالتنصّل من مسؤوليته فيرد المصدر بالقول إن الرجل كان واضحاً عندما أعلن أن المشروع هو نتيجة جهد مشترك، مشيراً إلى أن الجهة التي أعدّته هي التي تتنصّل منه، علماً بأنها المعنيّة الاولى بهذا الموضوع. فالشامي كان قد أبدى ملاحظات أُخذ ببعضها ولم يؤخذ بالبعض الآخر، علماً بأنه كان أشاد ببعض الأفكار التي أدخلت عليه ودافع عنه في وقت سابق.

المفارقة، كما قال ميقاتي في وقت سابق، أن الاعتراضات دائمة ولكن لا بدائل، وإن كان لدى أي جهة أفكار أفضل فليتقدم بها.

هو إذن سوق عكاظ من المزايدات وتقاذف المسؤوليات قبل رفع سعر الصرف، يشير إلى أن المناورات المالية وصلت إلى نهايتها وساعة الحقيقة في شأن ردّ الودائع قد دقت لتظهر حجم التضليل والوعود، فيما الدولة عاجزة عن بتّ ملفّ القطاع العام.

المصدر يدعو إلى البحث عن الاتصال السياسي الذي عطل مسار المشروع، لتبيان ما سيكون مصيره في الأيام القليلة المقبلة!

Leave A Reply

Your email address will not be published.