هجرة الكفاءات أخطر التحدّيات التي تواجه لبنان
مع توالي أخبار تميّز الكثير من اللبنانيين في بلاد الاغتراب، آخرها تعيين القاضي نواف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية، تنتاب اللبنانيين مشاعر متناقضة من الفرح والحزن الفرح قدرة تميّز اللبنانيين في البيئة المناسبة، والحزن ان أمثال القاضي سلام لا مكان لهم في إدارة الشأن العام اللبناني، لأن القيادة بإرادة شعبية حكر على الأغبياء الخبثاء.
يعاني لبنان أخطر أزمة وجودية في تاريخه المعاصر بسبب هجرة معظم الكفاءات التي تبدأ بالسياسية منها، فيما يبدو تفريغ مقصود بالتوازي مع حدود برية وبحرية وجوية مشرّعة لدخول أعداد مهولة مماثلة تتصف أيضاً بكفاءات متواضعة وإن بدت بالمعلن عنها تتصف بديموغرافيا مذهبية معينة تحت عنوان النازحين، يقابلها دخول كثيف مماثل لديموغرافيا مضادة غير معلنة، ليصبح السؤال عن غرض الاستخدام بعد الدمج القسري بين المتعارضين الذين تجرّدوا من كل المواهب وتمرّسوا في البناء العنيف على تعارضات داحس والغبراء، وقد تم تسخينهم حد التدخين، في ظل تعقيدات عودة النازحين المفتعلة الى ديارهم، وإقتصار طلب العدو الإسرائيلي على إبعاد سلاح حزب الله عن حدود فلسطين المحتلة وليس نزعه، وهل ان التخطيط يتم لحرب الأخوة الأعداء والفقراء والمهمّشين حيث يبدو من الصعب بل المستحيل الضغط على الفريسة المهملة المستعدة للمغامرة في أية لحظة، يبدو ذلك ممكناً، لقد تم تحقيق نجاحات في موضوع الابراهيمية الجديدة والتطبيع في المنطقة، وفق تحويل الأخ والصديق الى عدو والعكس صحيح، وهي لا تزال صامدة رغم ملحمة غزة التي تبدّت فيها سادية المشروع الاستعماري بشكل فاضح، بحيث يمكن تمرير الكذبة مرة ثانية في لبنان وغيره، طالما الأحبار قادرين على ضمان شهوات السلطة للمريدين في المنطقتين العربية والإسلامية لأزلامهم.
على أهمية ذلك فأحلام معظم اللبنانيين في أعلى سقوفها، باتت تأمين الحد الأدنى من أساسيات الحياة، كالعمل والتعليم والطبابة والطرق والكهرباء والماء… يبدو ان معظم اللبنانيين باتوا مكشوفين بكفاف يومياتهم.
يعلم الموظف اللبناني الذي يغبطه صاحب البطالة ان قدرة صمود الراتب الشهري لا تتعدّى الأسبوع، وانه يضحك على أولاده انه قد تم تسجيلهم في المدرسة وكذا على مريضه الذي يوقن انه لن يخرج حيّاً أو معافى، فلم تعد الطبابة رسالة وكذا التعليم، السوق السوداء تحكم كل حياة اللبنانيين، أكثرها بشاعة ارتهان الإعلام للحاجة التي صنعها كتمساح بنفسه وتفريغ الطحالب بأرحام تدفع وأرض تبلع، بحيث يستطيع أي متموّل غبي شراء المزيد من الأقلام الصفراء، لدرجة ان «زميل في المهنة» ولأجل التمتع بوهم الشهرة والمال وسلطة الحاشية، نصحني بالانتقال للصحافة «الفنية» وهو الاسم الدبلوماسي للصحافة الحمراء.
مع استمرار تصفية البضاعة الوطنية، يقال الفساد في لبنان منظومة متعاضدة من أغبياء السياسة والدين والتربية والتعليم والأمن والقضاء والإعلام… وعامة الشعب.