شركات النفط تتجنّب لبنان… بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي إضافة إلى الفشل الوزاري والمؤسساتي
على عكس أحلام وطموحات السلطة السياسية، إنتهى مرحلياً موضوع تلزيم البلوكيْن 8 و10. فبعد أنْ مدّدت وزارة الطاقة اللبنانية لتحالف «توتال إنرجي» الفرنسية و»إيني» الإيطالية و»قطر للطاقة» لوضع التعديلات على إتفاق التلزيم إلى بداية شباط، وبعد إنقضاء المدة المحددة من قبل مجلس الوزراء، جاء رد «توتال» الرافض للتعديلات والخروج من الإتفاقية، ما خيب آمال السياسيين، وبالتالي عدنا في ملف النفط إلى نقطة الصفر تقريباً.
الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر
الدولة لم تنطلق من موقع قوة
تُفنّد الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر الموضوع، قائلة: «لنبدأ أولاً بالإضاءة والإتفاق على أن الوضعين الأمني والسياسي في المنطقة وليس فقط في لبنان غير منتظمين. كما أن الدولة اللبنانية، منذ بدأت البحث في موضوع النفط والغاز، لم تنطلق من موقع قوة. فقامت بتلزيم إئتلاف «توتال» و»إيني» و»نوفاتيك» وفي ما بعد «قطر للطاقة»، ولم يتقدم أحد سواها، وهذه تطرح علامة إستفهام. وتم الحصول على عقد الاستكشاف والاستخراج في البلوكين رقم 9 ورقم 4 بداية».
وتضيف أبي حيدر: «لم يكن من أولويات الدولة اللبنانية حينها الإطلاع على شروط المفاوضات مع الشركات، بل كان همّها فقط تلميع صورتها أمام الشعب وإقناعه بأن لبنان بلد نفطي. لذا كانت الشروط من الجانب اللبناني ضعيفة ومجحفة منذ بدايتها مع الشركات»، مشيرة إلى أن «توتال» منذ أن «بدأت عملية التنقيب والوقت الذي استغرقته للبدء بالحفر في البلوك رقم 4، ونحن لا نعلم حتى اليوم ما إذا كانت أصدرت التقارير الرسمية حوله. وحتى اليوم لم يصدر التقرير الرسمي المتعلق أيضاً بالبلوك رقم 9، كما أنها غادرت البلوك رقم 4 ولم تبحث في بئر أخرى، ولا نعلم ما إذا كانت تنوي إنشاء بئر أخرى في البلوك رقم 9 أم لا».
وتؤكد أبي حيدر أن «هذه الصورة تُظهِر باختصار أن الدولة اللبنانية لم يكن همّها العمل والتنسيق مع الشركات بقدر ما كان يشغل بالها تلميع صورتها في ظل الانهيار الاقتصادي وإقناع الشعب بأننا بلد نفطي، في حين أننا عكس ذلك، ولا يمكننا تسمية بلدنا بلداً نفطياً إلا بعد القيام بإستكشاف تجاري وهذا العمل نحن بعيدون عنه».
الأمن أساسيّ
وتتابع: «تقدّمت «توتال» بعرض على البلوك رقم 8 ورقم 10، وهنا يجب السؤال «رغم أن الدولة اللبنانية فتحت دورة تراخيص ثالثة، لماذا لم يتقدم أحد حتى الساعة؟ لماذا لم تراعِ الدولة هذه المسألة لمعرفة سبب عدم تقدّم أي طرف؟ وعندما أعطوا مهلة في مجلس الوزراء من أجل ألا تكون الشروط مجحفة كما كانت في السابق، وذلك على خلفية ما سمعناه في الأوساط الإعلامية بأن الائتلاف سيكون الطرف الأقوى، فعاد الى مجلس الوزراء من أجل تحسين شروط العقد. لكن ما تبلور هو عدم قدرتهم على تحسين الشروط حيث أن «توتال» على الأرجح لم تقبل نظراً للوضع الأمني والإقتصادي، ما يسمح لها بإعتقادها بفرض شروطها وإلا فلن تكون معنية»، لافتة إلى أن «الوضع الأمني اليوم أساسي بالنسبة للشركات التي تتكفل بالتنقيب وتدفع ملايين الدولارات. وهمها الأول وجود إستقرار أمني وسياسي، لكن في لبنان ليس هناك إستقرار أمني ولا سياسي حتى. فنحن في حالة حرب ولا نعلم كيف ستتطوّر الأمور وعلينا ألا ننسى الإضاءة على نقطة بالغة الاهمية، وهي أن شركتي «توتال» و»إيني» الموجودتين في قبرص تقومان بالتنقيب. وهذا يطرح السؤال «لماذا تقومان بالتنقيب في قبرص وليس في لبنان. في قبرص المشغل هو «إيني» وليس «توتال»، أي عكس لبنان، وهذا ما يعطي دلالات أكثر بأن لبنان اليوم بلد غير مستقر، ولذلك الشركات غير مهتمة».
وتستطرد: «ما زال في حوزة «الكونسورتيوم» اليوم البلوك رقم 9، فيما البلوك رقم 4 سقط بسقوط الفترة الزمنية المسموحة للبدء بإستكشاف الآبار داخل البلوك. ففي البلوك رقم 4 حفروا بئراً واحدة وتبيّن بأن لا إستكشاف تجارياً، وسقطت المهلة واستردته الدولة اللبنانية. أما في البلوك رقم 9، فقد تبين خلال الاستكشاف أيضاً أنه ليس تجارياً ولغاية الساعة لم يصدر التقرير الرسمي».
وتختم أبي حيدر: «جميع هذه العوامل تدل على أن لبنان ليس بلداً جاذباً. ولنضع نظرية المؤامرة جانباً دون إستبعادها أو تأكيدها، ولنتكلم علماً وقانوناً. فأغلبية الأسباب التي ذكرناها لا تدفعها أو تشجعها على التنقيب ولذلك تغادر. في الخلاصة، السلطة اللبنانية ومنذ بدء الحديث عن موضوع التنقيب أوهمت اللبنانيين بأن لبنان بلد نفطي من أجل تغطية فشلها الإقتصادي والسياسي».
المستشارة القانونية في الشؤون البترولية د. خديجة حكيم
أسباب الفشل غير مُقنعة
ومن جهتها، تؤكد المستشارة القانونية في الشؤون البترولية د. خديجة حكيم إلى أنه «لتاريخه لم يتم الإعلان الرسمي عن نتائج تقويم طلبي المزايدة على الرقعتين 8 و10 في المياه البحرية اللبنانية»، مشيرةً خلال حديث مع «نداء الوطن» إلى أنّ «ما أستطيع تأكيده في هذا الإطار هو إنتهاء كل المهل المتعلقة بتقويم طلبيْ منح إتفاقيات الإستكشاف والإنتاج على الرقعتين 8 و10 من المياه البحرية اللبنانية والمهل الممددة لها والتي إنتهت في 5-1-2024 ولتاريخه، لم تعلن بشكل رسمي نتائج تقويم طلبي جولة التراخيص الثانية على موقع هيئة إدارة قطاع البترول».
وتتابع حكيم خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»: «إضافة لذلك فان المهلة القانونية لتوقيع إتفاقية الاستكشاف والانتاج على الرقعتين 8 و10 أيضاً قد انقضت بمضي 4 أشهر من تاريخ تقديم الطلبات والتي كانت في تاريخ 2 تشرين الاول 2023، وهو الأمر الذي يفهم منه ضمناً عدم تلزيم إتفاقية الإستكشاف والإنتاج على الرقعتين 8 و10 للتحالف الفائز بالرقعة رقم 9 و4 بقيادة المشغل شركة «توتال إنرجيز».
وتعتبر أنّ «ما يتم تداوله حول الأسباب التي أدت الى فشل التفاوض مع التحالف غير مقنعة. فالحديث عن طلب التحالف تمديد المهلة التي يمكن من خلالها أنْ يقرر حفر بئر إستكشافية أولى أم لا من سنة إلى سنتين، أمر كان من المتوقع حصوله، وبخاصة أن دفتر الشروط الخاص بجولة التراخيص الثانية قد أجاز لوزير الطاقة والمياه تمديد هذه المهلة اي من سنة الى سنتين. وبالتالي هو إحتمال وارد طلبه من قبل التحالف. وعلى العكس، لو كانت هناك رغبة جدية من قبل التحالف بالدخول في مفاوضات جدية حول الرقعة 8 و10 فنتائج حفر البئر التقييمية «كرونوس-2» في الرقعة رقم 6 من المياه البحرية القبرصية التي تقع في الجهة المقابلة للرقعة رقم 8 من المياه البحرية اللبنانية، جاءت مشجعة لكل من «توتال» وإيني» واللتين هما صاحبتا الحقوق البترولية في المياه البحرية القبرصية».
وتضيف: «وبالتالي فهذا يعني أن هناك تصاعداً في الإحتمالات بإمكانية إستكشاف كميات تجارية في الرقعة رقم 8، لكننا نرى أن فشل التفاوض مع التحالف لا يخرج عن خشية هذا الأخير من المغامرة في ظل الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان والمفتوحة على كافة الإحتمالات، فقرّر الإنسحاب والتريث ريثما يتم التوصّل الى تسوية إقليمية شاملة في الملف اللبناني، والذي من المؤكد أن ملف البترول يعتبر جزءاً منها».
في المحصلة، ترى حكيم أننّا «عدنا من جديد لحصد نتائج مخيبة للآمال في هذا القطاع»، هذا وتتوقع حكيم في ختام حديثها أنْ «تحصد جولة التراخيص الثالثة في المياه البحرية اللبنانية، التي تم إطلاقها في هذه الظروف غير المؤاتية لجذب إستثمارات عالمية للإستكشاف والتنقيب، نفس نتائج جولة التراخيص الثانية من تأجيل وتمديد، فالمعضلة الحقيقية في هذا الملف كغيره من الملفات الحيوية في البلد هو عدم وجود دولة، فالفشل المستشري في كل قطاعات هذه الدولة قادر على القضاء على أي آمال قد تعقد على ملف البترول».