بين نزيف المهاجرين وضغوط المهجَّرين..!!

 

يكاد لبنان يتحول من وطن للطاقات الشابة، إلى بلد مصدر للمهاجرين من الأجيال الشبابية، وأصحاب الكفاءات العلمية والمهنية. وفي الوقت نفسه إلى أرض لإستقبال المهجّرين، بعدما بلغ عدد النازحين السوريين حوالي المليوني نسمة منذ إندلاع الحرب في سوريا، فضلاً عن عشرات الألوف من اللبنانيين، الذين يضطرون لترك منازلهم، ومناطق سكنهم لظروف إقتصادية أو أمنية، كما حصل في الأشهر الأخيرة لأهلنا في القرى الأمامية على الحدود الجنوبية، بسبب القصف الإسرائيلي المدمر للبشر والحجر والزرع.

نزيف الطاقات البشرية الفاعلة، خاصة على مستوى خريجي الجامعات، يتزايد شهراً بعد شهر، ويتفاقم سنة بعد سنة، وأهل القرار في الدولة غارقون في صفقاتهم، ويتلهون في خلافاتهم العقيمة، دون أي إهتمام بالمضاعفات السلبية المدمرة لهذه المشكلة، سواء على المستوى الإنتاجي، أو بالنسبة للأوضاع الإجتماعية المتردية أصلاً.

جماعة المُستخفّين بجدّية الأزمات التي تُمسك بخناق البلد، يعتبرون أن هجرة الشباب تدعم الوضع الاقتصادي المنهار، من خلال تحويلات العملات الأجنبية، دون النظر إلى أهمية دور الأجيال الصاعدة في تدعيم مسار الوطن على دروب التقدم والتطور، ورفد الإدارات العامة والمؤسسات بدماء جديدة، تسعى بطموحاتها إلى تحقيق الإنجازات، بعيداً عن أساليب الروتين وإصابات الترهل، التي تضرب قدامى الموظفين.

ونجاح اللبنانيين بتبوأ أعلى المراكز في الخارج، وتفوقهم في المسؤوليات القيادية بأهم المؤسسات العالمية، يجب أن يشكل حافزاً للمؤسسات الرسمية والوطنية للحفاظ على هذه الطاقات، بتوفير الإمكانيات المالية والأجواء المهنية اللازمة، بعيداً عن التدخلات السياسية، وأساليب فرض الأزلام والمحاسيب في الإدارات والمؤسسات، وتضخيم البطالة المقنعة في الدولة، بسبب تدني إنتاجية الموظفين غيرالكفوئين، وفي بعض الحالات إنعدامها كلياً، بسبب عدم الحضور إلى العمل، والإكتفاء بقبض الرواتب مطلع كل شهر!

ولعل الفشل في إدارة ملف النزوح السوري عبر الحكومات المتعاقبة، وحتى اليوم، يعود سببه إلى تلك الخلافات الفئوية والمزايدات الشعبية الفارغة، على حساب مصلحة البلد أولاً وأخيراً.

التركيز الرسمي على الحصول على المساعدات المالية من الدول المانحة، وحده لا يكفي، للتخفيف من الانعكاسات السلبية للنزوح السوري، الذي أصبح تعداده يشكل ثلث التعداد السكاني اللبناني على الأقل. ولعل الأهم في هذا المجال فتح قنوات الحوار الجدّي والواقعي مع سلطات دمشق لتنظيم عودة مواطنيها إلى مساكنهم وبلداتهم، وفق المعايير الإنسانية والضمانات الأمنية، وذلك بمساعدة المنظمات الدولية والدول المانحة، التي يجب أن توجه مساعداتها للعائدين مباشرة، وللسلطات الرسمية التي ترعى وتُشجع العودة الطبيعية، وفق برنامج زمني محدد.

وبإنتظار الوصول إلى ساعة الحقيقة..،

تُرى من يُنقذ وطن الأرز من نزيف المهاجرين.. وضغوط المهجّرين؟

Leave A Reply

Your email address will not be published.