العِلم والألعاب… لطرد الكوابيس من عقول الأطفال النازحين
تلاحق الكوابيس المخيفة الأطفال النازحين عن القرى والبلدات الحدودية جرّاء التصعيد العسكري الإسرائيلي على الجنوب، ربطاً بالعدوان على غزة منذ أكثر من 130 يوماً، فيما تتواصل المبادرات الفردية والخاصة لاحتواء آثارها النفسية والجسدية عليهم في ظل تفاقم معاناة نزوحهم.
نور حمدان، طفلة نزحت مع عائلتها من بلدة عيتا الشعب الحدودية، هي واحدة من الأطفال الذين تأثروا بتداعيات الحرب في الجنوب، لا يمكن أن تنسى ما جرى معها أثناء رحلة نزوحها، وتقول والدتها «إن قرار النزوح وترك المنزل والبلدة جاء على خلفية الخوف الذي عاشه الأولاد جرّاء القصف الإسرائيلي العشوائي على البلدة، باتوا لا يستطيعون التحكّم في مشاعرهم، ولا يعرفون كيفية التعامل معها، هم فعلاً ضحايا».
لم تستسلم «أم نور»، لقد واجهت خوف ابنتها بطريقة مختلفة، وتقول «لدي ثلاثة أطفال، ورغم الأزمة المعيشية الخانقة والضائقة الاقتصادية، حرصت على شراء الألعاب لهم كوسيلة لتخفيف الألم الناجم عن النزوح، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم، على أمل أن ينسوا ما حصل معهم».
خطوة «أم نور» تلاقت مع مبادرة «المدرسة الإعدادية النموذجية المجانية» المعروفة بـ»إسماعيل واكد إسماعيل»، وقد أطلقتها عائلة إسماعيل في بلدة أنصار في قضاء النبطية، وتقول الناظرة مي إسماعيل: «إنّ المبادرة تقوم على شقّين معاً، الأول: استقبال الطلاب النازحين ودمجهم في برنامج التعليم بالمدرسة وتأمين الكتب والقرطاسية لمنع ضياع العام الدراسي. أما الشقّ الثاني فيقوم على محاولة احتواء وتخفيف أثر العدوان والنزوح عليهم، من خلال تقديم الألعاب لهم في المدرسة، وتوظيفها كوسيلة لتخفيف الألم والقلق لديهم، إذ تعمل هذه الألعاب على توجيه الطاقة السلبية نحو نشاط إيجابي، وتعزّز صحتهم النفسية».
من السابق لأوانه معرفة مدى التأثير السلبي للحرب على الأطفال، ولكن في المدى القريب ينصبّ الجهد على تأمين الظروف المناسبة لهم، ويؤكد مدير المدرسة واكد إسماعيل «أنّ أهمية المبادرة تكمن أيضاً في احتضان الطلاب مجّاناً خاصة بعد قرار وزير التربية القاضي عباس الحلبي باستقبال المدارس الرسمية للنازحين، من دون أن تشمل المدارس الخاصة». ويضيف «بدأنا بعدد قليل، لكنه ازداد يوماً بعد يوم ووصلنا إلى 70 طالباً، قدّمنا لهم الدعم التعليمي والنفسي ونتابع كل التفاصيل الدراسية والنفسية والجسدية مع أولياء الأمور لتحقيق هدفنا»، شاكراً أهالي بلدة أنصار والبلدية، و»كل من أسهم في نجاح المبادرة وساعد في تحقيقها».
داخل المدرسة، ينتظم الطلاب في صفوفهم، يتبادلون أطراف الحديث بعدما جمعتهم صداقة سريعة ووحّدهم النزوح والرغبة في العودة إلى بلداتهم ومنازلهم ومدارسهم سريعاً، ويقول علي أبو ساري، وهو ربّ عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص بينهم ثلاثة أطفال، «ولدي الأصغر يشعر بالخوف كلّما سمع صوت هدير الطائرات الحربية وصدى القذائف والصواريخ». ويضيف بحرقة «لم أعد أحتمل سؤاله المكرّر هل سنموت؟ متسائلاً «ما ذنبه أن يعيش بخوف وقلق». واستحضر صور الضحايا الأطفال في قطاع غزة التي آلمته، فدفعه ذلك لاتخاذ «قرار النزوح لحماية أسرته من الخطر، بحثاً عن الطمأنينة والأمان».
ومنذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023، تبدّلت حياة الجنوبيين رأساً على عقب، أثّر التصعيد الإسرائيلي على القرى والبلدات واستهدافها بالغارات والصواريخ والقذائف ومنها الفوسفورية، وقد أجبرت سكانها على النزوح نحو مناطق أكثر أمناً في الجنوب وصيدا وبيروت، ووفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، فقد تجاوز عدد القرى المستهدفة 90 قرية وسقط أكثر من 220 عنصراً من «حزب الله» والمدنيين. بينما أشارت الأرقام التي نشرتها منظمة الهجرة الدولية ووزارة الصحة اللبنانية في الأول من شباط الحالي إلى تجاوز عدد النازحين من الجنوب الـ 83 ألفا، فيما بلغ عدد الإصابات 686 إصابة، ووصلت حالات الوفيات إلى 151 حالة.