الموفدون الدوليون يستخدمون الترهيب والترغيب لفصل المسار اللبناني عن حرب غزة
ما إن يغادر موفد دولي لبنان، حتى يحط في مطار بيروت موفد آخر، وكان آخر هؤلاء وزير الخارجية البريطاني، ثم وزير الخارجية الفرنسي، وكان القاسم المشترك لدى كل الذين زاروا لبنان على مدى أربعة أشهر هو توجيه رسالة تتضمن دعوة للقيام بما من شأنه عدم توسعة الحرب، والتحذير من مغبة أن يتجاوز الحريق المندلع في الجنوب الى العمق اللبناني، لأن حصول ذلك سيؤدي الى دخول المنطقة في آتون حرب مدمرة لن تكون لصالح أحد.
هذه الزحمة في حركة الموفدين تظهر مدى المخاوف من إمكانية انفلات الأمور من عقالها، في ظل التهديدات اليومية للحكومة الإسرائيلية للبنان في حال لم يتم التوصل الى حل دبلوماسي يطمئن سكان المستوطنات ويجعلهم يعودون الى منازلهم وممتلكاتهم التي غادروها في اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى» ودخول جبهة الجنوب قلب المعركة تحت عنوان قوة الإسناد لجبهة غزة.
ويبدو من خلال الحركة المكوكية التي يقوم بها الموفدون بين لبنان وإسرائيل طيلة هذه المدة والتي لم تحقق هدفها الى الآن، أن الوضع شديد التعقيد، وأنه لا يمكن فصل ما يجري في الجنوب عن واقع الحال في غزة، بمعنى أن وقف الحرب على غزة من شأنه أن يشرع الأبواب أمام معالجة الوضع في الجنوب، وهذا الموقف أبلغه لبنان الرسمي صراحة الى كل الموفدين الذين زاروا لبنان، كما أن موقف القيادة في «حزب الله» ليس بعيداً عن موقف رئيسي مجلس النواب نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، بحيث انه يتماهى معهما بالكامل، وهو ما يعزز الموقف اللبناني ويقويه في مواجهة الضغوط الدبلوماسية والميدانية.
ووفق المعطيات المتوافرة أن أفق الجهود الدولية في اتجاه جبهة الجنوب لإطفاء نارها ومنع تمدد فتيلها الى الداخل بما يتيح للسكان على جانبي الحدود العودة الى منازلهم ما زال مسدوداً، وأن الرهان الآن على الزيارة التي يقوم بها ، الموفد الرئاسي الأميركي اموس هوكشتاين الى تل أبيب، حيث بحث مطوّلا في مسألة الوضع العسكري على الحدود وهو كما وزير الخارجية الأميركية نقل الى إسرائيل تحذيرا شديد اللهجة، من البيت الأبيض، من مغبة الذهاب أبعد في العمليات العسكرية في لبنان، ونصح الحكومة الإسرائيلية بعدم توسيع الصراع العسكري، أياً تكن الظروف، طالبا منها إعطاء الخيار الدبلوماسي وقتا إضافيا، ليحلّ مسألة انتشار «حزب الله» جنوبي الليطاني. وفي حال لمس الدبلوماسي الأميركي تجاوبا في تل أبيب، من غير المستبعد أن يتوجه الى بيروت لمواصلة مساعيه للتهدئة، وإن كان الجواب اللبناني على ما سيحمله واضحاً وهو أن قرار الحرب بيد إسرائيل وأن لبنان ماضٍ في الإلتزام بتنفيذ القرار 1701، وأنه بمجرد وقف الحرب على غزة يصبح كل شيء قابل للأخذ والرد، وهذا الموقف تبلّغه وزير خارجية بريطانيا من الرئيسين بري وميقاتي الأسبوع الماضي الذي شدّد بدوره على أولوية وقف اطلاق النار في غزة تمهيدا للانتقال الى المراحل التالية للحل.
وبات واضحاً أن الطريق الدولية المزدحمة تجاه لبنان، هي ليس حباً بنأي لبنان عن أي حرب واسعة، بقدر ما أن هذا التحرك ناجم عن خوف على مصالح هذه الدول في حال توسّعت هذه الحرب، وفي الوقت ذاته محاولة للحصول على ضمانات بعودة المستوطنين الى منازلهم، دون النظر الى الأسباب الحقيقية التي كانت سبباً في مغادرتهم إياها.
من هنا فإن صورة المشهد واضحة تماماً، الموفدون الدوليون يريدون فصل المسار في الجنوب عما يجري في غزة، ساعة بالترغيب وأخرى بالترهيب، متسلحين بالقرار الدولي 1701 وضرورة احترام تنفيذ مندرجاته، من دون الالتفات الى ان خرق هذا القرار يأتي دائما من جانب إسرائيل، وفي المقابل فإن لبنان ليس في وارد التراجع عن موقفه الموحّد الذي كرّره أمام كل الموفدين والقائم على أن وقف الحرب في غزة يفتح الطريق أمام أي نقاش بأمور أخرى، وان العدوان على الجنوب هو المسبب لمغادرة المستوطنين، وكذلك سكان عشرات القرى الجنوبية منازلهم، وفي حال توقف هذا العدوان يعود كل شيء الى ما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول الفائت، وبمعنى أدق إن حل المشكلة الحالية هو في يد إسرائيل التي يجب أن تلزم بتنفيذ القرار 1701 بالكامل، وفي المقابل فإن الموقف اللبناني بات واضحا للجميع وهو انه لن يقبل إلّا بحل كامل لكل قضايا الحدود مع إسرائيل، وأنصاف الحلول لا تنفع ولن يقبل بها.