وقف تمويل “الأونروا” يعاقب 200 ألف فلسطيني في لبنان
منذ سنوات تعاني وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” من شح في التمويل انعكس سلباً على خدماتها في الأقاليم الخمسة التي تستفيد من التقديمات الصحية والتعليمية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن وغزة والضفة الغربية بما فيها القدس.
فالوكالة وقعت في عجز العام الفائت وصل الى 190 مليون دولار، وتأثرت البرامج التي تقدمها بذلك بما فيها رواتب الموظفين لديها.
والوكالة كانت بحاجة الى 60 مليون دولار لتغطية الاحتياجات المالية الأساسية لشهري أيلول وتشرين الأول الفائتين، ومثل ذلك تحدّياً أمامها وخصوصاً في لبنان قبل العدوان على غزة وزيادة الأعباء عليها نظراً لحاجة الفلسطينيين لتلك المساعدات في ظل العدوان واستمرار الحصار على غزة.
200 ألف مستفيد من خدمات الوكالة في لبنان
لم يكن مفاجئاً بحسب متابعي ملف “الأونروا” أن تعمد دول عدة الى وقف تمويل الوكالة التي أنشئت لغوث اللاجئين الفلسطينيين بعد تهجيرهم، ويضع هؤلاء تلك الخطوة في إطار التناغم مع ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية منذ أكثر من 110 أيام. أما في لبنان فالوكالة تقدّم الخدمات الاستشفائية والصحية والتربوية لنحو 200 ألف لاجئ ونازح فلسطيني (النازحون الفلسطينيون من سوريا من ضمن المستفيدين من التقديمات)، وتلك الخدمات تقدمها 27 عيادة تشمل الطبابة والاستشفاء في المستشفيات التابعة للوكالة الدولية فضلاً عن عدد من المستشفيات الخاصة التي تعاقدت معها وتشمل الاستشفاء للدرجتين الثانية والثالثة. أما عدد الطلاب الذين يستفيدون من التقديمات فيصل الى 38 ألفاً.
ويقدم برنامج “الأمان الاجتماعي ” الخدمات لنحو 61 ألف فلسطيني وتشمل مساعدات نقدية بشكل دوري وهم من الفئات الأكثر فقراً سواء من اللاجئين في المخيّمات أو من النازحين من سوريا.
في الإجمال يصل عدد المستفيدين من خدمات “الأونروا” الى أكثر من 65 في المئة من الفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية.
الى ذلك تهتم الوكالة الدولية بالبنى التحتية في 12 مخيّماً للاجئين في لبنان سواء لجهة تأهيل الطرقات داخلها أو بجمع النفايات وضخ المياه في الشبكات وغيرها من الخدمات.
ويصف مسؤول لجنة شؤون وملف اللاجئين والأونروا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان أبو عماد قرار وقف التمويل بـ”الابتزاز العنصري والسياسي الرخيص من الدول التي أعلنت توقيف مساعداتها وتبرعاتها للوكالة، وهذا القرار بدأ منذ عام 2015 مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أوقف المساعدات حينها وكانت تُقدّر بـ365 مليون دولار، ثم أبرم الرئيس حو بايدن اتفاقاً مع الوكالة أقل ما يقال عنه أنه مشبوه. ويأتي القرار بعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية في فلسطين”.
ويرى أن معاقبة الموظفين الذين اتُّهموا بالمشاركة في “طوفان الاقصى” لا تكون بهذه الطريقة بل بعد تحقيق شفاف، وأن هؤلاء أسهموا بتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما بعد فقدانهم عدداً من ذويهم خلال العدوان على غزة.
ويسأل أبو عماد “من سيعوّض الخدمات التي تقدمها الوكالة؟ وإذا أخذنا مثلاً عن المرضى الذين يقصدون عيادات الأونروا وعددهم لا يقل عن 150 يومياً إضافة الى 36 مدرسة فيها أكثر من 30 ألف تلميذ وهناك أكثر من 27 مركزاً صحياً عدا عن الإغاثة للفقراء وغيرها، وفي حال عدم استطاعة الوكالة القيام بذلك فهل تستطيع الدولة اللبنانية القيام بذلك في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانيها لبنان؟ والأمر ينسحب على دول أخرى تستضيف اللاجئين مثل سوريا والأردن (…)”.
وفي حال وقف التمويل أو على الاقل تراجعه فإن الوكالة لن تستطيع الاستمرار في تقديم تلك الخدمات الأساسية، وهذا سينعكس حكماً على حسن سير برامجها وعلى المساعدات الإنسانية الطارئة.
الجهاد: الهدف محاصرة الشعب لفلسطيني
لا شك في أن قرار الولايات المتحدة ومعها إيطاليا وكندا وغيرها ( فرنسا لم تتخذ بعد موقفاً نهائياً)، وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين يمثل كارثة حقيقية وخصوصاً في هذه المرحلة، عدا أن لبنان الذي يعاني من أزمة نقدية واقتصادية عميقة سيتأثر بالضغط الاجتماعي الذي سينجم عن تراجع خدمات “الأونروا”، علماً بأن معضلة دفع ثمن استهلاك الكهرباء في المخيمات لم تجد طريقها إلى الحل بعد.
وفي السياق يوضح مسؤول ملف “الأونروا” في حركة “الجهاد الإسلامي” جهاد محمد لـ”النهار” أن “وقف التمويل الخاص بوكالة الأونروا الذي جاء بعد إعلان قرارات المحكمة الدولية العليا بالدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا، يأتي في سياق محاصرة الشعب الفلسطيني من خلال هذه المؤسسة الدولية عبر اتهامات صدرت من العدو الإسرائيلي بحق بعض موظفي الوكالة في غزة الأمر الذي أدّى الى اتخاذ مثل هذا القرار، من دون التحقق من هذه المعطيات في ظل انتهاك العدو الصهيوني لكافة المواثيق الدولية عبر المجازر التي تستهدف المدنيين والآمنين العزل”.
من جهة ثانية يتمسّك الفلسطينيون بالوكالة الأممية لما تمثله من بعد سياسي دولي كشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني وكضمانة لتنفيذ قرار حق العودة رقم 194 الذي إذا ما طُبّق ينتفي عمل الوكالة.
وضع محمد ما يجري راهناً وما سبقه في سياق إنهاء تفويض الوكالة بهدف شطب قرار حق العودة وبالتالي ضمنياً يعني الضغط على الدول المستضيفة للاجئين لتوطينهم داخل أراضيهم وهو الأمر الذي يؤكد رفضه كل مكونات الشعب الفلسطيني التي تستهدف حقهم المقدس في أراضيهم ووطنهم فلسطين.
وتشير بعض الإحصاءات الخاصة بالوكالة بحسب المسؤول في حركة “الجهاد الإسلامي” الى أن 93 في المئة من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر.
ويطالب الدولة اللبنانية بـ”الضغط على المجتمع الدولي للإيفاء بالتزاماته تجاه الأونروا والمطالبة بإقرار ميزانية خاصة للوكالة حتى لا تبقى عرضة للابتزاز السياسي من قبل الدول الممولة وعلى رأسها الإدارة الأميركية، لأن أي انعكاس على خدمات الأونروا سوف يضغط باتجاه الدولة اللبنانية، كما نطالبها بضرورة إقرار الحقوق الاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لتثبيث صمودهم ولإفشال كل مشاريع التوطين أو التهجير أو الوطن البديل، ولدعم حقهم في العودة الى ديارهم وأرضهم التي هجروا منها قسراً”.
في المحصلة سيتحمل لبنان بشكل مباشر أو غير مباشر تبعات وقف تمويل “الأونروا”، ما قد يهدّد الأمن الاجتماعي لا فقط في المخيمات بل في أكثر من منطقة مجاورة لها.
وصدرت جملة تعليقات لبنانية على قرار وقف تمويل الأونروا تقاطعت عند خطورة القرار واعتباره تصفية للقضية الفلسطينية.