ميزانية “شكليّة” للهيئة العليا للإغاثة… ونفقاتها محدودة تؤمّنها الحكومة

 

تتوالى أعمال الهيئة العليا للإغاثة ومراجعتها أضرار المباني والأراضي الزراعية الناتجة عن تساقط القذائف مع احتدام اندلاع المناوشات الحربية جنوب لبنان، قبل أن تفيض اليابسة اللبنانية سيولاً مائية أيضاً جرّاء انهمار متساقطات الأمطار وسط تردٍّ في البنى التحتية. وبعدما تسارعت الهطولات المطريّة وتفاقم هبوط القنابل، ثمة تساؤلات حول ما يمكن هيئة الإغاثة أن تفعل وإذا في استطاعتها أن تغيّر في الأوضاع اللبنانية. وهل تكون الهيئة بحاجة إلى إغاثة من ناحيتها نتيجة الانهيار الاقتصادي للدولة اللبنانية؟ لا يكفي الحديث عن الضرر اللاحق في البنية التحتية. ليس هناك من حراكٍ جذريّ للبدء في معالجة تداعيات العواصف أو المعارك طالما أنّ الإمكانات ضئيلة. تفتّش هيئة الإغاثة عن مغيثٍ قبل المغاث. لا يلغي ذلك بعض التقديمات العينية التي استطاعت بها الهيئة أن تدفئ نزوح اللبنانيين الجنوبيين والمتضررين من هبوب رياح على حدّ سواء كالبطانيات والمواد الغذائية. إلا أنّها لا تستطيع شيئاً حيال الحاجة إلى دفء سقوف المنازل وثمار الحقول. أقلّه، بالنسبة إلى ميزانيتها السنوية التي تكاد تكفي ترتيبات محدودة في مواسم استتباب الاستقرار الجويّ والأمني غير المحتاجة إلى إغاثة. وإذا أرادت الهيئة أن ترجّح ماذا في إمكانها أن تعالج مع ميزانية سنوية بلغت العام الماضي 5 مليارات ليرة لبنانية، فإنّها تعجز.

يحصل أن حكومة تصريف الأعمال تعمل على مساعدة الهيئة العليا للإغاثة من خلال إعطائها سلف خزينة لأهداف إغاثية بعد اقتراح رئاسة الحكومة ووزارة المالية وموافقة مجلس الوزراء بناءً على الدستور اللبناني وقانون المحاسبة العمومية وتعديلاته والقوانين النافذة الخاصة بالموازنات العامة. وتشكل قيمة السلفة الواحدة أضعاف الميزانية السنوية للهيئة بالحدّ الأدنى التي تضاءلت قدرتها الشرائية كليّاً بعد انهيار سعر صرف العملة اللبنانية. وتنصّ المراسيم على اعتبار مجرد استعمال الجهة المستلفة لأي جزء من السلفة إقراراً منها في القدرة على إعادة تسديد السلفة التي أعطيت وفق الأسس المنصوص عليها. إلى ذلك، تشير معطيات “النهار” إلى أن مشروع قانون موازنة السنة الحالية 2024 الذي درسه مجلس الوزراء وأحاله إلى البرلمان اللبناني، ضاعف ميزانية الهيئة العليا للإغاثة إلى 10 مليارات ليرة لبنانية فقط. واقترحت الحكومة أن يتراوح احتياطي مشروع الموازنة العامة بين 5 و10 في المئة، وهذا ما يسهم في إمكان حيازة الهيئة العليا للإغاثة جزءاً من مبالغ احتياطي الموازنة العامة في اعتبار أنها ستحتاج نفقات إضافية. ولا تضيف مضاعفة ميزانية الهيئة شيئاً من الناحية العملية ما يؤكد حاجتها إلى تمويل من خارج ميزانيتها. إلا أن مواكبين حكوميين للمداولات البرلمانية حول مشروع الموازنة العامة للسنة الحالية، يرجّحون خفض احتياطي الموازنة الذي تقترحه الحكومة وتوزيع بعض ذلك الاحتياطي على بنود أخرى.

توجّهت “النهار” ببعض الاستفهامات إلى رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد الخير حول عمل الهيئة رغم الصعوبات الاقتصادية، الذي من جهته يقول إن “الميزانية السنوية للهيئة بلغت في السنوات الماضية والسنة المنصرمة 5 مليارات ليرة لبنانية فقط. نحن نخصّص الميزانية السنوية للهيئة للطوارئ الفورية، مع غياب المساعدات التي ليس هناك من يقدّمها لهيئة الإغاثة منذ سنوات”. ويضيف اللواء الخير أن “الهيئة العليا للإغاثة هي الوحيدة التي تعمل على تغطية تقصير بعض الوزارات وتعالج الأوضاع الكارثية على الأرض خصوصاً بالنسبة إلى الإنماء، وذلك انطلاقاً من قرارات مجلس الوزراء في حال موافقته على التدخّل وتأمينه الاعتمادات للتنفيذ”. ويوضح اللواء الخير أن “عمل الهيئة العليا للإغاثة يشمل حالياً ما يغطيه مجلس الوزراء من نفقات في حال موافقته عليها وتأمينه للاعتمادات اللازمة التي تعتبر محدودة ولا تؤمّن بوتيرة دائمة. وتضع هيئة الإغاثة مجلس الوزراء في أجواء مراجعة أضرار الفياضانات والمناوشات الحربية لكن لا موافقات على اعتمادات إضافية حالياً، قبل إنهاء الجيش اللبناني التقارير حول الأضرار الناتجة وتحويلها إلى مجلس الوزراء”.

في موضوع مشروع موازنة السنة الحالية الذي يدرسه مجلس النواب، يأمل مراقبون حكوميون إصداره بقانون من مجلس النواب حيث لجنة المال تكبّ على دراسة المشروع حتى اللحظة ما يساهم في مضاعفة ميزانية الهيئة العليا للاغاثة وإمكان حيازتها جزءاً من مبالغ احتياطي الموازنة العامة عند إقرارها. وهناك متّسع من الوقت أمام البرلمان اللبناني حتى نهاية كانون الثاني الجاري لإصدار مشروع الموازنة بقانون ما يُشَكِّل مهلة أربعة أشهر منذ استلامه مشروع الحكومة المحوّل له في 29 أيلول الماضي لإدخال ما يقرِّره من تعديلات. وفي حال تلكّأ المجلس في إصدار القانون بصيغةٍ معدّلة قبل انتهاء المهلة، عندها يعول حكوميون على إمكان إصدار مشروع الموازنة بمرسوم بالصيغة المرسلة من الحكومة، و”ليس في ذلك كيديّة”. ويعتبر داعمو إصدار مشروع الموازنة بمرسوم بعدئذ، أن المادة 86 من الدستور اللبناني تسمح ذلك، مع الاشارة إلى أنها لا تجيز لمجلس الوزراء استعمال هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة طرح على المجلس النيابي قبل بداية عقده بمدة 15 يوماً أقله. لكن البعض يطرح علامات استفهام في هذا الإطار حيال الشغور الحاصل في منصب رئاسة الجمهورية.

Leave A Reply

Your email address will not be published.