قطاع المطاعم “يترفّع عن النزيف” ويُسجّل أرقاماً مقبولة
يشهد قطاع المطاعم في لبنان حركة جيدة إلّا أنّها لا تعيد إليه تألقه الذي كان يحظى به قبل الأزمة أو حتى في فترة الصيف الماضي مع تراجع قدرة اللبنانيين الشرائية والتي لم تعد تسمح لهم بالترف في طلب أنواع متعدّدة من الأطعمة في أيّ وجبة عشاء أو غداء يقصدون المطعم لأجلها.
واللافت أنّ ما أصاب القطاع هو تقلص حفلات الأعراس والمناسبات أو إقتصار بعضها على عدد محدود من الأشخاص ولم تعد تلك الحفلات تضم أعداداً كبيرة كما في السابق.
مصادر وزارة السياحة كشفت لصحيفة «نداء الوطن»، أن «قطاع المطاعم بالذات هو أكثر القطاعات السياحيّة التي تتأثّر سلباً بأي هزّة أو خضّة أمنيّة، إلا أنّه في المقابل أول قطاع يستعيد عافيته وبسرعة كونه استثماراً صغيراً.
خسائر بأرقام مقبولة
وفي ما يخصّ أعداد المؤسسات المطعمية التي فتحت من جديد، تؤكّد المصادر أن «خلال صيف 2023 تجاوز عدد المؤسسات المطعمية الجديدة الـ 250 مؤسسة بدأت نشاطها ما أدّى إلى زيادة الحركة في القطاع».
أما «في نهاية العام 2023، فكانت التوقعات والآمال على أعياد وفعاليات رأس السنة كبيرة لتحسين الحركة السياحية. لكن، تفادي تأثيرات حرب غزّة غير ممكن وكان لا بد من تسجيل إنعكاسات سلبية على السياحة، واللافت أن نسبة الحركة السياحية ورغم تراجعها ظلّت جيّدة بشكل عام، لا سيما في قطاع المطاعم اذ لم تتراجع الحركة، على عكس الفنادق، فحافظت الأولى على نشاطها وانحسرت الخسائر بأرقام مقبولة إذ تراجعت حركة المطاعم بنسبة تتراوح ما بين 15 و 20 في المئة فقط بعد احداث غزّة. ونظراً إلى الأحداث المحيطة وحدّتها تعتبر هذه النسبة مقبولة جدّاً»، دائماً حسب المصادر التي تلفت إلى أن «المؤسسات السياحية الواقعة ضمن مناطق على الحدود الجنوبية كانت الأكثر تضرراً من دون شكّ، لكن أغلب المناطق البعيدة لم تتأثّر، تحديداً في البترون وجبيل والجميزة ومار مخايل في بيروت وتمكنت مؤسساتها من الحفاظ على وتيرة نشاطها، لا بل شهدت المناطق هذه فتح مؤسسات جديدة فيها خلال فترة الأعياد».
وتوازياً، رغم تراجع حركة الوافدين عبر مطار بيروت الدولي، إستناداً الى المصادر نفسها مع بداية نشوب حرب غزّة، الى عدد يتراوح بين 4000 و5000 وافد من عدد يتراوح بين 8000 و 10 آلاف مسافر تحديداً بعد تعديل وتخفيض الرحلات من قبل شركات الطيران من بينها «الميدل إيست»، بقيت نسب العمل في المطاعم مقبولة.
إلا أنه عاد عدد الوافدين ليتحسّن خلال فترة رأس السنة، فوصل العدد إلى ما بين الـ 8 والـ 10 آلاف وافد يومياً، أما في خلال الفترة نفسها من العام الماضي فسجلت الأعداد ما لا يقل عن الـ 15 ألف وافد، ما يؤكد أنه ورغم تراجع حركة السفر ظلت الأرقام في المطاعم مقبولة.
الى ذلك ساهمت المعارض والأسواق الميلادية خلال فترة الأعياد في تنشيط الحركة السياحية، والأسواق المطعميّة كانت الأكثر إستفادة» وفق المصادر التي تعتبر أنها حافظت على مستوى مقبول من مردودها.
عامل إيجابي
وكان تعميم وزير السياحة أثنى، بحسب المصادر على العامل الإيجابي والمهم الذي ساهم في تحسين حركة المطاعم وهو السماح لها بالتسعير بالدولار، إذ إن هذا الإجراء أدّى إلى استقرار أسعار الوجبات وبات في وسع المواطن دراسة ميزانيته وقدرته على زيارة مطعم بشكل مسبق بعد أن أصبحت الأرقام واضحة وثابتة، مؤكدةً أن حوالى 90% من المطاعم باتت تسعّر بالدولار مقابل قبول الدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف اليومي للدولار.
قطاع المطاعم كان ناشطاً وجيداً
ويتناول أمين عام إتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي القطاع السياحي بشكل عام، مؤكداً أن «قطاع المطاعم كان ناشطاً بشكل جيد ولافت، كما أن قطاع تأجير السيارات تأقلم إلى حد ما، حيث وصل إلى ما يقارب الـ 60%، في حين أن القطاع الفندقي نشط ما بين 3 أو 4 أيام بنسبة تتراوح بين 40 و50%، لكنه يعاني منذ 3 أشهر، وما زال حتى تاريخه. وكذلك قطاع الشقق المفروشة وحتى الأدلاء السياحيون تأثّروا بشكل كبير».
ويضيف بيروتي خلال حديثٍ مع «نداء الوطن»، «نمر بظروف إستثنائية، ولا أعلم إذا ما كان القطاع السياحي يستطيع أن يتحمّل هذه الظروف الصعبة على المدى الطويل في حال استمرارها»، كاشفاً أن «نسبة الحجوزات تراجعت اليوم إلى ما دون الـ 5%». وهل تزايدت أعداد المطاعم أم تراجعت في الآونة الأخيرة؟ يُجيب: «هناك مطاعم جديدة فتحت أبوابها في حين أن أخرى أقفلت. بعض الأشخاص يدخلون السوق بينما آخرون يخرجون منه». كل فرد يختار ما يُناسب ميزانيته.
إستثمار الأموال في الخارج
وحول الطبقة التي ترتاد المطاعم اليوم خصوصاً وأن الفاتورة عادت الى سابق عهدها كما كان الوضع عليه في العام 2019، اعتبر صاحب سلسلة مطاعم كارول عطالله ان «المطاعم يقصدها الغني والفقير، لكن كل شخص يختار تلك التي تناسبه. فعلى سبيل المثال، يختلف سعر الطبق نفسه من مطعم إلى آخر، ولذلك نجد مطعماً أرخص من غيره»، لافتاً إلى أن «كل فرد يقصد المطعم الذي يناسب ميزانيته، وهذا ما يفسح المجال أمام معظم اللبنانيين للخروج إلى المطاعم، وإن لم تكن النسبة 100%، فأقله ما بين 70 إلى 80% منهم» . أما في ما يتعلق بالفاتورة، فيؤكّد عطالله لـ «نداء الوطن» «أنها لم ترتفع كثيراً وتعود شيئا فشيئاً إلى ما كانت عليه قبل الأزمة وإنهيار الليرة، لكن بنسبة أقل من30%».
ويرى عطالله أن «أعداد المطاعم تتزايد في لبنان، فكل شخص يملك ما يُقارب الـ200 ألف دولار يعمد إلى فتح مطعم. من دون شك بعض المطاعم أقفل أبوابه، لكن العدد إزداد أخيراً بشكل لافت، وأكبر دليل على ذلك المطاعم الجديدة التي فتحت في جبيل والبترون ومناطق أخرى»، معتبراً أن «الإستثمار في قطاع المطاعم بالتأكيد مربح، وإلا لَما اتجه عدد من الاشخاص إلى إفتتاح مطاعم جديدة».
ويضيف: «اليوم إفتتحنا فرعا جديداً في جدة – السعودية، وخلقت الإدارة فرص عمل من خلال توظيف ما يُقارب الـ 40 شاباً لبنانياً، قامت بإرسالهم إلى فرعها في السعودية. لكن للأسف، لا يُمكننا تصدير أي من المنتجات اللبنانية إلى جدة بسبب القرار السعودي بوقف الإستيراد من لبنان».
تراجع القيمة الشرائية
ورداً على سؤال حول رواتب الموظفين، يؤكّد عطالله ان «الرواتب إستعادت قيمتها، إنما ليس بالجحم نفسه الذي كان متعارفاً عليه في السابق، لكن النسبة أصبحت تلامس ما بين 50 إلى 60% لما كانوا يتقاضونه قبل الأزمة»، مشيراً إلى أن «قطاع المطاعم بشكل عام جيد، لكن العمل يتراجع في فصل الشتاء، والأشهر الأفضل من ايار حتى تشرين الأول»، لافتاً إلى «مسألة هامة يجب أخذها بالإعتبار وهي أن القيمة الشرائية تراجعت. فبعد أن كان الزبون في السابق يطلب أصنافاً عدة، بات اليوم يطلب أقل، وانخفض الطلب من 10 صحون سابقاً إلى نحو 5 فقط اليوم»، مؤكداً أن «الأمر نفسه ينسحب على الأعراس، حيث بات عدد المدعوين في معظم الأعراس التي تقام في المطاعم لا يتعدى الـ 100 شخص». ويختم عطالله مؤكّداً أن «القطاع ليس مهددأ ويسترجع عافيته يوماً بعد يوم».
من جهته، يشير صاحب أحد المطاعم وصالة للأفراح إلى أن «معظم الناس في السابق كانت تقصد المطاعم، أما اليوم فأصبح الأمر محصوراً بالفئات الميسورة».
في المقابل، يؤكّد أن «رواتب الموظفين تغيّرت لتتناسب مع الوضع الحالي. كما أن الفاتورة عادت كما كانت في السابق» ، مستطرداً خلال حديث مع «نداء الوطن»: «نحاول الصمود قدر المستطاع. هامش الربح في السابق كان أكبر، خاصة وأن معظم المواد الاستهلاكية كانت مدعومة، بينما اليوم أسعار المحروقات المرتفعة وحدها ترهق كاهلنا وهي وحدها كفيلة بإحداث الفرق ما بين اليوم والسابق».
تقلص أعداد حفلات الأعراس
أما في ما يتعلق بالأعراس، فيؤكد «تراجع نسبة مَن يلجأون إلى الإحتفال في الصالات. فبعد أن كان عدد حفلات الأعراس التي تقام لدينا نحو 150 حفلة في السنة، إنخفض العدد بشكل ملحوظ، وباتت شريحة كبيرة من الأفراح تقتصر على مراسم الزفاف في الكنيسة فقط. كما أنّ عدد المدعوين في السابق إلى حفل الزفاف كان يتراوح بين 200 و300 شخص، اما اليوم فأصبح بين 60 أو 90 مدعواً، وبالتالي تقلّصت الأعداد بشكل كبير وملحوظ».