عصابة منظمة تسطو على الأملاك العامة “على عين الدولة” وتسرق 50 طناً من النحاس من مدينة كميل شمعون الرياضيّة!
أصبحت ظاهرة السرقة منتشرة على نطاق واسع بين فئات المجتمع كافة، دون وجود دوافع وأسباب منطقية وراء ارتكاب هذا الفعل المعيب، والذي قد لا يتصل غالبا بالحاجة المادية والأوضاع الاقتصادية المزرية الراهنة. ووفقا لمصادر امنية، فإن معظم اللصوص هم من جنسيات اجنبية، وهذا يدل على ان الحرامي اعتاد النهب، بدلا من العمل والكد لكسب رزقه بالحلال ليصرف على عائلته من عرق جبينه، لا من الاستلاب والنشل والمال الحرام.
اللص يؤذي أسرته أولا!
تجدر الإشارة الى ان كثرا قد لا يعون مدى خطورة إشكالية السرقة، كونها تهدد مستقبل أطفال السارق، ناهيكم بالضرر الذي قد يلحق مجتمعا بأكمله. وهذا طبعا يؤثر سلبا في سلوكيات الافراد كبارا كانوا ام صغارا، ويدمرهم ويفقدهم الاهلية لتولي أي منصب او تحمل المسؤولية في الغد القريب أو البعيد. فالشخص الذي يسرق هو حكما لا يمتلك مقومات القدوة، وبالتالي يكون اسوة سيئة ومثلا مؤسفا في حياة أبنائه، ويخسّره جدارة التربية. بالإضافة الى كل ما تقدم، فان هذه الحالة قد تبدل مسلك الأطفال من البداية الى مسارات عدوانية، تدفعهم الى تحطيم كل ضوابط الكسب، وبالتالي الانتفاضة على المبادئ والقيم الاجتماعية والعائلية واللامبالاة، وهذا قد يورّثهم الانحراف والشواذ منذ الصغر.
سرقة 50 طنا من الاسلاك النحاسية!
في موازاة ذلك، تناقلت بعض وسائل الاعلام خبرا مفاده ان وزارة الشباب والرياضة تقدمت بشكوى جزائية ضد مجهول على خلفية سرقة كابلات كهربائية من مدينة كميل شمعون الرياضة. ويبلغ طول الاسلاك حوالى اثني كلم قطري، اي ما يعادل وزنها حوالى 50 طنا من النحاس الخالص. وطبقا للمعلومات المتداولة فان هذه العملية حصلت منذ نحو شهرين تقريبا.
الوزارة لا تنفي ولا تؤكد!
وفي هذا الخصوص، أكد مصدر مسؤول في وزارة الشباب والرياضة لـ “الديار”: ان الوزارة “لم تتقدم بدعوى جزائية ضد أي أحد ريثما يتم التثبّت من الخبر اولا، وعلى الاغلب ان حوادث الاختلاس هذه حدثت منذ نحو عامين تقريبا، والوزارة بصدد اجراء تحقيق داخلي لمعرفة حيثيات الواقعة، وللتحقق من وجود سرقة حديثة فعلا ولتحديد حجمها ونوعها”.
أضاف المصدر “يستأجر الملعب حاليا حوالى 8 اتحادات رياضية، مثل البلياردو ورفع الاثقال وبيوت الشباب، بالإضافة الى رياضات أخرى”. وأشار المصدر الى ان “أحد المستأجرين لم يرَ كهرباء الدولة منذ أكثر من عام تقريبا، وعادة عندما يتم استئجار محل يعود الى مؤسسة عامة، فيُفترض ان تكون الكهرباء مؤمنة ، ولكن المستأجر لم يحصل على هذه الخدمة. لذلك تقدم بطلب الى المحكمة المعنية لمعرفة السبب، وبناء على كل ما ذكرت لم نصدر أي بيان قبل التوصل الى الحقيقة والتأكد من الوقائع”.
اعمال السرقة تراجعت ولكن!
على خط احصائي متصل بفعل النهب، اوضح الباحث في “الدولية للمعلومات” السيد محمد شمس الدين لـ “الديار” أن “عدد السرقات بلغ في العام المنصرم 3102 مقارنة بـ 4768 في العام 2022 و5940 في العام 2021”.
لماذا النحاس؟
وفي الإطار، شرح السيد ماهر وهو صاحب محل لشراء الخردة والنحاس لـ “الديار”، ان “السارق يلتقط الاسلاك النحاسية ويبيعها بالفريش دولار، والمشتري يقوم بصهرها لفصل الطبقة البلاستيكية التي تغلف الاشرطة، تمهيدا لإعادة تصديرها الى الخارج وقبض ثمنها بالعملة الصعبة”.
واكد ان “هذه العملية باتت متوارثة كونها تؤمن الأموال، ولكن هذه الظاهرة ما لبثت ان بدأت تتطور شيئا فشيئا، حتى أصبحت تشمل الأملاك والمنشآت العامة، وخاصة تلك التي تعود الى مؤسسة كهرباء لبنان. فالسرقات تقدر بمليارات الدولارات، ويقوم اللصوص بجمع الكابلات الكهربائية “التخينة” او الضخمة، ما يعني ان هذه السرقة تحتاج الى معدات وآليات لا يمكن ان تحصل في الخفاء، وانما على مرآى من المارة”.
وقال: “يعاد بيع هذه الاسلاك في أكثر الأحيان لمؤسسة كهرباء لبنان، الامر الذي يؤكد ان “دود الخل منه وفيه”، أي ان هذه السرقات تحدث بالاتفاق مع بعض العاملين في الشركة، وهذا ما يسهل سرقة كابل قد يحتاج نقله الى شاحنة”. أضاف: “تتكون الاسلاك من مادتين رئيسيتين: الموصل وهي مادة موصلة مثل النحاس والالمنيوم والذهب، والعازل وهو مادة غير موصلة تعزل الموصل عن البيئة الخارجية مثل كلوريد الفينيل”.
خردة النحاس تصدّر الى هذين البلدين
وكان لافتا أن صادرات خردة الحديد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بين عامَي 2019 (67.77 مليون دولار) و2020 يُقدر بحوالى 16 مليون دولار. وتأتي اليابان على رأس الدول التي استوردت خردة نحاس من لبنان العام الماضي (22.19 مليون دولار)، تليها اليونان (12.91 مليون دولار).
في الخلاصة، هذه السرقات تتوسع يوما بعد آخر، وهذه الحالة خطرة كونها ستؤدي الى شل ما تبقى من قطاع كهرباء الدولة. وتمدد ظاهرة النهب يرجع الى عاملين:
– الأول: تلكؤ الأجهزة الأمنية في تعقب هذه العصابات المنظمة التي تكرر فعلتها.
– الثاني: هو ان التجار الذين يشترون هذه الاسلاك متواطئون ضمنا، لأنهم يعرفون انها مسروقة وتعود للدولة، ومع ذلك يشترونها ويقومون بتذويبها ويصدرونها الى الخارج.
بات واضحا ان العصابة تعمد الى نهب كل ما يأتي لها بمبالغ مالية ضخمة وبالدولار، فتسرق بشكل خاص الاسلاك الكهربائية، كونها مصنوعة من النحاس واغطية فتحات بالوعات شبكة الصرف الصحي المكونة من الحديد الخالص. ويسأل المواطنون اين البلديات من كل ما يحصل وأين القوى الأمنية؟