زيادة جديدة في احتياطات المركزي: مكاسب غير كافية

 

عندما نشر المصرف المركزي هذا الأسبوع ميزانيّته الموجزة النصف الشهريّة، تركّز الاهتمام الإعلامي على بيان الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، المُرفق بالميزانيّة، والذي أعلن فيه عن تغيير بعض آليّات الإفصاح عن الخسائر.

غير أنّ أرقام الميزانيّة النصف شهريّة نفسها تضمّنت بعض المؤشّرات المهمّة، والتي لم تحظ بالاهتمام اللازم، ومنها استمرار الارتفاع في حجم الاحتياطات السائلة بالعملات الأجنبيّة، واستمرار الارتفاع بقيمة احتياطات الذهب. وبهذا الشكل، ما زالت الميزانيّة النصف شهريّة تعكس تزايدًا في ملاءة وسيولة المصرف المركزي، ولو بشكل متواضع قياسًا بحجم الخسائر المتراكمة في ميزانيّات المصرف.

استمرار الزيادة في احتياطات العملات الأجنبيّة

أبرز التحوّلات التي عكستها الميزانيّة النصف شهريّة، كانت تزايد احتياطات المصرف بالعملات الأجنبيّة بنحو 62 مليون دولار أميركي، خلال النصف الثاني من شهر كانون الأوّل. وبهذا الشكل، ارتفعت قيمة الاحتياطات السائلة بالعملات الأجنبيّة في نهاية السنة إلى ما يقارب 9.321 مليار دولار، وهو ما يزيد بأكثر من 748 مليون دولار أميركي عن حجم الاحتياطات التي كانت متوفّرة في نهاية شهر تمّوز الماضي، أي عند مغادرة حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لمنصبه. وبهذا الشكل، كانت زيادة الاحتياطات خلال النصف الثاني من كانون الأوّل استمرارًا لنمط واضح، بدأ منذ تولّي الحاكم بالإنابة لمهامه في بداية شهر آب الماضي.

وكما هو معلوم، ترتبط هذه الزيادات المستمرّة في الاحتياطات بجملة من العوامل، ومنها وقف استنزاف الدولارات عبر منصّة صيرفة، التي تم إيقاف عمليّاتها بمجرّد رحيل سلامة، بالإضافة إلى تشدّد القيادة الجديدة لمصرف لبنان في استعمال الاحتياطات المتبقية بحوزة المصرف. وفي مقابل التشدد في استعمال الدولارات المتوفّرة، كان المصرف المركزي يراكم المزيد من الاحتياطات عبر شراء الدولارات من سوق القطع، وهو ما مكّن المصرف من تحقيق هذه المكاسب خلال الأشهر الخمسة الماضية.

على أي حال، ورغم توقّف مصرف لبنان عن ضخ الدولارات عبر منصّة صيرفة، بل ورغم انتقاله إلى امتصاص الدولارات ومراكمة المزيد من الاحتياطات، تمكّن المصرف على مدى الأشهر الماضية من الحفاظ على استقرار نقدي ملحوظ. وهذا ما يطرح مجددًا السؤال عن جدوى وهدف العمل بمنصّة صيرفة، التي أسهمت قبل رحيل سلامة باستنزاف احتياطات المصرف المركزي بحجّة ضبط سعر صرف الليرة في السوق الموازية.

الزيادة في قيمة احتياطات الذهب

خلال النصف الثاني من شهر كانون الأوّل، ارتفعت قيمة احتياطات الذهب الموجودة بحوزة مصرف لبنان من 18.837 مليار دولار في منتصف الشهر، إلى نحو 19.165 مليار دولار في نهاية السنة، ما يعني أن مصرف لبنان حقق مكاسب تفوق قيمتها 328 مليون دولار جرّاء ارتفاع قيمة احتياطات الذهب. وعادة ما يتحقّق هذا النوع من المكاسب عن إعادة احتساب قيمة احتياطات الذهب المتوفّرة، وفقًا لأسعار الذهب العالميّة الرائجة.

في جميع الحالات، كانت قيمة احتياطات الذهب المتوفّرة لدى مصرف لبنان تسجّل ارتفاعات متتالية منذ الربع الأخير من العام 2022، جرّاء ارتفاع أسعار الذهب العالميّة. ففي بداية العام 2023 مثلاً، لم تكن قيمة احتياطات الذهب المتوفّرة تتجاوز حدود 16.65 مليار دولار أميركي، وهو ما يعني أن مصرف لبنان حقق على مرّ العام 2023 مكاسب تقارب قيمتها 2.187 مليار دولار أميركي، جرّاء ارتفاع قيمة احتياطات الذهب.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أسعار الذهب حققت خلال العام 2023 أفضل أداء لها منذ نحو ثلاث سنوات، بعدما سجّلت ارتفاعًا بنسبة 14.6%، ليلامس سعر الأونصة في أواخر سنة حدود 2078.4 دولار أميركي. وجاءت هذه الارتفاعات نتيجة عدة عوامل، ومنها الاضطرابات الجيوسياسيّة في عدّة أنحاء من العالم، وتزايد الطلب على المعدن الأصفر كاحتياطي استراتيجي من جانب المصارف المركزيّة.

استمرار انكماش السيولة المتداولة بالليرة

الميزانيّة النصف الشهريّة أظهرت كذلك استمرار الانكماش في السيولة المتداولة بالليرة اللبنانيّة، حيث انخفض النقد في التداول من 58.89 ألف مليار ليرة، إلى نحو 58.09 ألف مليار ليرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ حجم النقد في التداول كان يناهز في بدايات العام 2023 حدود 80.17 ألف مليار ليرة لبنانيّة، وهو ما يعني أنّ مصرف لبنان امتصّ خلال العام الماضي أكثر من 27.5% من قيمة النقد المتداول في بداية السنة. ومن الأكيد أن تحجيم قيمة النقد المتداول بالليرة سيحد من الضغوط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة، كما سيزيد من قدرة مصرف لبنان على ضبط المضاربات في السوق الموازية.

في جميع الحالات، ورغم إيجابيّة كل هذه التطوّرات، ما زالت كل الارتفاعات في قيمة احتياطات الذهب واحتياطات العملات الأجنبيّة محدودة جدًا، قياسًا بفجوة الخسائر الموجودة في الميزانيّات. وهذا ما يعيد التأكيد على أهمية الإطار الشامل للمعالجات الماليّة، وفي طليعتها عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، التي يفترض أن تحدد معايير وآليّات التعامل مع خسائر مصرف لبنان. أمّا انكماش السيولة المتداولة بالليرة اللبنانيّة، فلا يكفي وحده لضمان سيطرة مصرف لبنان على سعر صرف الليرة، إذا لم تتوفّر آليّة شفافة للتداول بالدولار، تمهيدًا لتعويم وتوحيد أسعار صرف الليرة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.