الصادرات اللبنانية… بين مخاطر الشحن البحري وتسهيل ممرّات وإجراءات النقل البّري

لم تجرِ الرياح بما تشتهيه سفن شركات الشحن العالمية العملاقة المحمّلة بالحاويات، ولا ناقلات النفط والغاز والسيارات وبضائع الدوكمة، التي كانت تستعدّ لمعاودة عبور قناة السويس، بدلاً من الدوران حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح للوصول إلى شرق المتوسط والبحر الأسود، وإلى أوروبا وسواحل الولايات المتحدة الأميركية الشرقية على المحيط الأطلسي أو بالعكس.
وقد يكون السبب أن التحالف البحري الدولي “حارس الازدهار”، الذي وعدت الولايات المتحدة الأميركية بتشكيله من أكثر من 20 دولة لتأمين سلامة إبحار السفن في البحر الأحمر لم يبصر النور حتى تاريخه.

في الواقع، يتخوّف المراقبون الدوليون من أن ينعكس تأثّر قناة السويس بعمليات جماعة الحوثيّ، واضطرار السفن إلى تجنّب مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس، واللجوء إلى خيار الرحلات الطويلة المكلفة حول أفريقيا، (ينعكس) على الاقتصاد الدولي ركوداً.
منذ مدة، لوّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن باللجوء إلى الخيار العسكري لردع الجماعة المدعومة إيرانياً ومنعها من تهديد الملاحة البحرية. ولكن حتى تاريخه ما من رادع!

وفق رئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة، والرئيس السابق للغرفة الدولية للملاحة في بيروت، إيلي زخور “إن أكثر من 16 دولة في العالم لديها قواعد عسكرية في الدول المحيطة بالبحر الأحمر، من بينها الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا، وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، واليابان، وتركيا وحتى إسرائيل…. وبالتالي، فإن تشكيل قوات “حارس الازدهار” لتأمين سلامة إبحار السفن في البحر الأحمر وصولاً إلى قناة السويس هو لزوم ما لا يلزم”.

هذا الممّر البحري البديل الذي اضطرت شركات الشحن العالمية إلى اعتماده بدلاً من المرور في قناة السويس أدّى إلى زيادة أيام الرحلة للسفينة، من 12 ساعة فقط لعبور قناة السويس، إلى أكثر من 10 أيّام للدوران حول أفريقيا، بالإضافة إلى استهلاك كميّات إضافية كبيرة من الوقود، وتعثّر سلاسل التوريد والشحن والإمداد، وبالتالي إلى ارتفاع كبير بالتكلفة الإجمالية لرحلات السفن والناقلات.

وكان رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم الترشيشي قد توّقع “ارتفاعاً في تكاليف تصدير الحاوية المبّردة من فئة 40 قدماً بحراً، من 3000 دولار أميركي إلى 6000 دولار، بسبب اضطرار الباخرة إلى الدوران حول رأس الرجاء الصالح وأفريقيا. وهذه الأجور الجديدة لشحن المنتجات الزراعية الزهيدة الثمن تُعدّ مرتفعة جداً، ولن تمكننا من منافسة ومزاحمة المنتجات الزراعية المستوردة إلى بلدان الخليج العربي من بلدان أخرى”.

ما هو مصير البضائع التي كانت مكدسّة، وهي برسم التصدير في مرفأ بيروت؟ وماذا عن التكلفة المستجدة بحكم زيادة المسافة وتكلفة الشحن؟

يقول زخور لـ”النهار”: “إن الحدث الإيجابي، الذي سُجّل خلال فترة عيد رأس السنة الجديدة، كان مع وصول الباخرة العملاقة CMA CGM PALAIS ROYAL التابعة لشركة الملاحة الفرنسية CMA CGM من أوروبا إلى مرفأ بيروت، التي أمّنت شحن نحو 1900 حاوية من المنتجات الزراعية والصناعية اللبنانية التي كانت مكدّسة في مرفأ بيروت منذ أسابيع عدة بانتظار شحنها إلى بلدان الخليج العربي ودول أخرى مقابل إفراغ حمولتها من الحاويات برسم الاستهلاك المحلي”، إلا أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر مرتبطة باستمرار الحرب في غزة؛ ومن البديهي أن يترّتب على استمرار السفن في الدوران حول القارة الأفريقية تداعيات سلبية على العالم ولبنان، اقتصادياً وتجارياً، حيث يبقى هناك تخوّف على مصير إمداده بالمواد الأساسية كالنفط والغاز والفيول والمواد الغذائية إضافة إلى تحليق الأسعار.
ما هي التكلفة على لبنان؟

برأي زخور “إن لبنان بلد استيراد بامتياز. وبالرّغم من الأزمات السياسية والصعوبات على مختلف المستويات المالية والاقتصادية والاجتماعية، التي يعاني منها منذ سنوات عديدة، فقد تمّ استيراد سلع وبضائع بما يتجاوز مبلغ الـ19 مليار دولار أميركي في العام الماضي، مقابل تصدير سلع ومنتجات لبنانية بأقلّ من 2،7 مليار دولار، أي ما نسبته 14 % من القيمة الإجمالية للواردات. ومن المعلوم أيضا أن الصين هي الشريكة الأولى للبنان بحجم وارداته من الخارج، إذ تمّ استيراد سلع وبضائع من الصين بـ675، 2 مليار دولار في العام الماضي، أي ما يفوق الـ14% من القيمة الإجمالية لفاتورة واردات لبنان.

وفي المقابل، تبقى الإمارات العربية المتحدة الشريكة الأولى للبنان بحجم صادراته إلى الخارج. ففي العام الفائت، استوردت سلعاً وبضائع لبنانية بقيمة 747 مليون دولار أميركي، أي ما يفوق الـ34 % من القيمة الإجمالية لفاتورة صادراته.
يُشار أيضاً إلى أن الهند هي من بين البلدان العشرة الأولى التي تمّ الاستيراد منها، بينما قطر والعراق والأردن وكوريا الجنوبية من بين البلدان العشرة الأولى التي صدّر لبنان السلعَ إليها.
وجميع هذه البلدان هي في القارة الآسيوية والخليج العريي. وعمليّة الاستيراد والتصدير تتمّ من لبنان بحراً، بوساطة شبكة من شركات الشحن العالمية التي تؤمّن خدماتها المنتظمة بسفن من الحاويات أو ناقلات النفط والغاز والسيارات وبضائع الدوكمة، عبر المرور في قناة السويس، التي تُعتبر أقصر الطُرق البحرية التي تربط البحر الأحمر بالمتوسط.

إن التكلفة الإضافية، التي تكبّدتها شركات الشحن العالمية بمختلف أنماطها عبر الدوران حول أفريقيا ورأس رجاء الصالح، أجبرتها على زيادة أجور الشحن على البضائع والسّلع التي تشحنها لتغطية تلك التكلفة الإضافية، مما أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع والبضائع المستوردة من البلدان الآسيوية والخليج العريي إلى العالم ولبنان، أو تلك المصدَّرة من دول العالم ولبنان إلى الخليج العربي والدول الآسيوية.

وبناء عليه، يكون المستهلك اللبناني كالعادة هو أول وأبرز المتضررين من تجنب شركات الشحن العالمية العبور في قناة السويس، واختيار الدوران حول أفريقيا ورأس رجاء الصالح، بالإضافة إلى المصدِّر اللبناني، لا سيما مصدّر المنتجات الزراعية اللبنانية الزهيدة الثمن”.

الجدير ذكره أن أكثر من 23 ألف سفينة وناقلة نفط وغاز تمرّ في قناة السويس، ما يتجاوز الـ13 % من التجارة العالمية، وأكثر من 10 % من تجارة النفط، و8 % من تجارة الغاز المسال الطبيعي سنوياً، بما في ذلك نحو ثلثي صادرات النفط الخام من دول الخليج العربي، وفقا لوكالة بلومبرغ الأميركية، فضلاً عن أكثر من 30 % من حاويات الشحن في العالم يومياً.

ومع بروز الدور المحوري لقناة السويس في التجارة العالمية والنقل البحري العالمي، وفي استمرار تأمين التدفق المتواصل والسلس لسلاسل التوريد والشحن والإمداد العالمية، ففي 17 /10 /2023، أعلنت هيئة القناة المصرية عن زيادة رسوم العبور العادية بنسب تتراوح ما بين 5 إلى 15 في المئة لعدة أنواع من السفن، اعتباراً من 15 كانون الثاني 2024.

وقالت الهيئة في بيان “إن رفع الرسوم بنسبة 15 في المئة يشمل ناقلات البترول الخام، المشتقات البترولية وناقلات الغاز البترولي المسال (LPG)، وناقلات الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وناقلات الموادّ الكيميائية والموادّ السائلة الأخرى. كما ستتم زيادة الرسوم بنفس النسبة لسفن الحاويات، وحاملات السيارات، وسفن الركاب، بالإضافة إلى الوحدات العائمة الخاصة”.

ما هي أقرب الحلول لعمليات التصدير والاستيراد مع ضبط التكلفة في ظلّ مخاطر الشحن البحري؟
الحلّ عبر البرّ
يرى زخور “أن الحلّ الأمثل للصادرات اللبنانية، سواء كانت زراعية أم صناعية، إلى دول الخليج العربي في حال استمرار السفن بالدوران حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، هو سعي الحكومة اللبنانية أولًا إلى إقناع السلطات السعودية بالسماح للشاحنات المحمّلة بالسلع والمنتجات اللبنانية من عبور الأراضي السعودية “ترانزيت” إلى دول الخليج العربي، وثانياً، بتخفيض رسوم عبور الشاحنات المحمّلة بالمنتجات الزراعية والصناعية اللبنانية في الأراضي السورية والأردنية والسعودية إلى دول الخليج العربي”.

Leave A Reply

Your email address will not be published.