لبنان نحو توحيد أسعار الصرف… في انتظار الكلمة الأخيرة لموازنة 2024
تسير الإدارة المالية والنقدية في البلاد، وتتماهى مع مطالب صندوق النقد والمؤسسات المالية بانتظام مدروس وانصياع واقعي لا قسري، في ملف توحيد سعر الصرف كمقدّمة لإنهاء فوضى التسعير وصرف النفوذ الذي يحصل بسببه.
وما قرار مصرف لبنان رفع سعر “المرحومة” صيرفة من 85.500 الى 89.500 ليرة إلا خطوة في هذا الاتجاه، ويأتي أيضاً بعد التنسيق مع الحكومة التي تستعد لمرحلة زيادة الرواتب لموظفي القطاع العام والمتقاعدين 3 أضعاف مع رفع قيمة بدل الإنتاجية أيضاً.
كذلك، تأتي مسيرة توحيد سعر الصرف، توازياً، مع تمهيده أيضاً الطريق لإطلاق العمل ب#منصّة “بلومبرغ” التي ستخلف منصّة صيرفة رسمياً، علماً بأن إطلاق “بلومبرغ” سيستغرق أقله فترة 3 أشهر من الآن، مع تريّث فريق الوكالة العالمية بالقدوم الى لبنان على خلفية الظروف الأمنية في لبنان وتحديداً الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب.
أما على مقلب الـ151، فالجميع يعرف أنه دخل غرفة الولادة، وبدأت الاستعدادات لاستيلاد تعديل أو قرار منسّق مع الحكومة بالانتقال إلى سعر 89.500 ليرة لـ”اللولار” الواحد.
وفيما تأتي الولادة طبيعية بعد حين أو قيصرية بعد أشهر قليلة، إلا أن الحبل بسعر 15000 لـ”لولار” لا يمكن أن يستمر إلى ما شاء الله، وتستمر معه لعبة استنزاف ودائع المواطنين وتخسيرهم نحو 84% من قيمتها، عند سحبها وفق التعميم المذكور.
بيد أن خطر حصول مضاعفات والتهابات في سوق الصرف بعد الشروع بالتعديل العتيد، هو الهم الأكبر حالياً عند المنكبّين على تحضير مستلزمات الولادة.
من هنا يمشي التريّث ممسكاً بيد الواقعية وباندفاعة مسؤولي صندوق النقد، حتى لا تأتي العجلة بالندامة، وكي لا يخسر لبنان الاستقرار النقدي المكتسب منذ أشهر، الذي أسّس وفق واقع الأرقام وحركة النموّ لثقة لدى الناس بالقدرة إذا ما أحسنت البلاد إدارة نفسها، على النهوض بقوة والخروج بسرعة من القعر وصناعة الإنقاذ.
اتفاق بين الحكومة ومصرف لبنان؟
إذن، مع قرار مصرف لبنان تعديل السعر المتداول لصيرفة من 85500 ليرة إلى 89500 ليرة، يقترب من سعر الدولار في السوق الذي يراوح عند مستوى بين 89000 و90000 ليرة. وبناءً على ذلك تم الاتفاق بين الحكومة ومصرف لبنان على دفع الرواتب لموظفي القطاع العام على أساس سعر صيرفة الجديد، على اعتبار أن مصرف لبنان يشتري من السوق الدولارات وفق هذا السعر، كما أن القرار سيخفف من أثر الزيادات التي ستقرّها الحكومة قريباً، بعدما كان #مجلس الوزراء قد قرّر تأجيل البت بها أمس للمزيد من التشاور والدرس.
هذا الإجراء، وفق ما تقول مصادر مصرف لبنان، ما هو إلا خطوة نحو توحيد سعر الصرف، علماً بأن “المركزي” يتريّث في رفع الدولار المصرفي الحالي (15 ألف ليرة للسحوبات)، وترك الأمر لموازنة عام 2024، التي ستحدّد سعر الصرف الذي سيُعتمد. فيما اعتبرت مصادر مصرفية أن اعتماد سعر 89.500 ليرة للسحوبات وفق التعميم 151 هو مجازفة كبيرة بما سيهدّد استقرار سعر الصرف كما رأسمال المصارف وسيزيد الضغوط التضخمية خصوصاً إن لم يترافق التدبير مع ظوابط مالية وقانونية، علماً بأن هذا التعميم الذي بدأ تنفيذه في عام 2020 لا يزال موضع انتقاد من المودعين لكونه “شفط” ودائعهم ومدّخراتهم، نسبة للفارق الكبير بين سعر الصرف الذي اعتمده التعميم والسوق السوداء، فكان أشبه بعملية “هيركات” غير مباشرة، إذ وصلت خسائر المودعين الى ما بين 85% و90% من إيداعاتهم في المصارف.
وإن كان القرار لن يؤثر على بعض التسعيرات التي تعتمدها بعض الجهات الرسمية، منها وزارة الطاقة التي تسعّر الدولار في محطات المحروقات عند مستوى 89700 ليرة، فإنه سينعكس حتماً على أسعار الفواتير الخدماتية والاستهلاكية الأخرى، مثل فواتير الهاتف وأسعار بطاقات تشريج الخطوط الخلوية المسبقة الدفع، إضافة الى الدولار الجمركي.
ولكن ماذا عن أثر زيادة دولار صيرفة على الكتلة النقدية؟ تؤكد المصادر أن الكتلة النقدية ستنخفض حتماً لأن الضرائب التي ستستوفيها وزارة المال سترتفع باللبناني على اعتبار أن سعر الصرف ارتفع، بما سيسهم بسحب كتلة نقدية أكبر من اللبناني من الأسواق، وتؤكد المصادر حرص مصرف لبنان بالتعاون والتنسيق مع وزارة المال على ضبط الكتلة النقدية (بالليرة).
فالأخيرة تسحب من السوق من خلال الضرائب والرسوم التي تستوفيها نحو 26 ألف مليار ليرة شهرياً، مقسمة بين 13 ألف مليار “كاش” شهرياً، و13 ألف مليار ليرة غير نقدي بما يساعد مصرف لبنان على المحافظة على الكتلة النقدية بين 58 و59 ألف مليار ليرة. وهذا الأمر يسهم بثبات سعر الصرف، لانتفاء إمكان المضاربة على الليرة.
ولكن هذا الوضع سيتغيّر إذا اعتُمد دولار 89.500 للتعميم 151، فإن الكتلة النقدية سترتفع حتماً، لذا تؤكد المصادر أن مصرف لبنان يدرس الموضوع جدياً مع المصارف، وخصوصاً حيال مدى قدرتها على تأمين السحوبات للمودعين. ولكن السحوبات حتماً لن تتجاوز 200 دولار شهرياً ومن حساب واحد. وثمة حديث أنه إذا أراد المودع سحب أكثر من 200 دولار يترك له المجال للسحب على 15 ألف ليرة. ولكن الأمور لا تزال قيد البحث.
وفي انتظار أن تجتمع جمعية المصارف مع حاكم مصرف لبنان في الأيام المقبلة، للبحث في كل الأمور المستجدة، تؤكد مصادر مصرفية استحالة توحيد سعر الصرف في ظل عدم معالجة فجوة مصرف لبنان. وتقول “إن كانت الموازنة ستلحظ توحيد سعر الصرف، قبل الشروع بمعالجة الفجوة في مصرف لبنان أو على الأقل إقرار كل القوانين الإصلاحية، فإن المشكلة ستقع حتماً. فودائع المصارف في مصرف لبنان تبلغ 83 مليار دولار، فيما لا يتوافر منها إلا 7 مليارات ليرة، فهل سيعمد مصرف لبنان الى تأمين بقيّة المبلغ عبر طبع الليرة؟ حالياً يمكن تأمين مبلغ محدّد للحالات الطارئة على سعر الـ15 ألفاً، ولكن كيف ستتصرف المصارف إذا تقرر أن تكون السحوبات على سعر 89.500 ليرة؟”.