رغم الأحداث الأمنيّة وغياب الثلوج… السياحة الشتويّة تنطلق ولو متأخّرة خلال الأعياد
لا يترك اللبنانيون بلدهم مهما تغرّبوا، فهم أبطال جميع المواسم والمناسبات وإن طال غيابهم. فبالرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان سواء من ناحية أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، يأبى المغترِب اللبناني إلّا أن يعيّد عيدي الميلاد ورأس السنة بين عائلته في ربوع بلده، وهذا ما أثبتته السنوات الثلاث الماضية وتثبته هذه السنة. فموسم السياحة الشتوية خلال الأعياد سيكون واعداً هذا العام، مبشّراً بموسم شتوي جيد.
“العيد أحلى في لبنان”، هذا ما تقوله سنتيا الآتية من فرنسا لتمضية عطلة الأعياد مع أهلها، “فنحن ننتظر هذه الفترة من العام لكي نشعر بدفء العائلة في بلدنا، فهو شعور نحنّ إليه ونحن في الغربة، ونستعيد من خلاله ذكرياتنا في جولاتنا في المناطق”. يرافق سنتيا زوجها وأطفالها “لنعلّمهم منذ الصغر ماذا يعني لبنان، ولا سيما الترابط العائلي في هذه المناسبات بالتحديد”، تقول سنتيا.
أمّا محمد، فيعتزم المجيء من أنغولا إلى لبنان لاستقبال عام جديد بين أهله “فطقوس العائلة لا يمكن تجاوزها في هذه الأوقات من السنة، وقد اعتدت زيارة عائلتي وأولادي في كل إجازة سنوية، ولبنان يبقى وجهتنا الأولى والوحيدة في جميع الفصول والمناسبات”.
تأخّرت حركة السياحة الشتوية هذا العام لتنطلق، فبعدما انطلقت العام الماضي في شهر تشرين الثاني بكثافة، أخّرت الأحداث الأمنية في لبنان، وتأخّر سقوط الثلوج هذه الحركة حتى الآن، لتنطلق بشكل خجول، بحسب ما يقول عبد بوشيه، مؤسِّس تطبيق “كزدرني” السياحي.
وفي حديثه لـ”النهار”، يلفت إلى أنّه حتى أسعار الشاليهات وبيوت الضيافة انخفضت عن العام الماضي، و”لا يزال جزء من النسبة التشغيلية لهذه الأماكن فارغاً على غير عادة، إذ هناك أماكن كثيرة لا تزال متاحة بينما في هذا الوقت من العام عادة تكون ممتلئة”. لكن مع تركّز قدوم المغتربين الآن، بدأ واقع السياحة الشتوية يتغيّر.
ويشير بوشيه إلى أنّ للأخبار تأثيراً كبيراً على سلوك المغتربين، “لذا نحاول على منصات التواصل ومع وسائل الإعلام بث الروح الإيجابية لتشجيع المغترب اللبناني على المجيء إلى لبنان هذا الموسم”.
وبدأت حجوزات الفنادق الجبلية وبيوت الضيافة والفلل تقوى مع الاقتراب من عيد رأس السنة، فهي سياحة يقبل عليها الجميع، من عائلات وأصحاب ومجموعات وثنائيات لاكتشاف مناطق جديدة خلال الشتاء، وقد أخّرهم هذا العام تأخّر سقوط الثلوج في المناطق الجبلية المرتفعة المشهورة بهذا النوع من السياحة.
حالياً، نسبة الحجوزات في بيوت الضيافة الجبلية وصلت إلى حوالي 50 في المئة، وهو “أمر جيد”، وفق بوشيه، بينما في نفس الفترة من العام الماضي وصلت إلى حوالي 70 في المئة. وفي الأيام قبيل وبعيد رأس السنة، التي تكون هذه الأماكن فيها “مفوّلة”، حتى الآن الحجوزات فيها لم تتعدَّ 80 في المئة.
وقد جرت العادة أن تنشط حركة استئجار الشاليهات في الشتاء، بدءاً من تمضية عيد رأس السنة، وتستمر هذه الحركة خلال الموسم الشتوي مستقبلةً محبّي السياحة الجبلية. لذا، “الطلب هائل لتمضية ليلة رأس السنة في الشاليهات”، يقول مؤسِّس صفحة Chalet lebanon، جو رفقا في حديثه لـ”النهار”. وقد امتلأت حوالي 75 في المئة من الشاليهات في لبنان، ومن المفترض أن نكمل الـ25 في المئة خلال عيد الميلاد إذا ما سقطت الثلوج.
ويؤكد رفقا أنّ أصحاب المشاريع هذه سيخفضون من أسعار إيجاراتهم هذا العام لتجذب زبائن أكثر، ومن المفترض أن “تفوّل” الشاليهات في عيد رأس السنة.
وفيما تحضّر بلدية كفردبيان موسم الشتاء بالتنسيق مع شركة Mzaar، يؤكد رئيس لجنة الإعلام في بلديه كفردبيان وليد بعينو في حديثه لـ”النهار”، أنّ الجبال لن تكسوها الثلوج قبل عيد رأس السنة بحسب الأرصاد الجوية، وهذه ظاهرة بتنا نراها تتكرّر في السنوات الماضية، وتؤخّر انطلاق موسم السياحة الشتوي.
وفي الأيام القليلة المقبلة، قد تملأ الثلوج سماكة حوالي 15 سم على ارتفاع 1800 متر، لكنّها لن تكون كافية لافتتاح موسم التزلج.
كذلك، بدأت المؤسسات السياحية من مطاعم وشاليهات وفنادق في المنطقة تتجهّز للموسم السياحي. ووصلت لدى أحد أهم الفنادق في المنطقة الحجوزات إلى 70 في المئة، بينما كانت في الفترة نفسها من العام الماضي 100 في المئة.
لذلك، يشعر الناس بنوع من التردّد في توجّههم إلى المناطق الجبلية في الأعياد، من جهة لغياب الثلوج الآن، ومن جهة أخرى بسبب الأحداث الراهنة.
ويلفت بعينو إلى أنّ الشاليهات امتلأت بمعظمها، “فقد استأجرها أشخاص أتوا من الجنوب هرباً من الأحداث الأمنية على الحدود”.