هل يصل توافق التمديد إلى بعبدا؟
يراهن ديبلوماسي عربي ناشط في إجتماعات اللجنة الخماسية، على أن خطوة التمديد لقائد الجيش ومديرعام قوى الأمن الداخلي، يجب أن تساعد على فتح الأبواب المغلقة في الإنتخابات الرئاسية، تعزيزاً لبوادر التقارب الذي حصل بين أطراف سياسية وكتل نيابية، في التصويت على قانون التمديد، وأدّى إلى إنقاذ الوضع اللبناني من السقوط في متاهات داخلية وأمنية، قد لا يستطيع لبنان تحملها، في ظل الأزمات المستفحلة التي يتخبط فيها منذ فترة.
الواقع أن التوافق العريض، الذي جمع أطياف المعارضة، رغم تناقضاتها المعروفة، مع كتلة التنمية والتحرير، يمكن أن يسحب نفسه، على إستحقاقات أخرى، من شأنها أن تساهم في إخراج البلد من دوامة الدوران في الحلقة المفرغة، ودوائر الفشل والعجز، التي تُفاقم الأزمات، وتزيد أوضاع البلاد والعباد تردياً.
لقد أثبتت تجربة الشغور الرئاسي المريرة، عقم شعار مقاطعة «تشريع الضرورة»، لأنها عطلت مجلس النواب عن القيام بمسؤولياته التشريعية، وتلبية متطلبات البنك الدولي والهيئات الدولية الأخرى، في إقرار الإتفاقيات التمويلية، وعرقلة تنفيذ بعض المشاريع الحيوية، فضلاً عن إتساع الهوة بين الأطراف السياسية، حتى داخل الجبهة الواحدة، سواء بالنسبة لفريق السياديين والتغييريين، أو حتى لفريق الممانعة، بعد تعرض «تفاهم مار مخايل»، بين حزب الله والتيار العوني لهزة عنيفة في الصيف الماضي. وكشفت نتائج جلسة التمديد، أهمية الفرصة التي أضاعتها المعارضة عندما رفضت مبادرة الرئيس نبيه برّي بالدعوة لجلسات حوار على مدى ثلاثة أيام، على أن تعقبها دعوة لجلسات مفتوحة ومستمرة لإنتخاب رئيس الجمهورية، وإنهاء الفراغ في قصر بعبدا. لقد شككت يومها القوات اللبنانية وبعض الأطراف الأخرى، بجدية مبادرة رئيس المجلس النيابي، وأعتبرتها مجرد مناورة للإستدراج إلى حوار غير مجدي، والهدف منه فرض مرشح الثنائي الشيعي.
وكلام رئيس القوات اللبنانية في أعقاب الجلسة النيابية كان واضحاً، في الإشادة بموقف الرئيس برّي وإدارته البارعة للجلسة، والذي لعب دوراً حاسماً في الوصول إلى الخواتيم السعيدة. وبكلام اخر لولا موقف برّي لما أمكن صدور قانون التمديد من مجلس النواب.
لعل هذه الوقائع هي التي دفعت الدبلوماسي العربي إلى الرهان على تحقيق خرق في جدار الأزمة الرئاسية، خاصة في حال أقدمت الأطراف السياسية المعنية، على تلقف فرصة الأجواء التوافقية التي سادت في الجلسة النيابية الأخيرة، وراحت تبني عليها المزيد من خطوات التقارب والتفاهم المتبادل، والعمل على تدوير زوايا الخلافات، وصولاً إلى نقاط مشتركة، تساعد على أنجاز الإستحقاق الرئاسي، وبالتالي إعادة البلد إلى مسار الإنتظام في عمل المؤسسات الدستورية، وإطلاق ورشة نفض غبار الإنهيارات المتراكمة، وإعادة الحياة إلى مشاريع الإصلاح، التي تبقى الممر الإجباري للعبور إلى شاطئ الإنقاذ، بعد أربع سنوات ونيّف من هدر الفرص والضياع.
أما في حسابات الربح والخسارة في الميزان السياسي، يمكن القول أن رئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل، قد ضاعف خسارته بيديه شخصياً، عندما ذهب بعيداً في مؤتمره الصحفي قبل يوم من موعد إنعقاد الجلسة، وشن خلاله هجوماً شخصياً على العماد عون، قاطعاً شعرة معاوية، مع قائد الجيش الذي تم تعيينه من قبل الفريق العوني ذاته. لم يتحدَّ باسيل في مؤتمره مؤيدي التمديد في الداخل وحسب، بل إستهزأ بالثقة التي يحظى بها العماد عون لدى عواصم القرار العربية والدولية المعنية بالوضع اللبناني، والتي تقتصر دعمها للبنان في هذه المرحلة على الجيش اللبناني، تأكيداً للمناقبية ونظافة الكف، والصيت الحسن الذي يتمتع به الرجل في الأوساط الخارجية.
في حين عمد حليف التيار، حزب الله، إلى تحييد نفسه عن الغوص في الأمور الشخصية، وصون العلاقات المهنية والواقعية مع قيادة المؤسسة العسكرية، إدراكاً لأهمية إستمرار مسيرة الثقة والتعاون بين الطرفين، خاصة في الظروف المقلقة المهيمنة على الحدود مع العدو الإسرائيلي.
الكرة اليوم في ملعب القوات وكل الفرقاء السياديين والتغييريين للتقدم خطوة، بل خطوات مدروسة نحو عين التينة، لملاقاة رئيس المجلس النيابي وفريقه، في نقطة التلاقي التي أنتجت قانون التمديد، للتقدم معاً نحو فتح أبواب قصر بعبدا، في أسرع وقت ممكن.