باسيل يرث معارك عون… بمكاسبها “الصغيرة” وهزائمها “الكبيرة”
من يتذكّر كيف تأسّس «التيار الوطني الحرّ» وكيف بنى العماد ميشال عون شعبيته وجذب الناس التوّاقين لعودة الدولة، يظنّ أنّ الشغل الشاغل لهذا «التيار» وكوادره هو الدفاع عن المؤسسة العسكرية وعن بقية المؤسّسات. لكن الحقيقة مغايرة للمبادئ العونية التي نادى بها الجنرال وورثها رئيس «التيار» النائب جبران باسيل. وهذا ما ظهر في الهجوم الصاعق الذي شنّه باسيل على قائد الجيش العماد جوزاف عون.
عاد العماد ميشال عون من باريس في 7 أيار 2005، وراح يفتح معارك متنقّلة مع الأجهزة الأمنية وبقية المؤسّسات. وبدل احتضان الجيش والقوى الشرعية وقّع «إتفاق مار مخايل» مع «حزب الله» وأمّن الغطاء المسيحي لـ»الدويلة» التي من خلالها مدّ «الحزب» أذرعه داخل المؤسسات.
أوّل صدامات «التيار الوطني الحرّ» كان مع قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات، ووصل إلى حدّ وصف هذه المؤسسة بالميليشيا، وبارك غزوة 7 أيار 2008 التي ضربت هيبة الدولة.
بعد سيطرة الفراغ الرئاسي خريف العام 2007، تنازلت قوى 14 آذار عن ترشيح النائب بطرس حرب والنائب السابق نسيب لحود ورشّحت قائد الجيش العماد ميشال سليمان، حينها اعتقدت هذه القوى أنّ «التيار» سيسير بالترشيح نظراً إلى البطولة التي قدّمها الجيش في معركة نهر «البارد» وقيادة سليمان الجيش في أصعب مرحلة، لكن عون رفض هذا الأمر. ويروي أحد السياسيين المخضرمين الذي شارك في مفاوضات الدوحة أنه بعد التوجّه إلى العاصمة القطرية أيار 2008، كاد عون يُسقط الإتفاق، فعرض هذا السياسي على أحد القادة القطريين تقديم جائزة ترضية إلى عون، فدخل القطري غرفة عون وقدّم ما يريد فمشى بـ»اتفاق الدوحة».
عطّل «التيار الوطني» و»الثنائي الشيعي» النصاب الرئاسي أكثر من 7 أشهر، مانعين الجمهورية من انتخاب رئيس حتى انتخاب سليمان في 25 أيار 2008، وعند نهاية ولاية سليمان، عمد «التيار» و»الثنائي» إلى تعطيل النصاب سنتين و5 أشهر تاركين الجمهورية أيضاً بلا رئيس. وخلال هذه المدّة، قاد «التيار» معركة إسقاط العماد جان قهوجي رافضين التمديد له، وذلك لشطبه من اللائحة الرئاسية، لكن حكومة الرئيس تمام سلام جدّدت له ولم تأبه للتظاهرات العونية ضدّ قائد الجيش والحكومة.
ويكشف السلوك العوني رغبة جامحة في ضرب المؤسسات التي يرأسها ماروني، فعلى سبيل المثال، مدّد مجلس الوزراء لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في جلسة ترأّسها الرئيس ميشال عون، وبعد التمديد الذي حصل بتوقيع عوني، قاد عون بنفسه معركة إسقاط سلامة الذي كان يرتكب التجاوزات قبل التمديد، وبعده.
وتأتي معركة إسقاط قائد الجيش العماد جوزاف عون كأولوية لدى «التيار الوطني»، وهناك فارق كبير هذه المرّة، ففي السابق كان عون يقود المعركة وباسيل يسانده، أما اليوم، فباسيل في الواجهة بعدما تسلّم القيادة العونية، ويحاول استخدام الرئيس السابق عون ضدّ العماد عون، لكن معركة شطب الأخير تبدو أصعب من سابقاتها، لأن من يقود معركة قائد الجيش هو البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بنفسه، وهناك تأييد غربي وعربي لهذا التمديد في هذه الظروف الاستثنائية.
من قال «ماذا ذهب يفعل النقيب الطيار سامر حنا في تلة سجد؟»، لا يتفاجأ من السلوك القائم على ضرب المؤسسات الشرعية من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية حسب عاملين على خطّ التمديد. وتبدو معركة باسيل اليوم بلا أفق، فلا يوجد من يسانده في معركة إسقاط العماد جوزاف عون إلا «حزب الله» إذا قرّر ضرب آخر معاقل الشرعية لاستكمال مشروع «دويلته»، مستفيداً من موقف باسيل و»التيار» الذي يفاوض على السلطة ويمنح «الحزب» القرار الاستراتيجي، فهل يكسب باسيل معركة التمديد ويخسر الوطن؟