أونصات ذهبية مزوَّرة من العراق وسوريا: الحلّ بالأرقام التسلسلية
شجَّعَ ارتفاع سعر الذهب عالمياً، الكثير من اللبنانيين على بيع ما لديهم من أونصات أو ليرات ذهبية كانوا اشتروها حين كانت الأسعار أقل. فسعر الأونصة على سبيل المثال تحرَّك من محيط الـ1800 دولار إلى نحو 1900 دولار، ثم تجاوز الـ2000 دولار. وشكّلت حركة البيع المرتفعة، فرصة لمزوِّري الذهب لنشر أونصات وليرات مزوَّرة في السوق، وَقَعَ الكثير من الصاغة ضحيّتها، نظراً لإتقان تزويرها وصعوبة كشفها إلاّ بعمليات معيَّنة، عادة ما تجري في وقت لاحق. ولتفادي الوقوع في فخّ التزوير، اعتمدَت معامل الذهب طريقة آمنة رحَّبَ بها الصاغة وقلَّصَت عمليات التزوير بنسبة كبيرة، خصوصاً وأن الكثير من الأونصات والليرات المزوَّرة كانت تأتي من وراء الحدود.
تزوير مُتقَن
التمسَ سوق الذهب في لبنان محطّتان لافتتان زادت خلالهما عمليات بيع الأونصات والليرات، الأولى تتكرَّر مع تحرّك الأسعار عالمياً والثانية في فترة انتشار فيروس كورونا في العام 2020، بالتوازي مع انهيار سعر صرف الليرة وتصاعد سعر الدولار.
خلال المحطّة الثانية، لاحظَ الصاغة في مختلف المناطق اللبنانية، ارتفاع معدّل بيع الأونصات والليرات من قِبَل أشخاص كان يظهر عليهم خلال عملية البيع، سلوكاً غريباً يدفع صاحب محل الذهب إلى التدقيق في البضاعة قبل شرائها من الزبون. ومع ذلك تتمّ عملية البيع والشراء ليكتشف الجوهَرجيّ لاحقاً أنه وقع ضحيّة أحد المزوِّرين.
يكشف أحد أصحاب محلات المجوهرات كيف تمّ خداعه من قِبَل مزوِّرٍ أتقنَ “صنعته” ونجح في تمرير أونصة. ويشرح لـ”المدن” أنه “لم يكن هناك أي إشارة إلى أن الأونصة مزيّفة، فالشكل والأرقام والمنحوتات والوزن تتطابق تماماً مع الأونصة الأصلية”.
يقول الجوهرجيّ الذي يفضّل عدم التصريح عن اسمه، أن الزبون “لم يفاوض على السعر، وهذا أوّل سلوك غريب، إذ يتوقَّع صاحب المحلّ أن يفاوض الزبون لبيع قطعته بأعلى سعر ممكن، وفي العادة يمكن أن يكسب الزبون بعض الدولارات إذا فاوَضَ عليها. لكن صاحب الأونصة المزوَّرة لم يفاوض، بل أعجبه السعر”. أوقَعَ المزوِّر نفسه في الفخ عندما ارتكب “حماقة” قاتلة، إذ عَرَضَ على الجوهرجي “المزيد من الأونصات”، فوافق الجوهرجي على شرائها. وفي تلك اللحظة “تأكّدت بأن هناك ما يدعو للقلق، لكنّي أردت أن أوقِع به”.
ولحسم الجدل، توجّه الجوهرجي إلى زميله الذي يملك مشغلاً للذهب. “وما إن وجّهنا النار نحو الأونصة، حتى بات لونها أسوداً، ما يعني أن فيها مواداً أخرى غير الذهب، وأنها ليست من عيار 24 قيراطاً”. حافظَ الرجل على هدوئه وانتظَرَ عودة المزوِّر بأونصاته الخمس التي ذهب ليجلبها من منزله حسب زعمه “وما إن دخل المحل وعَرَضَ الأونصات علَيّ، أخبرته أن الأونصات مزوَّرة وأنه محتال. أنكَرَ الأمر، فقلت له بأن المحل مزوَّد بكاميرات عالية الدقة تلتقط الصورة والصوت، وأنه بكلمة واحدة يمكن لأصحاب المحال المجاورة التجمُّع والقبض عليه وتسليمه للقوى الأمنية. علماً أن مخفر قوى الأمن الداخلي يبعد أمتاراً قليلة عن السوق. فاعترفَ المزوِّر بفعلته وأعاد المال وطلبَ عدم تسليمه للقوى الأمنية”.
موافقة الجوهرجي على عدم اللجوء للقوى الأمنية نابعة من “الروتين الذي تتضمّنه عملية الإبلاغ عن عملية الاحتيال. فالقوى الأمنية ستستدعيني أكثر من مرّة، والكثير من الأسئلة ستُطرَح عليّ، وقد أتوجَّه إلى النيابة العامة وأخضع للأسئلة، وكل ذلك سيعني خسارة الوقت والمال إذا أقفلت المحلّ، وكلّ ما أريده هو استعادة مالي”.
أونصات وليرات من العراق وسوريا
على مدى نحو 3 سنوات، نشطت عمليات التزوير وشملت كافة المناطق اللبنانية. وخلصت تحقيقات القوى الأمنية مع بعض الموقوفين، إلى أن “الكثير من الأونصات والليرات المزوَّرة كان يؤتى بها من العراق وسوريا”، وفق ما يقوله لـ”المدن”، نقيب تجار الذهب والمجوهرات في لبنان، نعيم رزق، الذي يؤكّد أن التزوير “يطال الأونصة العادية المتعارف عليها في لبنان، والأونصة السويسرية المطلوبة عالمياً والمعروفة بأنها أهم أنواع الأونصات”.
لا يقتصر الأمر على القطع الآتية من سوريا والعراق، فانكشاف عدد كبير من مزوِّري الذهب، أوصَلَ القوى الأمنية، بحسب رزق، إلى “معامل في لبنان تقوم بالتزوير عبر خلط الذهب مع مواد أخرى، وخصوصاً النحاس، والتقليل من جودة الذهب وإنقاص عياره من 24 إلى 18 قيراطاً أو أقل، مع الحفاظ على اللون والوزن وسماكة القطعة، ثم بيعه على أنه من عيار 24 قيراطاً. كما يقوم بعض المعمل بتزوير مصاغ أخرى عبر حشو الأساور أو السلاسل بالحديد وتغليفها بالذهب. وقد أقفلت القوى الأمنية عدداً من تلك المعامل واعتقلت المزوّرين”. إلا أن تزوير الأونصات والليرات أفضل بالنسبة للمزوِّرين لأن أسعارها أعلى ويشتريها الصاغة أكثر من أي قطعة ذهبية أخرى كالحُليّ.
الاعتقالات وإقفال المعامل المزوِّرة، لم يوقِف عمليات التزوير بشكل نهائي. ما حذا ببعض المعامل إلى ابتكار حلٍّ يساهم في حماية أصحاب محال المجوهرات، وذلك عبر وضع الأونصات والليرات بغلاف يحمل رقماً تسلسلياً يُسَجِّله المصنع عند تسليم القطعة لصاحب المحل أو التاجر، الذي بدوره يسجّله على فاتورة الزبون عند بيع القطعة. وبالتالي، يتأكّد الزبون أن قطعته غير مزيّفة، ويتأكّد صاحب المحلّ أن القطعة التي قد يشتريها مجدداً من الزبائن، ليست مزوَّرة. فلا يكفي بالنسبة لأصحاب المحال أن يحمل الزبون فاتورة بالأونصة أو الليرة التي يأتي لبيعها، فقد لا تكون القطعة التي يحملها هي القطعة نفسها التي اشتراها وحصل بموجبها على الفاتورة. ولذلك، يبقى الرقم التسلسلي هو الحل الأنسب.
السوق “نظيف”
لا يستدعي وجود الأونصات أو الليرات المزيّفة، قلقاً من ناحية الزبائن. إذ يطمئن رزق إلى أن السوق نظيف، ولا يمكن القول أن القطع المزوَّرة منتشرة إلى حدٍّ مقلق، بل على العكس تماماً، فالزبون يحمي حقّه لدى البائع، والأخير هو الذي يتحمّل مسؤولية أي قطعة مزيّفة. ومع وجود الرقم التسلسلي، أصبح بإمكان الزبون الاطمئنان إلى المزيد من الحماية.
ويؤكّد رزق على أن “النقابة لا ترضى بأن يُخدَّع الزبون. وهي تراقب هذه العمليات من خلال التواصل مع أصحاب المحال ومع وزارة الاقتصاد صاحبة الاختصاص أيضاً في حماية المستهلك”. ومن مصلحة النقابة أيضاً رفع مستوى الرقابة والجهوزية والتواصل مع أصحاب المحال لأنه “إذا كان أحد الزبائن قد يقع ضحية التزوير، فإن مقابله قد يقع 50 جوهرجياً ضيحة، لأن المزوِّرين يقصدون المحال لبيع قطعهم، ولا يبيعونها مباشرة للزبائن في الشارع”. ومع ذلك، يتمنى النقيب على أي شخص عدم استسهال شراء الأونصات أو الليرات الذهبية من خارج محال الصاغة، وإنما ينصح بالشراء من المحال المرخّصة والحصول على فواتير وأرقام تسلسلية.