صفقة «تحرير» الرئيس: هذه مستلزماتها
إلتقط الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان فرصة الهدنة في قطاع غزة، لإعادة تنشيط مهمته في لبنان وتفعيل سعيه الى تأمين البيئة الملائمة لانتخاب رئيس الجمهورية… ولكن هل باتت الظروف الحالية مهيأة اكثر من ذي قبل لإنجاز هذا الاستحقاق ام انه سيبقى عالقاً في دوامة الاننتظارات وهذه المرة الى حين تبيان مشهد النهاية في الحرب على غزة وانعكاسه على الحسابات الرئاسية؟
لعل لودريان اكتشف انّ الوصول إلى هدنة بين القوى الداخلية التي تتنازع على هوية الرئيس المقبل أصعب من التهدئة في غزة، وان صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الاسرائيلي هي أسهل من إطلاق سراح رئيس الجمهورية اللبنانية الذي لا يزال اسمه أسير الحسابات المتعارضة.
ثم من غير الواضح ما اذا كان لودريان قد عاد الى لبنان كعازف منفرد ام كممثل لتوجّه مشترك لدى المجموعة الخماسية التي تضم الى جانب فرنسا كلّاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر.
الأمر الوحيد المؤكد هو انّ الجولة الجديدة للودريان على القوى الداخلية لن تكون حاسمة ولا حتى ممهّدة لحسم قريب بل انها أقرب الى ان تكون محاولة من الموفد الفرنسي لاستعادة «اللياقة البدنية» في «ماراثون سياسي» مُضن ومتعب.
ويؤكد مصدر دبلوماسي عربي تشارك بلاده في اللجنة الخماسية، ان لودريان يعكس إجمالا في تحركاته وطروحاته موقف فرنسا على الأخص، وهو لم يُكلف رسميا من قبل «الخماسية» بأن يتولى تمثيلها في حراكه ولم يعين ناطقا باسمها كذلك، وإن حصلت احيانا تقاطعات او توافقات بينه وبين اعضاء اللجنة.
ويلفت المصدر الى انّ زيارة لودريان الراهنة الى بيروت غير منسقة مع دول اساسية في «الخماسية»، وبالتالي فإنّ ما طرحه خلال لقاءاته يترجم الموقف الفرنسي ولا يلزم كل اطراف «الخماسية» بالضرورة، الا اذا قرر التشاور مع جميع اعضائها بعد انتهاء زيارته ليطلعهم على حصيلة لقاءاته، وينسج وإيّاهم مقاربات مشتركة.
ويشدد المصدر على أربعة ثوابت او مستلزمات تتحكّم بمقاربة دولته، الممثلة في «الخماسية»، حيال الاستحقاق الرئاسي وهي:
– ان لا يكون المرشح الى رئاسة الجمهورية فاسدا او متورطا في ملفات فساد.
– ان يكون لديه مشروع اقتصادي اصلاحي ينسجم مع صندوق النقد الدولي للخروج من نفق الازمة.
– ان يكون قادرا على ترميم علاقات لبنان الخارجية خصوصا مع الدول العربية والخليجية.
– ان يكون منفتحا على جميع المكونات الداخلية ومتفاعلا معها وليس رئيسا فئويا لا يمثل سوى البيئة التي يأتي منها.
ويكشف المصدر الدبلوماسي العربي ان دولته تعتبر ان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية هو أحد الذين تنطبق عليهم هذه المعايير، «ونحن لم نسمع منه ما يخالفها وبالتالي لدينا كل الثقة فيه، ونؤيد انتخابه رئيساً للجمهورية اذا توافرت له الأكثرية المطلوبة في مجلس النواب، وكذلك لا نمانع في انتخاب قائد الجيش اذا حظي بالدعم الكافي لإيصاله الى قصر بعبدا».
ويؤكد المصدر انّ بلاده، وهي وازنة في المنطقة، ترفض ميل بعض اطراف «الخماسية» الى فرض عقوبات على الشخصيات السياسية اللبنانية المتهمة بعرقلة الانتخابات الرئاسية، لأنّ من شأن ذلك أن يقطع التواصل والحوار مع لاعبين أساسيين وان يدفعهم الى العناد والتشدد أكثر كرد فِعل على معاقبتهم، وهذا لا يفيد في معالجة المأزق الرئاسي بل سيزيده تعقيداً.
ويلفت المصدر الدبلوماسي الى ان قيادته السياسية تعارض أيضاً فرض اي مرشح، «لأننا لا نريده أن يُحسب علينا وان نتحمل مسؤولية أفعاله لاحقاً، ولذا يجب حصول حد أدنى من التوافق الداخلي على الشخصية المناسبة، ونحن من جهتنا سندعمها وسنسعى الى مساعدتها وإنجاحها في حال تبين لنا انها تتحلى بالمعايير الأربعة الاساسية التي نتمسك بها».
ويشير المصدر الى انه اذا كان أي مكوّن في «الخماسية» يريد فرض مرشحه، فإن من شأن ذلك أن يُلقي عليه عبئاً ثقيلاً لأنه سيصبح مضطرا الى تحمّل تبعات تصرفات الرئيس المقبل خلال ولايته، وهذا ليس الخيار المناسب بل من الأفضل التشديد على المواصفات المطلوبة، ثم مساعدة اللبنانيين للتفاهم حول اسم يتناسب معها.