بعد 20 عاماً… ولادة قيصرية لنظام التقاعد
أقرّت اللجان النيابية المشتركة أمس الاول مشروع قانون «إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» بعد مرور 20 عاما على درسه، الا انه ورغم ذلك اعتبره البعض انه أُقر بتسرّع وان بعض البنود لا تزال بحاجة الى مزيد من الدرس. فما أبرز ما تضمنه المشروع؟ وما مآخذ كل من اصحاب العمل والاتحاد العمالي العام عليه؟
ما ان يتم الافراج عن قانون من المجلس النيابي حتى تظهر عوراته ويبدأ بعض النواب بالتصويب عليه رغم الاجماع على أهمية اقراره، المشهد نفسه تكرر مع اقرار قانون «إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» الذي ورغم اهميته ومرور 20 عاما على درسه، لا يزال لبعض النواب مآخذ وملاحظات عليه معتبرين انه أُقرّ على عجل. العثرة الاساسية التي كانت امام إقرار هذا المشروع كانت تتلخص برفض حركة أمل بأن يكون صندوق التقاعد والحماية خارج الضمان الاجتماعي ولمّا عادت عن مطلبها فتحت الطريق امام إقراره.
لكن سرعان ما برزت بعض المآخذ عليه عبّر عنها الاتحاد العمالي العام الذي اعتبر ان هناك تسرّعاً في اقرار هذا القانون الذي يحتاج الى إعادة دراسة شاملة نظرا للوضع المالي المستجد وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية. كما سجل العمالي بعض المآخذ على مشروع القانون وقد لخّصها رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر لـ»الجمهورية» بالاتي:
– إلغاء مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين الى النظام التقاعدي: رأى الاسمر انه لا يجوز إلغاء مبالغ التسوية التي يدفعها عادة اصحاب العمل عند انتهاء خدمة الاجير الى صندوق الضمان الاجتماعي، بل يجب ان يستمر صاحب العمل بدفعها حتى لو كان الاجير سينتقل الى النظام الجديد لأنّ هذه الخطوة تساهم في تمويل صندوق التقاعد وتغذيته.
– ينصّ القانون بنسخته الجديدة على انّ الأجراء الذين يختارون الخضوع لنظام تعويض نهاية الخدمة، يحقّ لأصحاب العمل تقسيط هذه المبالغ لمدّة لا تتجاوز عشر سنوات، على أن تُعفى أقساط السنوات الخمس الأولى من الفوائد. وسجّل الاسمر اعتراض العمالي على هذا البند باعتبار ان حصول الاجير على الفوائد هي حقوق مكتسبة له منصوص عليها في قانون إنشاء الضمان.
– تعديل عدد السنوات للانتساب الإجباري للنظام الجديد، وذلك برفعه من 44 سنة إلى 49 سنة. وفي السياق، يشرح الأسمر انه كان هناك اتفاق على انّ كل من يصبح عمره 44 عاما يدخل حُكماً الى نظام المعاش التقاعدي، بينما اللجان المشتركة رفعته الى 49 عاما. والمشكلة هنا ان بعض الاجراء على عمر 44 عاما يستحق لهم 20 عاما من الخدمة، لكن بعد هذا التعديل عليهم العمل 5 سنوات اضافية اي بما مجموعه 25 عاماً من العمل قبل ان يحق لهم الالتحاق بالنظام التقاعدي. أما اذا ارادوا التوقف عن العمل بعد 20 عاما من الخدمة فسيضطرون الى الالتحاق بنظام تعويض نهاية الخدمة، وقد اصبح التوجه نحو هذا الخيار راهنا في ظل الأزمة المالية وانهيار سعر الصرف سيئاً. وأوضح الاسمر ان هناك توجها اليوم نحو رفع المعاش التقاعدي ليشكل جزءا مقبولا من الحد الادنى للأجور، على ان يحدد ذلك في الهيئة العامة ويصدر لاحقاً بمراسيم تطبيقية.
وكشفَ انه تواصَل مع نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب وتم الاتفاق على لقاء قريب يتم خلاله مناقشة كل المآخذ المسجلة على القانون ومحاولة تحسينه وتعديل بعض النقاط في خلال اجتماع الهيئة العامة.
اما عن اسباب اعتباره ان هناك تسرّعاً بإقرار القانون رغم انه أُشبِع درساً في اللجان على مدى 20 عاما، فقال: رغم تحفظاتنا على القانون واعتراضاتنا على بعض ما ورد فيه الا اننا نعتبر اقراره في هذا الوقت إنجازاً وخطوة مهمة للطبقة العمالية، ونعوّل على تصحيح بعض البنود الواردة فيه في الهيئة العامة ولاحقاً بالمراسيم التطبيقية.
ولدى سؤاله عن مصادر تغذية هذا الصندوق ومدى الاستعداد للبدء بالسير به؟ أجاب: انّ هذا الصندوق سيتغذى من الاموال الموجودة في الضمان، شارحاً ان اموال نهاية الخدمة الموجودة في الضمان سيتحوّل جزء كبير منها الى النظام التقاعدي، الى جانب بعض مداخيل الاستثمارات المتأتية من مصادر عدة.
فهد
من جهته، قال نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، ممثل الهيئات الاقتصادية في اللجنة الفرعية في مجلس النواب د. نبيل فهد، لـ«الجمهورية» انّ مبدأ الهيئات الاقتصادية الاساسي كان بفصل فرع الامومة والمرض والتعويضات العائلية في الضمان الاجتماعي عن قسم نهاية الخدمة ونظام الشيخوخة او التقاعدي، لأننا نعتبر هذين القسمين مختلفين بمفهومهما العلمي والاقتصادي والمالي. وتابع: انّ صندوق نهاية الخدمة والمعاش التقاعدي يتّبع مبدأ الاستثمار ولا علاقة له بالضمان كـ«تأمين»، إنما هو يرتبط بتوفير مبالغ للاجراء للحصول على معاش تقاعدي بعد انتهاء سنوات الخدمة، لذا برأينا يجب ان يُدار بطريقة مهنية وعلمية ويكون مفصولاً عن التقديمات العائلية والمرضية والامومية التي هي ذات طابع تعاضدي.
وكشف فهد انّ الهيئات الاقتصادية لطالما شددت في خلال مشاركاتها الدائمة في اجتماعات إعداد نظام الصندوق التقاعدي على ضرورة ادارة هذا الصندوق باستقلالية تامة ومهنية من دون ان يخضع لأي تأثيرات سياسية ويكون هدفه خدمة الموظفين الذين يصلون الى مرحلة التقاعد كي يحظوا بمعاش دائم، لكن وللأسف لم تتمكن الهيئات من تحقيق هذا الهدف فهي سَعت لأن يكون الصندوقان مستقلين تماماً، لكن في النهاية بقي الصندوق التقاعدي من ضمن مؤسسة الضمان الاجتماعي لكنه يتمتع باستقلالية عملانية.
وقال: كانت للهيئات بعض الملاحظات على مشروع القانون تطال خصوصاً لجنة الاستثمار ومجلس ادارة الضمان التي يتوجّب عليها مراقبة عمل اللجنة، كما طالبت بأن يكون هناك استقلالية في حَوكمة الصندوق، لكن للأسف وضعت مؤسسة الضمان الكثير من الضوابط على صندوق التقاعد بما يجعله تحت مراقبتها.
ورداً على سؤال، اوضح فهد انّ الهيئات لم تعترض على ان يكون عدد السنوات للانتساب الإجباري للنظام الجديد 44 عاما، لكنها طالبت بألا يكون هناك خيار للموظف بين النظام التقاعدي ونظام نهاية الخدمة، اذ لا يمكن للمؤسسة الواحدة ان تسير بنظامين داخل مؤسستها، لافتاً الى انّ هذا المطلب قد يكون السبب وراء البند الذي ينص على «ان الأجراء الذين يختارون الخضوع لنظام تعويض نهاية الخدمة، يحقّ لأصحاب العمل تقسيط هذه المبالغ لمدّة لا تتجاوز عشر سنوات، على أن تُعفى أقساط السنوات الخمس الأولى من الفوائد». وخَتم بالقول: قد يكون الغرض من هذا الاقتراح تشجيع الاجراء للاتجاه نحو المعاش التقاعدي، كما يمكن اعتباره حلا وسطيا بين الخيارين: النظام التقاعدي ونهاية الخدمة.