“مشروع قانون يتعلق باصلاح وضع المصارف في لبنان” اليوم في السرايا…
على جدول اعمال مجلس الوزراء اليوم، في البند الثاني “مشروع قانون يتعلق باصلاح وضع المصارف في لبنان واعادة تنظيمها”، سبقته امس حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استهدفت رسالة وصلت الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من رئيس جمعية المصارف سليم صفير تتضمن اعتراضا على مشروع لا تشارك فيه المصارف وهي الأدرى باوضاعها. واذا كانت مصادر مصرفية تتهم نائب رئيس الحكومة بتسريب الرسالة الى اعلاميين قريبين منه، لكونه صاحب المشروع الذي يحيي خططا قديمة تم اسقاطها سابقا، فان الاساس يبقى في مضمون المشروع لا في شكله، وضرورته، من دون ان يتحول مادة خلافية اضافية، في غياب رؤية واضحة، تهدف الى اعادة الودائع لاصحابها، وتقاسم الخسائر، واعادة النهوض بقطاع حيوي وضروري لا يمكن الاستغناء عنه.
يعيش اللبنانيون منذ 4 سنوات فصولاً متسلسلة عن فيلم الودائع المفقودة وأصول المصارف الضائعة، واحتياطات مصرف لبنان الموهوبة وديون الدولة المهدورة، والكر والفر بين الدولة من جهة ومصارف لبنان من جهة أخرى. عدا عن المحاكمات الإعلامية الممجوجة حول تحديد المسؤوليات، ودور كل جهة في تعميق الأزمة المالية والنقدية وإفلاس المصارف وحجز ودائع وجنى أعمار الناس. بيد أنه لا محكمة تبت بالعدل والحقيقة، ولا ادعاء “من أصلو”، فالجميع ينتظر الجميع على الكوع، والجميع يسعى الى النفاذ بـ”ريشه” فيما الناس ينظرون الى المجهول ليستجدوا منه الأمل.
في اليونان، استغرق إقرار القوانين والتشريعات ذات الصلة بالأزمة الاقتصادية والمالية التي أصابت البلاد 4 أيام فقط، كانت كفيلة باسترجاع الهدوء الى الأسواق، وإعادة تنظيم وهيكلة المصارف المتعثرة، والاستعانة بالصداقات الأوروبية والدولية لتمويل خطط التعافي. وها هي اليونان تعود الى تحقيق نموّ جدّي واستقرار اقتصادي ونقدي متقدّم في السوق الأوروبية.
ماذا في لبنان اليوم؟ لجنة الرقابة على المصارف أعدت مشروعاً لإعادة هيكلة المصارف بالتنسيق مع مصرف لبنان والحكومة التي تستعد لإقراره، دون التشاور والتدارس مع جمعية مصارف لبنان المعنية الأولى بالمشروع، حول مصير مؤسساتها والودائع فيها، ومستقبل ملكيتها وموجوداتها، والآليات القانونية المطلوب إقرارها في المشروع للعمل مستقبلاً بموجبها للنهوض بالقطاع المصرفي. وفي السياق، كتاب من رئيس جمعية مصارف لبنان موجه الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، يسجل فيه ملاحظاته على المشروع المعد لهيكلة المصارف، وذلك قبل انتظار درس تفاصيل المشروع من الأعضاء كافة ورفع ملاحظاتهم الى الحكومة.
من هنا، تستغرب مصادر متابعة “الفوضى السائدة، وعدم وجود الحد الأدنى من التنسيق بين المسؤولين المعنيين بملف بحجم انهيار قطاع مصرفي كان الأعرق والأقوى في المنطقة، واللامبالاة المقصودة في تغييب المعنيين الفعليين بالملف عن المشاركة في صناعة خطة الهيكلة وصناعة مستقبل مصارف لبنان”.
وتؤكد أن القطاع المصرفي يحتاج إلى “مشروع لإعادة الهيكلة، خصوصاً بعد الضربة الموجعة التي تلقتها مصارفه منذ 17 تشرين، وضياع أموالها الخاصة وودائع الناس، لكن ما لا تحتاج إليه تلك المؤسسات أن يقرر لها وعنها، وتوضع لها الخطط المستقبلية دون أن يكون لها رأي في ذلك. فيكفي المصارف تنكر الدولة لحقوقها، وإصرار أهل الحكم على إبعاد مسؤوليتهم عن هدر مليارات الودائع، ليأتي اليوم من بيدهم الحل والربط، متسلحين بمطالب صندوق النقد وغيره من المؤسسات الدولية، لتمرير قانون يعزز فرص إنهاء الصناعة المصرفية اللبنانية العريقة، وذبح بقايا الحياة فيها، هي التي لا يزال يؤمل منها ويعوّل عليها الكثير في إعادة تفعيل وتنشيط الاقتصاد وتأمين انتظام الحركة المالية والنقدية وحتى التسليف بعد هدوء العاصفة”.
وفق الرسالة التي أرسلها صفير لميقاتي، فإن “مشروع القانون المتعلق بإصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها، والمعد من لجنة الرقابة على المصارف ومن مصرف لبنان والذي طلب فيه دولة نائب رئيس مجلس الوزراء إحالته الى المجلس لإقراره ثم إرساله الى مجلس النواب، لا يزال بحاجة الى إعادة نظر جذرية، نظراً لما يكتنفه من عيوب، خصوصاً حيال الأحكام الاستثنائية”. فبالنسبة لهذه الأحكام الاستثنائية، لا يزال المشروع ينطلق من مقاربة خاطئة لا يتوانى عن ذكرها صراحة بين أهداف المشروع العامة (المادة 3 منه) وهي الحد من استعمال الأموال العامة في عملية إصلاح وضع المصارف، وتحميل المصارف مسؤولية الأزمة المالية النظامية، التي يعرف القاصي والداني أنها نتجت عن سياسة الدولة ومصرف لبنان في تثبيت سعر الصرف وتغطية مصاريف القطاع العام من مؤسسات كمؤسسة كهرباء لبنان… وموظفين (سلسلة الرتب والرواتب…) وعن تخلف الدولة في تنفيذ التزاماتها القانونية في تغطية خسائر مصرف لبنان التي جرى التواطؤ على إخفائها، فضلاً عن تبديد ما بقي من احتياطي مصرف لبنان بعد اندلاع الأزمة وإلزام المصارف بقبض توظيفاتها في القطاع الخاص على سعر الصرف المسمّى خطأ “الرسمي” وقدره 1,500 ليرة للدولار الواحد.
وبرأي صفير فإن “عنوان المشروع خاطئ فالمصارف ليست بحاجة الى إصلاح، بل بحاجة إلى إعادة الدولة ومصرف لبنان ما أودعته لدى الأخير، تطبيقاً للقواعد القانونية المرعيّة الإجراء، لتعيده بدورها الى المودعين، وإن كانت المصارف تعرف إمكانيات الدولة اللبنانية، وهي مستعدة للتعاون لإعادة تفعيل القطاع المصرفي وإعادة أموال المودعين، فإنه لا يعقل تحميلها وحدها مسؤولية إعادة النهوض ولا معاقبتها، ولا وضعها تحت مقصلة “هيئة خاصة” تقرر مصيرها منفردة بموجب قرار واحد نهائي ومبرم”.
ثمة لاءات عدة أوردها صفير في تحديده للمسؤوليات. أولى هذه اللاءات أنه “إذا كان المشروع يعترف بصورة غير مباشرة بمسؤولية الدولة، لكونه يربط تقييم المصارف بحجم الخسارة الناتجة عن سندات اليوروبوندز وعن تخلف مصرف لبنان عن إعادة الودائع، فإنه لا يجوز إخضاع المصارف لمهل قصيرة بهدف إعادة تمويلها تحت طائلة التصفية. فالمصارف تحاول امتصاص خسائر لم تتسبب بها، فيقتضي مساعدتها في هذا المجال وليس معاقبتها”.
ثانيتها أنه “لا يجوز أيضاً تحميل أعضاء مجلس الإدارة الحاليين والإدارة العليا وكبار المساهمين والمفوضين بالتوقيع ومفوضي مراقبة المصارف مسؤولية الأزمة التي نتجت بصورة رئيسية عن تخلف الدولة اللبنانية عن تسديد التزاماتها ولا يجوز حجز أموالهم، إلا إذا ثبت خطأهم. وكان المشروع قد اعتمد هذه القاعدة في الباب السادس منه، إلا أنه ما لبث أن عاد عنها في الأحكام الاستثنائية، التي في إشارتها الى تطبيق الباب الخامس على حالات التصفية، تناقض نفسها بنفسها لهذه الجهة”.
والـ”لا” الأهم هي أنه “لا يجوز إعفاء كل المشاركين في القرارات المقررة لمصير المصارف من أي مسؤولية عن أخطائهم، بما يشجعهم على الإهمال واللامبالاة، بل يجب على كل منهم أن يتحمل مسؤولية تصرفاته في هذه الظروف العصيبة”.
وخلص صفير الى أن لدى الجمعية المصارف ملاحظات تفصيلية عدة حول هذا المشروع، مستعدة لوضعها بتصرفكم، متمنياً على ميقاتي “إعادة النظر في هذا المشروع المصيري ليس فقط للقطاع المصرفي بل للاقتصاد الوطني ككل”، مجدداً استعداد جمعية المصارف للتعاون مع الجميع في سبيل وضع مشروع سليم وواقعي ومتكامل، في سبيل إعادة النهوض بالقطاع المالي.
حمود: هذه هي خريطة الحلّ!
توازياً، طرح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف #سمير حمود خريطة طريق لحل الأزمة المصرفية، إذ أكد أن “لا حل لأزمة النظام المصرفي قبل معالجة موضوع اليوروبوندز، ومعالجة مصير إيداعات المصارف لدى “المركزي”، وكذلك فجوة مصرف لبنان، والتشريع لكيفية إعادة المصارف ودائع المودعين حتى ولو على المدى الطويل، وحينها يمكن للمصارف أن تبدأ من جديد برسملة صحيحة وسيولة صحيحة وبعمل مصرفي صحيح يضمن قبول ودائع جديدة وإعطاء قروض جديدة بأسس وقوانين وتشريعات جديدة تضمن للقطاع المصرفي كيانه وحضوره”.
وإذ اعتبر حمود أن “مشروع القانون لم يلحظ مدى تغطية الودائع والمطلوبات من أرصدة المصارف لدى مصرف لبنان لأجل تحديد حجم العجز في الأموال الخاصة والسيولة لأي مصرف، سأل “كيف يمكن تقييم الوضع لأي مصرف إن لم يتم تقييم موجوداته لدى مصرف لبنان، وكيف يمكن تقييم السيولة إن لم تكن موجوداته لدى مصرف لبنان قابلة للسحب أو التسييل”، فالمشكلة الأساسية برأيه هي في تغطية الودائع والمطلوبات من الموجودات وأساسها إيداعات المصارف لدى مصرف لبنان ومعها سندات اليوروبوندز، إذ إن استمرار الإخلال بالسداد غير المنظم لن يسمح بإعادة تصنيف لبنان”، مؤكداً أنه “لا يمكن الدخول في معالجة أزمة النظام المصرفي إلا من خلال قيام الدولة بدورها الصحيح في الاتفاق مع الدائنين لإعادة جدولة ديون اليوربوندز، بما يسمح بإعادة التصنيف المالي للدولة من وكالات التصنيف الى ما كان عليه أي B وB-“. وأضاف “إن كانت الموجودات بما فيها حسابات المصرف لدى مصرف لبنان لا تغطي المطلوبات فالمصرف عندها يخضع للتقييم وللإصلاح والتصفية، أما إذا استثنى المشروع أموال المصارف لدى مصرف لبنان، فالمصارف كلها دون استثناء خاضعة للتصفية لأن الأموال الخاصة لا يمكن أن تتحمل الخسائر. أما إذا اعتبرت أموال المصارف لدى مصرف لبنان قائمة بقيمتها الدفترية، فيمكن لبعض للمصارف أن تتمتع بملاءة، لكن يبقى موضوع السيولة غير متوافر، ويستوجب أن يلحظ القانون تناسباً في الاستحقاقات في الودائع من جهة وأموال المصارف في مصرف لبنان من جهة أخرى حيال حقوق السحب واسترداد الودائع”. ووفق حمود فإن “النظام المصرفي في أزمة نتيجة التمركز في موجودات المصارف لدى مصرف لبنان وديون اليوروبوندز، وإن لم تعالج كيفية استرداد هذه الأموال، فلن يكون بالإمكان تحديد الملاءة أو السيولة لأي مصرف”.
وبرأي حمود “المطلوب تشريع يتناول أولاً الودائع العائدة لما قبل تشرين 2019 ومقاربتها مع أموال المصارف في مصرف لبنان وديون اليوربوندز، وإضافة تحديد الملاءة والسيولة وفقاً لبازل دون الحاجة الى البنود الفضفاضة المذكورة في مشروع القانون”.