“الثنائي الشيعي” وبكركي: تحدّيات الحياد والحوار
لم تكن الحملة المستهجنة ضدّ شخص ومقام البطريرك الماروني بشارة الراعي مسألة عابرة أو بسيطة، وقد شاركت فيها شخصيات شيعية دينية كان يُفترض أنّها جزء من عملية «الحوار الإسلامي المسيحي»، فأرادت كسر شوكة بكركي وإسكات الأصوات المعترضة على استغلال القرى الحدودية واستعمالها كمنطلق للأعمال القتالية في الجنوب ما أدّى إلى تهجير أهلها وتدمير بيوتها ومرافقها وتخريب الحياة فيها… لكنّ تلك الحملة اصطدمت بصخرة بكركي التاريخ والحاضر واضطرّ داعموها للتبرّؤ منها وإعادة فتح باب الحوار من خلال المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى كمدخل لعودة التواصل مع «حزب الله».
كادت الحملة على البطريرك الراعي تطيح قواعد التواصل بين المرجعيات الشيعية والمسيحية، الأمر الذي استدعى تدخّل الرئيس نبيه بري بشكل شخصيّ لإيقاف ما اعتبره «حملات الإفتراء» المرفوضة على مقام البطريرك الراعي حيال دعوته الصادقة الى دعم النازحين اللبنانيين، ليضيف في بيان «إن دعوة غبطته لدعم النازحين تُعبِّر عن موقف رساليّ وطني جامع، إنني إذ أنوّه بدعوة غبطته في هذا المجال، نستنكر الحملة التي تعرّض لها عن سوء فهم ليس إلا».
وحسب المعلومات، فإنّ تحرّك نائب رئيس المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى الشيخ علي الخطيب للقاء البطريرك الراعي جاء بتشجيعٍ من بري في محاولة لاحتواء الموقف الذي أعاد تظهير الاشتباك المسيحي الشيعي بشكل يهدِّد بتداعيات سياسية تؤدي إلى تظهير التعطيل الشيعي للمراكز المسيحية العليا في الدولة.
كان الهدف من زيارة الخطيب أمرين:
ــ الأول: التبرّؤ من المسؤولية عن القصف الذي يخرج من القرى المسيحية ويستدرج قصفاً إسرائيلياً لهذه القرى، والتأكيد على رفض الحرب، والتبرّؤ كذلك من الحملة التي تعرّض لها البطريرك الراعي من أوساط شيعية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ــ الثاني: طرح فكرة عقد قمة روحية لرؤساء الطوائف الإسلامية والمسيحية. لكنّ هذا الطرح يواجه صعوبات كبيرة لأنّ القرار الشيعي الفعلي هو في يد «حزب الله»، ولأنّ الرأي العام المسيحي واللبناني يعتبر أنّ برّي هو الذي يعطِّل مجلس النواب.
ولا شكّ أنّ تعالي البطريرك الراعي على ما تعرّض له من إساءات شكّل مدخلاً لوأد الفتنة وتمهيداً للبحث العميق في أزمة القرى الحدودية التي لم يعد ممكناً السكوت على ما تتعرّض له من استهداف إسرائيلي بسبب استخدام أراضيها في الأعمال القتالية بل طالها القصف من الداخل اللبناني، وهو ما دفع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى الحديث العلني والمباشر عن هذه المخاطر وضرورة إيقاف ما يجري لأنّه أنتج تدميراً وتهجيراً لا يحتمله اللبنانيون.
لم يتأخّر البطريرك الراعي في أداء واجب العزاء للنائب محمد رعد في استشهاد نجله عباس في غارة إسرائيلية وهذا ما فتح الباب أمام قنوات الاتصال بين «حزب الله» وبكركي لطلب موعد لوفد قيادي يزور بكركي لشكر البطريرك على التعزية ولمحاولة احتواء الأزمة الناشئة عن الحملة على الراعي فضلاً عن المشكلة الأساس المتمثلة في تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وعرقلة ملء الفراغ في قيادة الجيش وكلّ ما يتفرّع عن تعطيل الحياة السياسية.
ولتهدئة الأجواء أوعز «حزب الله» إلى الذين أطلقهم ضدّ البطريرك الراعي بالانكفاء، ومنهم أحد المعمَّمين السُّنة… ويُتوقّع أن يدفع «الحزب» كل حلفائه لتبريد استهداف بكركي وأن يبدأ «الحزب» محاولة إغراق اللقاء مع الراعي بالأسماء والتفاصيل حول قيادة الجيش لإحراجه بدلاً من ترك الأمور للانسياب القانوني والدستوري كما هي مواقفه الحالية وكما هي مواقف المعارضة.
سيكون «حزب الله» معنياً من خلال التواصل مع بكركي بتجاوز فشل سياسته التي تعتمد زجّ لبنان في الصراعات، بينما يتمسّك الراعي بحياد لبنان، وقد أظهرت أحداث الجنوب صوابية الطرح البطريركي بينما يضع الحزب البلد على حافة هاوية الحرب.
لقد تضخّمت الأزمة الناتجة عن استباحة القرى الحدودية في الجنوب وهذا الملفّ يشكّل أولوية لدى بكركي استدعت إطلاق النداء لإغاثة الأهالي من خلال تبرعات الكنائس (واقعة الصواني) ولم تعد أيّ مرجعية قادرة على تجاهل معاناة الناس في المناطق الحدودية… بينما يبقى سؤالٌ محيّر حاضراً بقوّة: كيف يمكن للحزب أن يصعِّد ضدّ البطريرك الراعي في السياسة ثم يتحدث عن الحوار، وأيّ فُرصٍ لهذا الحوار؟