لودريان آتٍ بـ«مبادرة» ما بعد غزة…
يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قريباً الى لبنان في ختام جولة له إلى المنطقة، آتياً في مهمّة مزدوجة: نقل رسالة فرنسية تشدّد على عدم توسّع الحرب الى لبنان والمنطقة، ومعاودة تحريك ملف الاستحقاق الرئاسي اللبناني الذي تتعاون فرنسا فيه مع بقية المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية.
يهدف التحرّك الفرنسي المتجدّد، حسب مصدر ديبلوماسي اوروبي، الى منع توسّع رقعة الحرب وعدم انجرار لبنان الى التصعيد، ولهذا فإنّ فرنسا عبر ديبلوماسيتها، تبعث برسائل الى مختلف الاطراف اللبنانية والى اسرائيل، وهذه الرسائل مرتبطة ايضاً بوضع المؤسسات، لأنّ الاوضاع بلغت مرحلة باتت تُطرح فيها «مسألة اليوم التالي»، فالحرب في غزة لا بدّ من معالجتها، فيما جنوب لبنان بات في حالة حرب، وبات من المفيد ان يتمّ الحديث عن اليوم التالي، فالهدنة قد تفتح نافذة للتنفّس، ولذا المطلوب ان يُعالج الوضع في الجنوب، وهذه المعالجة ستحصل مع لبنان او من دونه، ولكن من الأفضل ان تحصل مع لبنان وفق ما ترى فرنسا، ولأجل ذلك يجب إيجاد سلطات لبنانية تتحمّل المسؤولية، فعدم وجود رئيس جمهورية يشّكل عائقاً للبحث في اوضاع الجنوب وتنفيذ القرار 1701، ولذلك يجب ان تقوم المؤسسات اللبنانية بعملها الطبيعي، وانّ المزيد من الانتظار في سبيل حسابات داخلية لن يكون مجدياً، وانّ هدف فرنسا هو ان يتمكّن لبنان من الحصول على شيء ايجابي مما حصل، وهي تأمل في هذا، ولكنها ترى انّ ما من شيء مضموناً لأنّ الوضع يمكن ان يتدهور، وهناك خطر اندلاع حرب اقليمية، الاحتمال الآن اقل، ولكن لا يمكن إسقاطه من الحسبان.
ويؤكّد المصدر الديبلوماسي انّ لودريان آتٍ الى لبنان في ختام جولة له في المنطقة. فالموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي تعرّض لانتقادات كثيرة خصوصاً لجهة ما يتعلق بمعادلة رئاسية، لأنّ الفكرة كانت ترتكز على معادلة تضمن انتخاب رئيس جمهورية ووصول رئيس للحكومة يطبّق الاصلاحات المطلوبة للبنان، ولكن البعض صوّر فرنسا على انّها تتحدث عن شخص واحد على الرغم من انّه لم يكن هذا موقفها، فهي لم تدعم شخصاً وانما دعمت معادلة معينة، الّا انّ البعض أظهر المفهوم الفرنسي لهذه المعادلة بنحو مغاير يناسبهم هم ولا يناسب فرنسا ولبنان.
ويوضح المصدر نفسه، انّ المبادرة الفرنسية تقوم على فكرة اساسية هي مساعدة لبنان في الخروج من المأزق وإنجاز الاصلاحات المطلوبة للبلد. وقد لاحظ لودريان انّ هذه المعادلة لا تسير بالنحو المرجو منها، فاقترح طريقة اخرى، ولذلك فإنّ المشهد الآن بات مختلفاً في ظلّ ما يحصل في غزة، ولكن لدى فرنسا العزم والمضي في مهمّتها حتى ولو كان الامر معقّداً، او حتى ولو كان هناك من يقول انّ على قطر تولّي هذه المهمّة بدلاً منها. فالفرنسيون يعتزمون مساعدة لبنان في الخروج من أزمته، ولكن البرلمان الفرنسي ليس من سينتخب الرئيس اللبناني في النهاية، وقد حان الوقت لإعادة بناء المؤسسات في لبنان الذي يقف على شفير الحرب، فيما لا نقاش في البرلمان حول هذا الموضوع، ولا بّد من ان يكون هناك حوار وطني حول المؤسسات، فهل يكون هذا الحوار سهلاً ام لا؟ والجواب عن هذا السؤال، في رأي الديبلوماسي، هو عند اللبنانيين دون سواهم، ولكن فرنسا تعتقد جازمة انّ الوقت قد حان لمثل هذا الحوار، وخلال الاشهر المقبلة لا بدّ من التقدّم على هذا المسار، وإلاّ سيبقى لبنان في هذه الدوامة.
ويؤكّد الديبلوماسي الاوروبي ايّاه، انّ الاميركيين لا يعرقلون المبادرات لحل الأزمة اللبنانية، ولكنهم يعتبرون انّ الملف اللبناني جزئي في الملفات الاقليمية، ويقولون انّ على الفرنسيين ان يتعاملوا بقساوة اكثر مع لبنان، إذ أنّ المقاربة الاميركية للوضع اللبناني هي مقاربة تكميلية تندرج في اطار الهدف المشترك للجنة الخماسية العربية ـ الدولية المتعاطية مع الملف اللبناني، ومن هنا اهمية حصول الحوار اللبناني ـ اللبناني لإيجاد الحلول وتحقيق الاستقرار في لبنان، وانّ لدى الفرنسيين والاميركيين الهدف نفسه، حسب المصدر.
على انّ الدروس التي تمّ استخلاصها من زيارات لودريان السابقة للبنان، يقول المصدر الديبلوماسي، لا تزال صالحة للعمل في شأن الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات الداخلية. اما المشكلة في الجنوب فتتعلق بتطبيق القرار 1701 وليس إعادة النظر فيه، وليست هناك مفاوضات جارية في هذا الصدد، ولكن هذه المسألة ستُطرح في الاسابيع المقبلة، ولا بدّ من انتاج صيغة لمعالجة المواضيع المتعلقة بجنوب لبنان. واما رسالة فرنسا فإنّها تحضّ اللبنانيين على التحاور في ما بينهم لإيجاد الحلول للازمة. ويوضح المصدر، انّ زيارة لودريان المرتقبة للبنان كان يجب ان تتمّ في تشرين الاول الماضي، ولكن اندلاع الحرب في غزة خلط الاوراق وجعل الوضع الآن مختلفاً عمّا كان عليه الشهر الفائت، ولكن الفكرة من هذه الزيارة هي القول للأفرقاء اللبنانيين انّ الأزمة اللبنانية لا تزال على الأجندة الفرنسية، وينبغي الاستمرار في البحث عن حلول لها، وانّ على اللبنانيين قبل الآخرين ان يوجدوا هذه الحلول، وانّ فرنسا تعمل في اتجاه مساعدتهم على هذا الامر، فلودريان خلال زيارته للبنان سيلتقي عدداً من المسؤولين وفي ضوئها ستحدّد باريس ما يمكن ان تقوم به.
ولا يخفي المصدر الديبلوماسي انّ المعطيات التي لدى فرنسا تشير الى انّ لبنان يقف على شفير الهاوية، وانّ الوقت حان للقول للبنانيين انّ عليهم التقدّم والمبادرة، فالوضع لا يزال مثيراً للقلق ولا تزال باريس تلاحظ انّ هناك حسابات سياسية لدى البعض تعطّل الحلول، وانّ لودريان يعي صعوبة الوضع، ولكن ما زال لدى فرنسا كل العزم لمساعدة لبنان على الخروج من الازمة، وتعتبر انّ التقليل من دورها انما هو تقليل من دور لبنان، وانّ التشكيك في التزامها تجاهه لا يخدمه.
وحيال ما يُقال عن تعرّض شركة «توتال اينرجيز» لضغوط اميركية وغيرها تمنعها من اعلان حقيقة نتائج الحفر للعثورعلى النفط والغاز في الحقول اللبنانية بكميات تجارية، يقول المصدر الديبلوماسي «انّ «توتال» هي شركة خاصة لا تتلقّى تعليمات لا من فرنسا ولا من اميركا، وهي شركة عالمية لها استراتيجيتها الخاصة وصاحبها لبناني من آل سعادة، وانّها لا تزال تنتظر نتائج عمليات التثبت من وجود الغاز في البلوك 9، فيما هي مهتمة لمواصلة العمل في البلوكين 8 و 10، فالمسألة ليست مسألة «توتال» وانما هي ماذا يتوقع لبنان، فهناك مشكلات سياسية كبيرة، وكميات الغاز الموجودة لم يثبت بعد انّها كميات تجارية، ولذلك سيكون هناك استكمال للحفر للعثور على مثل هذه الكميات، والوضع في هذا السياق امام ثلاثة احتمالات:
– اما عدم وجود غاز.
– إما موجود بكميات يجب التأكّد من امكانية ان تكون كافية للتجارة.
– إما وجود آبار كبيرة، وهذا احتمال ضئيل.
ويقول المصدر الديبلوماسي «انّ الاحتمال الأقرب هو الاحتمال الثاني، وهذا يعني انّ ثروة الغاز لن تحلّ كل مشكلات لبنان، وبالتالي فإنّ الانتظار ليس مفيداً لأنّ ليس هناك كميات من الغاز تجعل من لبنان بلداً غنياً».