ابحثوا عن الودائع في المصارف وليس في مكان آخر

توقفنا فترة عن الكتابة بسبب الأزمات التي تمرّ فيها منطقتنا، واحتراماً للدماء التي سقطت، ولكن يجب الّا نوقف الكلام في الاقتصاد، فالواقع اللبناني ينتظر خطة حقيقية لمعالجة أزماته المتعددة.

يتمّ البحث حالياً بوسائل لتمويل صندوق استرداد الودائع بإيرادات ضريبية، وتمّ إقرار ان يكون تمويل الصندوق من اقتطاع بعض الأرباح التي ستحصّلها الدولة من أرباح المقترضين الذين سدّدوا قروضهم بسعر صرف وبقيم مختلفة عن القيمة الفعلية. هذه الضريبة معقّدة وغير عملية وتطبيقها صعب جداً، صحيح انّ بعض الناس استفادت ولكنها خسرت في اماكن اخرى بسبب سعر الصرف ذاته، وكأنّ هذا الاقتراح (بقصد او غير قصد) يأتي لمصلحة المصارف لإدخال الناس في متاهة والهائهم عمّا هو أساسي، اي ودائعهم التي لا تزال تحتجزها المصارف، وإضاعة البوصلة حول الاتجاه الصحيح لاستعادة الودائع:

ـ أولاً، إنّ اعادة الودائع هو شأن مقدّس وبالغ الأهمية بالنسبة الى الاقتصاد اللبناني وحيويته وسلامته في المرحلة المقبلة، فإعادة الودائع تعيد الثقة وتنقذ سمعة القطاع المصرفي اللبناني، والدول التي اختارت ان لا تعيد حقوق الناس بعد الأزمات، ما زال اقتصادها متعثراً بعد عقود من الزمن.

ـ ثانياً، من الحماقة البدء بمعالجة أزمة قبل إدراك حجمها وحقيقتها الفعلية، فكيف يعالج الطبيب مريضاً قبل القيام بالتشخيص الصحيح، حتى اليوم لا تدرك السلطة الارقام الحقيقية ولا تعرف كم كانت الودائع الموجودة لدى المصارف حين بدء الأزمة، ولا تعرف الوضع الحقيقي لكل مصرف على حدة، ولم تطلع على تقارير سليمة مدقّقة للمصرف المركزي (حيث تبين انّ شركات التدقيق التي كانت تمارس تدقيقها بحسب تعليمات الحاكم المركزي ولمصلحته، وكأنّ المصرف المركزي ملكاً له).

ـ ثالثاً، الخطوة الاولى لإعادة الودائع هي البدء بإجراء محاسبة حقيقية لكل مصرف على حدة، وفهم حقيقة ما جرى في 17 تشرين الاول 2019، والإجابة عن الاسئلة التي سألناها مراراً، أي كيف كان وضع المصارف حينها؟ وما الودائع التي كانت بعهدتها؟ وما المبالغ التي كانت موضوعة في عهدة المصرف المركزي؟ وكم أرجع المصرف المركزي منها؟ وكيف تمّ تحويل الاموال الى الخارج بعد الأزمة وما قيمتها ومن قام بالتحويل؟ وغيرها من الاسئلة، ولا توجد محاولة لإيجاد اجوبة عن هذه الاسئلة، وهذا دليل الى انّهم يحاولون إخفاء الارتكابات الفظيعة التي وقعت.

كيف يمكن التفكير في حل لإعادة الودائع من دون إجراء محاسبة معمقّة للمصارف التي تستمر بوسائلها الملتوية والتي تهدف الى تقليص الودائع يوماً بعد يوم؟

فهل مقبول ان يغتني اصحاب المصارف في لبنان على حساب الناس الذين فقدوا حياتهم وجنى عمرهم وتعويضاتهم؟ هل هؤلاء هم أبعد من المحاسبة والمساءلة، وكنا استبشرنا خيراً بحاكم المصرف المركزي بالوكالة وسيم المنصوري وبأنّه سيقوم بخطوات مغايرة تعيد الحق لأصحابه، ولكن يبدو انّه غسل يديه من أزمة المودعين وترك الناس رهينة المصارف التي تستمر في طرقها الملتوية للاستمرار في تقليص الودائع.

ـ رابعاً، إبقاء خيار بيع بعض اراضي الدولة وارداً في حال كانت هناك حاجة لموارد لتمويل اعادة الودائع، علماً انّ هناك بعض الاراضي يجب على الدولة ان تبيعها حتى ولم يكن هناك حاجة لموارد كما ذكرنا، لأنّ بقاءها في عهدة الدولة يضرّ ولا يفيد، على ان يتمّ استعمال المردود من البيع في خلق مشاريع استثمارية وانمائية مفيدة، مثلاً اراضي سكك الحديد البحرية، إنّ ابقاءها على حالها هو ضرر اقتصادي وبيئي، وغيرها كثير من الأمثلة الاخرى. ومن يعارض هذا الاقتراح فليفسّر لنا، فليفسّروا لنا، لماذا تحتاج الدولة لهذه الاراضي؟

هذه الخطوات مطلوبة بسرعة. ولكن قبل كل شيء ان يتمّ إقرار قانون جديد للشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، فلا قيمة لأي صناديق او بيع اراضٍ او تحصيل ضرائب ما لم يتمّ كل ذلك بشفافية تامة وبيانات مفتوحة للجميع، ونستغرب تجاهل الجميع للشفافية، وربما التجاهل بات مقصوداً لمن هم في السلطة او لمن يطمحون للوصول الى السلطة يوماً ما، لإبقاء باب الهدر مفتوحاً.

Leave A Reply

Your email address will not be published.