“لا فائدة” ملحوظة لبنانياً للصور الجويّة للمرفأ
تسارع الحديث عن مفهوم الأقمار الاصطناعية ومدى دورها في مواكبة مجريات الأوضاع انطلاقاً من تطوّرات حرب غزّة، ما أعاد طرح الأسئلة حول مسائل كان طلب لبنان في سياقها الاحتكام إلى هذه التقنيات للتزوّد بمعطيات. وبرز ذلك جلياً في قضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005، وكذلك على إثر واقعة انفجار مرفأ بيروت في آب 2020. ولا تُعتَبر التجربة اللبنانية مشجّعة أو ذات جدوى فعليّة في ما يخصّ “البحث عن حقائق” من خلال الأقمار الاصطناعية، لأنّه لم يسبق أن توصّلت الدولة اللبنانية إلى نتائج إن كان لناحية عدم نجاحها في الحصول على صور فضائية أو التقاعس اللبناني عن متابعة مطالب مماثلة أو عرقلة التحقيقات القضائية استناداً إلى ما أحاط قضية انفجار المرفأ من “ضوضاء نزاعات” سياسية أعاقت عمل قاضي التحقيق.
أمّا في ما يخصّ قضية استشهاد الرئيس الحريري، فلم تكن الدولة اللبنانية هي من طلبت الحصول على معطيات منطلقة من تقنيات الأقمار الاصطناعية، بل التحقيق الدولي الذي بدوره لم يحصل على صور فضائية محدّدة خاصة بموقعة الانفجار. ويستذكر أحد كوادر تيار “المستقبل” من المقرّبين الوثيقين من الشهيد الحريري الذي تابع مجريات تلك المرحلة، أنّ “المحقق الدولي بذاته طلب صوراً من تقنيات فضائية، لكنّه لم يستطع ذلك لأنّ إجابة البعض كانت حينذاك أنّ الأقمار الاصطناعية لا تلتقط صوراً على مدار 24 ساعة، وأنّها لم تلتقط صوراً لحظة وقوع الانفجار”.
وفي غضون ذلك، يقول النائب السابق نبيل دو فريج لـ”النهار” إنّ “مقررات المحكمة الدولية في لاهاي لم ترتكز على تقنيات الاقمار الاصطناعية لكنها طلبت ذلك في حال كانت هناك دولة في استطاعتها إعطاء معلومات استناداً إلى الاقمار الاصطناعية. لكن الصور الفضائية للأقمار الاصطناعية ماذا كانت لتظهر أكثر مما أظهره التحقيق لناحية وجود سيارة ميتسوبيشي محمّلة في 2 طنّ و180 كليوغراماً من مادة TNT المتفجّرة؟… وهذه معطيات واضحة أظهرتها كاميرات مصرف الـhsbc واستطعنا الحصول على معطيات حول الطرق التي سلكتها السيارة التي انفجرت قبل وصولها إلى مكان الجريمة. أمّا الأقمار الاصطناعية فليست في مقدورها إظهار حيثيات إضافية عن تلك التي أظهرتها الكاميرات، خلافاً لإمكان الاستفادة منها في ما يخصّ انفجار مرفأ بيروت”.
الحال يختلف في ما يخصّ قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. وكانت روسيا أرسلت إلى لبنان صوراً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 التقطتها الأقمار الصناعية لمرفأ بيروت قبل الانفجار الضخم الذي هزّه وبعد الانفجار. وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حينذاك بُعيد لقائه نظيره اللبناني عبد الله بو حبيب في موسكو أنه جرى تسليم لبنان صوراً فضائية وصور أقمار صناعية أعدّتها وكالة “روسكوزموس” بناء على طلب الحكومة اللبنانية للمساعدة بالتحقيق في أسباب انفجار مرفأ بيروت. وكان الرئيس السابق ميشال عون طلب من السفير الروسي لدى بيروت ألكسندر روداكوف في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، تسليم بلاده صور الأقمار الصناعية لانفجار المرفأ لاحتمال الاستفادة منها في التحقيقات.
ماذا حلّ بالصور التي حصلت عليها الدولة اللبنانية؟ في السياق، أكّدت أوساط ديبلوماسية لبنانية رسمية مطلعة لـ”النهار” أنّ وزارة الخارجية اللبنانية كانت استلمت الصور الفضائية التي زوّدت بها الأقمار الاصطناعية الروسية لكنّها لم تطّلع على مضمونها لأنّ دورها يعتبر وسيطاً ديبلوماسياً بروتوكولياً بل سلّمتها مباشرة إلى وزارة العدل اللبنانية بناءً على استنابات قضائية قبل أن تتحوّل إلى المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت. وإلى ذلك، يُقلّل متابعون حكوميّون لبنانيّون للتطورات المتعلّقة في قضية انفجار مرفأ بيروت من احتمال أن يكون لبنان قد استفاد من صور الأقمار الاصطناعية الروسية انطلاقاً من سببين أساسيين: أوّلهما، أنّ لبنان تسلّم من موسكو صوراً فضائيّة خاصّة بمرحلة ما قبل انفجار مرفأ بيروت وما بعدها؛ ولم يحصل على فيديو مصوّر يوثّق دقائق وقوع الانفجار ما يجعل الصور الفضائية مجرّد وسيلة للمقارنة بين حال مرفأ بيروت ما قبل الانفجار وما بعده لا أكثر. وثانيهما، استمرار المراوحة في تحقيقات واقعة انفجار المرفأ نتيجة النزاعات السياسية القضائية الحاصلة.
من جهتهم، يؤكد خبراء عسكريون لـ”النهار” وجود أقمار اصطناعية عدة ترصد الأجواء اللبنانية لكنها ليست تابعة للدولة اللبنانية بل لعدد من الدول النافذة في المنطقة. وإذ تمكن العودة إلى فحوى الأقمار الاصطناعية فوق الأراضي اللبنانية إذا كانت تراقب الأجواء، لكنّ تزويد لبنان بالتفاصيل مسألة مرتبطة بقرار الدول صاحبة تلك التقنيات.